على هامش التهافت نحو التطبيع .. رسالة موجهة إلى الرؤساء والقادة العرب والرئيس الفلسطيني محمود عباس

14/08/2020

 كتب عبدالله أبو شرخ : إن كنت تبحث عن مقالات تبجيل الشعر العربي الحماسي وقصة الزير سالم وفروسية عنترة وأمجاد الفتوحات والسبايا وملك اليمين، فليس مكانك هذا المقال !

هذا مقال، يلامس كبد الحقيقة بلا تمجيد ولا تطبيل ولا تقديس، ويرصد أهم ملامح الهزيمة الحضارية الشاملة للعرب، من المحيط إلى الخليج. سيعرض مشاهد الهزيمة الحضارية الشاملة للعرب في التربية والتعليم والصحة والتنمية الاجتماعية والتكنولوجيا والدفاع بأنواعه.
يقول الشاعر مطر:
أي قيمة ؟
لجيوشٍ يستحي من وجهها وجه الشتمية
هزمتنا في المزارع
هزمتنا في المصانع
هزمتنا في الجوامع
ولدى زحف العدو
انهزمت قبل الهزيمة ؟؟!

لقد لامس الشاعر أوجاعنا الحضارية بمشرط الجراح، وهرس الدمل الذي يحرص كل عربي على إخفائه وعدم البوح به علانية ! نعم، الهزيمة شاملة، في الصناعة والزراعة والتعليم والصحة والدفاع .. مدارسنا العربية دفيئات لتعليم الجهل وجامعاتنا دفيئات أخرى لجعل الجهل فلسفة تحارب العقل العلمي، فضائياتنا، مواقعنا، مذياعنا، كلها تبث الجهل صباحا ومساءا، لقد فشلنا في بناء إنسان مستقل يفكر بصورة خلاقة، فالتعليم العربي يعتمد الحفظ والتلقين وحفظ المعلومات دون فهم، والتلقين ، هو اغتيال لأي تفاعل خلاق بين العقل والمعلومات التي يتم فرضها بوصاية ودون فهم !
إن التلقين لا ينتج الأذكياء ولا النقاد ولا المبدعين، بل ينتج الأغبياء والطائعون والكسالى أصحاب المفاصل المرخية الذين يبحثون عن تكية راتب الدولة !

لا حل إلا في مناهج التعليم جديدة وطرق تأهيل المعلمين، وتطوير وتحسين جودة التعليم من خلال تخفيض عدد الطلاب في الفصول، ولكي تصبح نواتج التعليم تصب في تطوير وتقدم الاقتصاد ومؤسسات الدولة، يجب اللجوء إلى ممارسة الديمقراطية الشاملة التي تفرز الكفاءات وتحاسب الفاشلين والفاسدين، ومن المهم أيضا فصل السلطات الرئيسية الثلاث في الحكم، التشريع والقضاء والتنفيذ. إن ممارسة الديمقراطية الشاملة تعني ضرورة العودة إلى مسلمات حرية التفكير وحرية التعبير، مع عدم اعتبار أي نقد لشخصية عامة بمثابة تهمة يعاقب عليها القانون، بصرف النظر إن كانت الشخصية العامة مديرا لمدرسة أو أمينا عاما لحزب سياسي أو حتى رئيسا للدولة !

ولكي لا تظل الكلمات السابقة مجرد شعارات فارغة أو أحلاماً نرجسية لتجميل قبح الواقع، فإننا نؤكد أنه لا فرق في هزيمة نكبة فلسطين في 1948 عن نكسة حزيران 1967 عن طرد المنظمات الفلسطينية من الأردن عام 1970 ومن لبنان عام 1982، كما لا يوجد فارق بين تلك الهزائم مجتمعة، واحتلال العراق وتقسيمه عام 2003 ولا في لجوء الخليج العربي إلى الحماية الإسرائيلية هربا من التغول الإيراني !

إن النظام العربي الذي يحكم بالحديد والنار ويفرض أيديولوجيا محددة حول الكون والحياة والتساؤلات الوجودية الكبرى، هو المسؤول عن فشل التربية والتعليم في إنتاج مبدعين وأذكياء من خلال اعتماد مناهج التفكير الناقد والتحليلي والإبداعي بدلا من التلقين وقهر الإنسان بفرض رؤى وتخيلات قديمة، ظلت بعيدة عن النقد والدرس لآلاف السنين وحتى اللحظة!

تفاصيل وهوامش من دفتر الهزيمة:

1- حركات المعارضة العربية المتمثلة بحركات الإسلام السياسي، كانت الأكثر تنظيرا ومطالبة بالديمقراطية واستغلالا للمؤسسات الحقوقية المحلية والعالمية لمناهضة الاعتقال، لكن عند المحك العملي والتجربة فقد تبين العكس، فقد حكم الإسلام السياسي كلا من أفغانستان والصومال واليمن ولبنان وغزة والسودان، وحتى في الدول التي لم يصل فيها الإسلام السياسي للحكم، فقد كانوا يمارسون سلطة ثقافية واجتماعية هائلة ( في الغالب ممولة دوليا )، كما في المغرب العربي والعراق ودول الخليج. خلاصة السلطة التي مارستها حركات الإسلام السياسي، هي تفاقم الفقر وتفشي الجهل والبطالة والقمع بأشكاله ودمار التعليم والصحة والبنى التحتية، ناهيكم عن العزلة السياسية عن النظام العالمي الذي اعتبر تلك الحركات امتدادا للإرهاب وأعلن الحرب عليها، أو استثمرتها بعض القوى العظمى في تحطيم مؤسسات الدولة القومية كما حدث في سوريا والعراق وليبيا واليمن والصومال !

