هاني عرفات يكتب لـوطن: انتخابات الرئاسة الأميركية.. الفيل الهائج وسيناريو الفوضى

28/09/2020

حينما رسم رسام الكاريكاتور الأميركي من أصل ألماني توماس ناست فيلاً ضخماً هائجاً يدمر كل ما يقف في طريقه، ولا يلوي على شيء (والذي تحول لاحقاً ليصبح رمزاً للحزب الجمهوري) في العام 1870م، لم يكن يعلم أن هذا الرسم للفيل سيتحول إلى شحم ولحم ممثلاً بالرئيس الجمهوري الحالي دونالد طرامب، فمنذ حملته الانتخابية في2016م، بدا واضحاً أن هذا المرشح الذي أصبح رئيساً فيما بعد لا يتورع عن استخدام كل الأساليب للوصول إلى هدفه، دون أن يعير إهتماماً للتقاليد الرئاسية الاميركية ، بل تعدى ذلك إلى انتهاج سياسات مغامرة داخلياً و خارجياً ، عادت بالضرر الكبير على سمعة ومكانة الولايات المتحدة في العالم.

الرئيس الهائج والذي يعاني من مشاكل جمة للفوز برئاسة ثانية  في الانتخابات المزمع إجرائها بعد شهر تقريباً ،بسبب فشله في معالجة أزمة الجائحة ، و تدهور الوضع الاقتصادي ، و تنامي موجة العنصرية في البلاد ، و انحيازه المطلق و السافر لأصحاب المليارات على حساب الطبقة الوسطى و الطبقات الفقيرة ، و أخيراً ما نشر في صحيفة النيويورك تايمز حول أن الرئيس طرامب لم يدفع ضرائبه خلال العشر سنوات الاخيرة إلا ما قيمته 850 دولاراً أميركياً فقط و ذلك قبيل إنتخابات 2016م ، هذا الرئيس  أطلق تصريحات خطيرة خلال الاسابيع الماضية مفادها بأنه لن يخسر الانتخابات إلا في حالة واحدة فقط  ، وهي إذا تم تزوير هذه  الانتخابات . خطورة هذا التصريح تنبع من التلويح بعدم قبوله بنتائج الانتخابات في حال الخسارة خارجاً عن التقليد الانتخابي للانتخابات الرئاسية ، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الانقسام الحاد في المجتمع الأميركي خلال فترته الرئاسية ، لا سيما و أن جزء كبير أنصار الرئيس طرامب الذين يصغون إليه دون تفكير أو تمحيص ، فإن موقفاً كهذا قد يوصل البلاد إلى حافة الهاوية.

كما هو معروف فإن النظام الانتخابي الاميركي ليس نظاماً إنتخابياً مباشراً ، بمعنى أن كل ولاية تصوت لمندوبين عن الولاية يماثل حصة هذه الولاية من عدد النواب إضافة إلى حصة كل ولاية من أعضاء مجلس الشيوخ المحددة بعضوين لكل ولاية ، و هؤلاء حسب قوانين الولايات يفترض عليهم التصويت لصالح المرشح الذي فاز بالاغلبية البسيطة في الولاية ، و مع أن بعض الولايات تجرم أن يصوت المندوب بخلاف ذلك إلا أنه لا يوجد ما يمنع في الدستور الاميركي من أن يصوت المندوب بعكس ما قرره الناخب في ولايته، على إعتبار ذلك قانون ولاية و ليس دستوراً.

المعلق السياسي لل سي أن أن فريد زاكريا وفي مقال له في الواشنطن بوست قبل أيام ، أعرب من خشيته من حصول سيناريو مخيف بعيد الانتخابات الرئاسية القادمة ، وهو أن يقوم طرامب بالطعن في نتائج الانتخابات في حال خسارته متذرعاً بأي سبب مثل معارضته للتصويت عبر البريد الذي أقر في بعض الولايات بسبب مخاطر الجائحة ، مدعياً أن خصومه السياسيين سيستغلون ذلك لتزوير الانتخابات. و يضيف زاكريا أنه وفي هذه الحالة وكون الجمهوريون يسيطرون على المحكمة الدستورية العليا فإنها قد تذهب إلى خيار دستوري آخر ينص على أن يتم إنتخاب الرئيس  من خلال مندوبي النواب ، و لكن هذه المرة بواقع مندوب واحد  لكل ولاية، وبما أن الخارطة السياسية الحزبية الحالية تمنح الجمهوريين 26 ولاية و تمنح الديمقراطيين 23 ولاية ( هناك ولاية واحدة غير محسومة ) فإن ذلك يعني إعادة إنتخاب طرامب و بطريقة دستورية مئة بالمئة.

في حال حصول هذا السيناريو الخطير، فإن خصوم الرئيس طرامب لن يسلموا بهذا الأمر بسهولة  وستشهد البلاد حالة من الغضب والغليان غير مسبوقة في التاريخ الاميركي وقد تؤدي إلى أحداث عنف قد لا تحمد عقباها و سيصعب محاصرتها  ، بسبب حالة الاستقطاب السياسي و الشرخ الحاد بين معسكرين يبتعدان عن بعضهما البعض  بشكل مضطرد يوماً بعد يوم . و من نافل القول وفي حال حصول هذا السيناريو أن ينعكس ما يجري في الولايات المتحدة على بقية دول العالم ، فهي الدولة الاقوى و الاكثر نفوذاً سياسياً ، إقتصادياً و عسكرياً ، مما قد يفتح العديد من الشقوق و التصدعات في عالم يعاني الكثير من المشاكل أصلاً ، و سيفتح المجال ربما لنظام عالمي يعتمد أكثر فأكثر على قوى إقليمية ، أكثر من إعتماده على القوى العظمى المهيمنة.

و مع أن هذا السيناريو الذي تحدث به زاكريا يبدو صعب التحقق رغم كل ما ذكر أعلاه ، كون كلا الطرفين المتنافسين يدركون خطورة هكذا سيناريو على مستقبل البلاد و مكانتها و بالتالي مستقبل الشرائح التي يمثلونها ، فإن أي نظرة مستقبلية لنتائج الانتخابات الرئاسية القادمة يجب أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار. الأمر المؤكد أنه و مهما كانت نتائج هذه الانتخابات فإن الولايات المتحدة الاميركية لن تكون كما كانت عليه.