تذبذب إسرائيلي- بقلم: الون بنكاس/ معاريف

03/09/2011

لا يوجد شيء يبعث على الاكتئاب أكثر من البندول الاسرائيلي. كما لا توجد ظاهرة تمثل النزعة الاسرائيلية اكثر من البندول المتأرجح. ذاك الذي يتحرك بين الانبطاح السخيف امام العالم وبين التبجح المغرور، بين الثقة بالنفس المبالغ فيها والخطيرة، وانعدام الثقة بالنفس العميقة وغير المفهومة. بين الموقف من الامم المتحدة كمنظمة غريبة ومناهضة لاسرائيل وبين القول ان "التقرير نزيه ومعقول"، بين ديمونا وغواصات الدولفين وبين "مصيبة ستقع علينا في ايلول"، بين تركيا "الحليف الاستراتيجي" وتركيا "العثمانية الجديدة والاسلامية التي تريد أن تهين اسرائيل".

البندول الذي يدفع اسرائيل الى الاستجداء بشكل مهين مصر والاردن ليعملا في صالحها ويعيدا سفيريهما في بداية اعوام الالفين، وفي الجهة الاخرى تهين السفير التركي في اسرائيل.

هذا البندول عمل بكد في السنة والربع الاخيرين، منذ عملية الوحدة البحرية ضد سفينة مرمرة في ايار 2010، واصل التحرك بشغف متأرجحا من جانب الى آخر حول مسألة الاعتذار لتركيا، وسيواصل مع نشر تقرير بالمر اليوم، وأمس في "نيويورك تايمز". السؤال هل كانت هناك حاجة الى عملية أم ان هذه كانت زائدة لا داعي لها – لم يعد ذا صلة. وغير ذي صلة ايضا المعلومة عن أن السفينة ما كان يمكنها أن ترسو في غزة، وان الحكومة التركية حاولت (على نحو غير كاف، حسب التقرير) منع الاسطول وان أعضاء برلمان أتراك لم يصعدوا اليها كما كان مخططا، وليس صدفة. على أي حال، مسألة امكانية اعطاء إذن بالابحار وتسخيف الاحتجاج عبر تجاهله، كما جرى الامر عدة مرات في عهد حكومة اولمرت، لا تثير اهتمام التقرير.

بالمر تناول مسألة فرض الاغلاق والعملية العسكرية ضد السفينة كأمر مسلم به. الخط الفاصل الهام ليس الخط الذي يقرره التقرير بين تعليل الاغلاق البحري – سواء من ناحية القانون الدولي أم من ناحية أمنية وسياسية – وبين ضرورة وقوة العملية العسكرية. هذا الخط الذي سيتلقى ربما معظم العناوين الرئيسة والمواقف، الا أنه ليس القصة المركزية. القصة هي الخط الفاصل بين السلوك السياسي – الجماهيري لتركيا وبين مجرد العملية التي لم تمس بتركيا حقا. صحيح أن اسرائيل كان يمكنها أن تحاول حل الازمة، بمساعدة الامريكيين، من خلال الاعراب عن الندم والاسف على مقتل المواطنين الاتراك. هذه مصلحة اسرائيلية ومصلحة امريكية، ولا سيما في ضوء ما حصل في أرجاء الشرق الاوسط منذ بداية 2011. قبل سنة، بينما كانت مرمرة راسية في حيفا، كان الاتراك مستعدين لمثل هذه الصفقة. اما اسرائيل فانتصبت، تلبثت، انتظرت الى أن يفوز اردوغان في الانتخابات، يستقيل قادة الجيش، يهتز نظام الاسد. وعندها، في الظروف الجغرافية – السياسية الاقل راحة، عندما باتت مكانتها الدولية منخفضة ومنعزلة، اضطرت اسرائيل الى التعاطي مع مطلب الاعتذار والانذار بتخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية.

مجرد الطلب وقح وكدي. مثلما ما كان لاسرائيل ان توافق على تشكيل لجنة تحقيق، زعما باسم درس تقرير غولدستون، هكذا لا ينبغي لها أن تعتذر. ومع أن تركيا هي أكثر من قوة عظمى اقليمية أكبر مما مستعدة اسرائيل لان تعترف، الا أنها اقل بكثير مما تتصوره عن نفسها، مثلما يثبت دورها العقيم في سوريا. الطلب التركي عديم المنطق السياسي، عديم المنطق القانوني وليس فيه شيء غير إثارة انطباع مصابة بالخلل.