2-  رغم قلة وتفاهة ما حققه اتفاق أوسلو، إلا أن السلطة لم تضع في الحسبان طبيعة الصراع مع عدو متفوق بصورة مذهلة في شتى المجالات، فنحن لم نمارس الانتخابات كاستحقاق ديمقراطي أبداً، بل لشرعنة وجود السلطة وشرعنة اتفاق أوسلو. غياب الديمقراطية عن مؤسسات السلطة وانعدام وسائل محاسبة الفساد، وتحول المناضلين والمقاومين من الخنادق إلى الفنادق والسيارات الفارهة والفيلات والأرصدة ونهب المال العام، ساهد بصورة كبيرة في مبررات هدم المعبد على رؤوس الجميع، فكانت الانتفاضة الثانية ! بينما لو حضرت الديمقراطية الحقيقية وتم وضع خطط للتنمية والتطوير مع تغيير ثوري في مناهج التعليم يهدف إلى تربية الإنسان المنتج، المفكر، المبدع، لكن بالإمكان إحراز تقدم كما كان ممكنا الاستفادة من التقدم التكنولوجي الإسرائيلي، تمام كما فعلت كوريا الجنوبية وسنغافورة مع اليابان. لكننا لم نصمم أي خطط للتنمية ولا مارسنا الديمقراطية ولا حرية التفكير والتعبير، والنتيجة ؟؟؟ سيطرة السفلة وتجار الدين والوطن والفاسدين، مما خلق مبررات لدول خليجية وغير خليجية لتفضيل نموذج الحكم الإسرائيلي الأقرب إلى الديمقراطية عن نموذج السلطة الذي لم  يرقى لأكثر من مجرد نسخة مكررة لأي نظام عربي فاشل، وبالتالي فقد خسرنا تدريجيا من كانوا بالأمس حلفاء لنا وداعمين لشعبنا وقضاياه العادلة.

3- جميع الوعود الإسرائيلية للدول العربية بخصوص الاستفادة من السلام مع إسرائيل هي وعود كاذبة، لم تتحقق لا في مصر ولا في الأردن ولا في قطر ولن تتحقق في الإمارات وعمان والبحرين، ذلك أن إسرائيل لن تكون حلا للهزيمة الحضارية والعلمية للعرب، بل ستعمل على تعميق التخلف واستنزاف الموارد واستغلال الأسواق لمصلحتها ومصلحة شركاتها ومهندسيها وعمالتها المدربة وذلك للحفاظ على تفوقها ومكانتها فيما يسمى بالشرق الأوسط الجديد !

4- الشعب الفلسطيني تمت تجزئته وتقسيمه بصورة مذلة متعددة الولاءات، فثمة جزء موال لإيران وأذرعها، وقسم ثان موال لقطر وتركيا، وثالث موال للإمارات، أما مؤسسات المجتمع المدني فهي خاضعة بالكامل لرغبة الممول الأوروبي والغربي. هذه الولاءات كلها ترتبط عضويا براتب أو كوبونة أو مصدر رزق في ظل بطالة خانقة  جراء الحصار والقمع الإسرائيلي التصاعدي الذي تم فرضه كرد قاس على أحداث الانتفاضة الأولى ثم الثانية وحتى اللحظة ! تلك الولاءات أضعفت روح الانتماء الوطني كما حطمت المباديء والمثل العليا وهو ما أصاب المجتمع الفلسطيني في مقتل !

5- ومن مشاهد الفشل العربي، هو مرة أخرى، فشل فكري وثقافي وعلمي، مستمر منذ اكتشاف كروية الأرض ودورانها مرورا بتفسير الظواهر الفلكية والطبيعية كالليل والنهار والخسوف والبرق والرعد والمدّ والجزر، والتي ظلت في الثقافة العربية السائدة جزءا من تخيلات قديمة بدائية، ولا حل للعرب جميعهم، إلا بثورة في التعليم والتربية والثقافة والعودة لتقرير دراسة الفلسفة بصورة إجبارية في جميع الجامعات والمعاهد العليا، تماما كما تفعل جامعة بيرزيت بالدراسات الثقافية !

6- أما آخر فقرات الهزيمة العربية، فهي عدم ملاحظة التغيرات الجبارة لنظام العولمة والذي جعل اقتصاد الكوكب محتكرا من قبل عدد محدود من الشركات العابرة للقارات، مثل غوغل وفيسبوك وتويتر وميكروسوفت وامازون وأبل مع كل ما يرافقها من تطبيقات في ثورة الاتصال مثل واتس آب وماسينجر وإيمو وفايبر وغيرها. هذا البون الشاسع بين مخرجات ومنتجات الحداثة، هو بالأساس بون وفجوة في مناهج التعليم والتربية واعتماد النظم الديمقراطية في المجتمع ومؤسسات الدولة !