إعدام فرد أم إعدام مجتمع ؟!!

11/07/2020

كتبت: هبة محمد العزة

سؤال أضعه على الطاولة في اللحظة التي أرى بها كل الأخبار أصبحت متشابهة إلى حد الغثيان، جرائم قتل، اغتصاب طفولة، هتك عرض، شرف عائلة، تعذيب، حرق، مصطلحات كانت غائبة بالماضي أو السماع بها لا يعد يذكر مقارنة باليوم، كلمات بتنا نستيقظ ونغفى على تلك الجرائم أللإنسانية، كان ذكور المجتمع يرتكبون الجرائم بحق النساء ويلصقوها بشرف العائلة كي يفلتوا من العقاب، حق أن يضرب الأب ابنته ويعذبها بموجب أن القانون لا يعاقب الآباء على جرائمهم بحجة من حق الأب كل شيء على أبنائه، ولا أعلم ما نوع التأديب أو السلطة الذي يمتلكها الأب أو الذكور على نسائهم وإلى أي مدى؟.

حين لا ترسم الدولة حدودها، يدفع الدول المجاورة أن يطمعوا و يتمادوا في سرقة حقوق الآخرين، وهذا ما يحصل بمجتمعنا بالفعل، أن لا أحد يعلم الحدود التي يمتلكها، والقانون لا يرسم الحدود لأفراد المجتمع، بل بالعكس تساهم بنشر الفساد وزيادة الجرائم بالقوانين الرقيقة التي لا يمكن أن يتصورها المنطق، حيث بقيت فلسطين مرتبطة بقوانين العهد الأردني بالضفة الغربية، ولم يتم تعديله منذ 1960، ولقد غاب المجلس التشريعي منذ 2006 عن سن أي قوانين جديدة أو تعديل نصوص العقوبات، حتى القوانين الأردنية ما زال فيها ضعف بالأخص نحو الجرائم التي تتناول النساء.

قبل يومين فقط قرأت خبراً عن رجل تحاكم بقضية هتك عرض قاصر بأربع سنوات فقط؟ وذلك بقضية أثبتت فيها الأدلة والاعترافات،  أيعقل شرف النساء رخيص إلى هذه الدرجة، في حين أن نسائنا كل يوم يقتلون بحجة الشرف، أيعقل شرف الذكور هو أغلى ثمناً من النساء؟ والأطفال التي هُتكت طفولته وأحلامه من آبائهم وإخوانهم وأقاربهم، قتلوا تلك البراءة التي تلمع في عيون طيور الجنة، ولوثتهم نفوس مريضة بقلة الشرف والفجور التي تسمح لنفس دنيئة وقذرة أن تغتصب براءة طفلة وتهتكها إلى درجة الهلاك والموت أو البقاء حية في أعداد الموتى، فكل من هذه الضحايا التي تتعرض لمثل هذا الألم إن قًتلت تبقى روحها على الأقل بخير بين يد الخالق، وإن كان وللأسف أن أقولها بقيت على قيد الحياة فهي تقتل ثلاث مرات مرة حين اغتصب الأمل، ومرة من المجتمع ومرة من القانون.

نعم من المؤسف أن تكون هذه الضحية قد اغتصبت مرتين مرة من الجاني ومرة من مجتمع بأكمله، ينظر لها نظرة ويا ليتها شفقة، بل نظرة قاتلة تشعرها بالنقص والنبذ واستحقار النفس والمذنبة، ويحكم عليها بالانطواء والاختفاء من الأنظار للأبد، بكل بساطة هذا النظرة تكون اتجاهها لأننا بمجتمع لا يحترم النساء ولا ينصفهن، وما يدفعنا لهكذا مجتمع ذكوري هو امرأة معذبة اليوم من التعنيف والقهر والإهانة من الرجل التي علمته وزرعت به القيم والأخلاق ومفاهيم العُرف والعادات التي يجب أن يرسخها بعقله، وثقافة العيب، والعنصرية بين الذكر والأنثى، وإعطاءه السلطة أن يكون مميزاً عن أخته، بأخذ امتيازات أكثر بالذهاب والعودة للبيت، والإقدام على احترام قراراته، وحق الاختيار، وحق السلطة، في حين أن أخته مجردة من كل هذه الحقوق، فيبدأ شعور الخوف والرهبة من الذكر أمر اعتيادي في قلب أي امرأة حتى مجردة من القوة بالمواجهة أو الدفاع أمام هذه الفئة، فتبقى ضعيفة، ضعيفة جداً إلى حد الاستسلام لأمر الواقع، ومن ثم الخضوع، ومن ثم التصديق بأن هذا هو الصواب، إلى حد أن تكبر وتكون ضحية كل من تسولت نفسه وتجرد من القيم الأخلاقية والدينية التي يجب أن يتربوا عليها وهي: " استوصوا بالنساء خيرا".

