المطفّفين والمتقاعدين؟!

01/07/2020

كتب: وليد هودلي

وقد وصلنا من أخبار تلك البلاد في ذاك الزمان، زمان عجب العجاب أنّ الناس قد ابتدعوا نظاما لرعاية موظفي البلاد يقتضي بخصم مقتطعات من رواتبهم تصل الى ستة عشر بالمائة ، وتؤخذ هذه الى صندوق خاص وضعوا عليه هيئة إشراف وإدارة تسمى هيئة شئون التقاعد، ومن مهمة هذه الهيئة أن تحفظ هذه المدّخرات لسنوات الشيخوخة، ولتضمن لهم حياة كريمة بعد أن تتقوّس عظامهم ويبلغون من الكبر عتيّا ويصبحون غير قادرين على العمل بعد أن أفنوا جلّ أعمارهم وزهرة شبابهم في أعمالهم ووظائفهم ، ولهذه الهيئة أيضا أن تستثمر هذه الأموال وتنمّيها لتضمن فوق العيش الكريم رفاهية محمودة إن نجحت في إدارة الاستثمار.

ودارت الأيام واجتاحت البلاد والعباد جائحة وبائية جعلت الحكومة والناس في ضائقة مالية، واكتشف المتقاعدون أنّ مدخراتهم لم تكن في صندوق هيئة التقاعد وانما كانت في صندوق الحكومة العام، وقد جرت العادة على خلاف كل الحكومات ودول الجوار، أن تُصدّر وزارة المالية كلّ شهر شيكا بالمبلغ الذي يفي المتقاعدين رواتبهم. ولمّا أفلس صندوق الحكومة ولم يكن لديه من السيولة والكاش( كما يزعمون) ما يفي بالتزاماته لهيئة شئون التقاعد، نكص على عقبيه، فانقطعت السبل بهؤلاء المسنين، فلا حفظت أتعابهم ولا استثمرت، ووجدوا أنفسهم بين السماء والطارق قد طارت مدّخراتهم ولم يجدوا قوتهم ولا قوت عيالهم، ولأنها لم تحظ بالاستثمار فقد كانت بالكاد حتى تبقيهم على قيد الحياة الى نهاية الشهرعندما تصرف فكيف اذا توقّفت وانقطعت وانضم المتقاعدون الى قوافل المنقطعين الحائرين، ولم يعد كذلك تأمينهم الصحيّ التقاعديّ فيه دواء إلا البيبي اسبرين وما رخص وخفّ ثمنه ، بينما ما غلي وارتفع سعره فقد تبخّر وطار وشحّ من صيدليات صحة الحكومة والتأمينات. أحد المتقاعدين على سبيل المثال أثمان الدواء له ولزوجته المسنة تتجاوز الالف شيكل شهريا لان دواءهم مفقود من صيدليات الصحة، بينما راتبه التقاعدي 1700 شيكل. ما يفعل هذا عليه أن يختار إما الغذاء أو الدواء، فإذا كان الدواء بعد الاكل مثلا؟!   

وقد علم المتقاعدون مما تأتيهم من أنباء حكومات بقية البشر في عالم غير عالم بلاد عجب العجاب، أن أولئك المتقاعدون لديهم من صندوق تقاعدهم ما يكفيهم لأمنهم المعيشي والصحّي ويكفي عيالهم، وزيادة على ذلك لهم من السياحة والترفيه ما لهم لانّ إدارة تلك الصناديق بأيدي أمينة وأناس يحسنون الاستثمار.

وحتى من أخبار بلاد قريبة من ذات الناس والطينة، عرب أقحاح لدول فقيرة ولكن لا أحدّ يمس صندوق التقاعد فلا يفتقر المتقاعدون اذا افتقر الناس ولا يضيرهم شيء مهما كانت أحوال البلاد، إنها الطبقة المسنّة التي إن لم تحظ بحسن الرعاية وأقلّ الواجب والحماية فلا رعى الله تلك البلد ولا بارك الله في أرزاقها.

وهنا تحضرنا هذه الايات التي تطرق جدران كل الخزانات : " ويل للمطففين، الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون واذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين ". هؤلاء المطففين كلّ مشاكلنا عندهم، عندما يكون الامر له او لعظام رقبته، عند المكيال يستوفي حقه على داير مليم، بينما اذا كال لغيره يُخسر الميزان ويسحق الغلابى والمعتّرين وفقيري الحال والمال والجاه والسلطان.

يا جماعة للمتقاعدين من أموالهم ومدخراتهم راتب معلوم، "ولا جميلة لأحد عليهم" بل هو مالهم وحقّهم فلا يجوز لاحد أن يتصرّف به الا بعلمهم وأخذ إذنهم وهذا لم يحصل أبدا.