بالحقيقة الأم المدرسة الأولى للأبناء ليس الوحيدة المذنبة بمجتمع يقتل النساء ويهتك حق الأطفال ويجردهم من حق الحياة أو العيش بكرامة، بل هناك مسؤولية مجتمعية وسياسة دولة وحقوق إنسان شريكة بمثل هذه الجرائم، باللحظة التي ترى الضحية نفسها تُعدم من مجتمع بأكمله ومن الجاني، ويأتي القانون ولا يستطيع أن يُقدم على إعدام مرتكبي الجرائم في حين أن الضحية ستبقى تتنفس على صوت الخوف والموت الذي يسكن جسدها، لن يكون هناك عدلاً، نعم سيخرج حقوق الإنسان ويقول من أنا لأقتل إنسان على قيد الحياة؟ هذا السؤال نفسه يجب أن يطرح لمرتكب هذه الجرائم أيضا، غياب القانون والعدالة والعقوبة الرادعة لمثل هكذا جرائم عظمى كالاغتصاب وهتك العرض والزنا واغتصاب المحارم وجرائم القتل باسم الشرف والتي لا اذكر منها جريمة واحدة مثبت بها أي شيء يهتك شرف العائلة!!، هذا سيرفع كل الجرائم بكافة أنواعها حين التهاون بالعقوبات، السؤال الأهم ما الذي يجعله يستحق الحياة وهناك ضحية قتلت أو تقتل كل يوم؟ ، من أهم إعدام فرد واحد يتعظ منه الجميع؟ أم إعدام مجتمع كامل لفرد واحد؟ إضافة إلى ازدياد الجرائم في ظل غياب الحكم العادل والرادع؟.

كل ما أراه أن الوقت ليس مبكراً على أن تتدخل المدارس والجامعات والمؤسسات الحقوقية في تغيير منهج حياة، أسلوب تربية، زيادة وعي، تعليم حقوق وواجبات، أنا ليس مع تساوي الجنسين، ولكن مع العدالة والخصوصية لكل طرف، حقي في الحياة والعيش بكرامة وحقي بالاختيار والتعبير، حقي بأن يكون لي كيان مستقل غير تابع بكل شيء، حقي أن احمل اسماً مستقلاُ عن والدي وزوجي، حقي حين يقرأ كلماتي أحد أسمي وحده كفيل أن يراني الآخرون بعيوني أنا وليس بعيون أبي، حقي حين أكتب كلماتي يعلم العالم من أكون!!!، من هنا يجب أن يتوقف النساء جميعا في إتهاض أنفسهن لسوء تربيتهن للرجل، يجب أن يتوقفوا لتغيير أسلوب تربية تحفظ حقهن وحق بناتهن بالمستقبل، يجب أن تعلمي يا سيدتي أن لك حياة يجب أن تكون مفعمة بالأمل والورود لا مدمسة بالدم والتهميش.

أما يا سيادة الدولة والقانون، لا شيء أغلى من حق الحياة وهي أول قانون ينص عليه دستور حقوق الإنسان والدولة، ومن ثم يتبعها حق العيش بكرامة ودون تمييز يفرق بين لون وعرق وجنس وديانة، وحق أن يكون لي كيان مستقل وهوية، فكيف أعطي حق للحياة لمن يسلب مني أهم حق بالدستور؟ كيف لكم يا سيادة الدولة وحقوق الإنسان أن تفسروا لي هذا التضارب؟ فإن كان إعدام شخص واحد لا يستحق الحياة هو جريمة؟ فإن التستر عليه أو تخليصه بالقانون أو إعطاءه حق الحياة على حساب الضحية وإعطاء درس للآخرين على أن حق الحياة ثمنه لا يتجاوز 15 سنة وأقلها ثلاث إلى ست شهور وربما البراءة من الجريمة وإن لم يأخذ عذراً على تخفيف عقوبته غير حسن السلوك أو خروجه بإعفاء رئاسي قبل قضاء المحكومية هو جريمة أكبر بحق مجتمع بأكمله، أنظر يا سيادة القانون حولك سترى أن الجرائم باتت بلا حدود بمجتمعاتنا العربية، وأغلب مرتكبيها ذكور بحق النساء والأطفال، من أعطاهم الحق بذلك لولا غياب العقوبة الرادعة بحقهم، فإعدام مجتمع بأكمله لن يكن خيار أفضل من إعدام فرد واحد ينقذ مجتمع كامل!!!.