قراءة في رواية "على درب مريم" للكاتبة ناديا حرحش

03/04/2020

كتبت: سهير جاعوني

يحدث ما يحدث لنا حياة تلو الحياة وممات تلو الممات لأن على الاشياء ان تحدث،

وعلينا نحن ان نحدث معها. وفِي حدوثها وحدوثنا تمتلئ ثقوب الروح فلا يعود يتسرب من بين ثناياها الفرح.

تلك هي مريم وذاك هو دربها .. ودربنا.

أخذتني رواية صديقتي الكاتبة الجريئة ناديا حرحش لأبعد من ما كنت اتخيل ! فكم من المسافات نقطع في دروبنا احيانا دون ان نحك أطراف روحنا؟ رواية "على درب مريم" تحك أطراف الروح البعيده وتضيء المناطق المعتمة فيها .. تحملنا الشخصيات وتشابك خيوط حياتها الى الغربه .. الغربه التي نحملها معنا أينما ذهبنا.

للرواية تأثيراتها الكبيرة بنظري على العقل والقلب والروح وعلى مستويات عدة تتناغم في تطورها داخلنا مع مسارات الرواية والطبقات التحليلية فيها.

فمنذ بدايات بداياتها تخاطب شخصيات ناديا العقل وكيف نرى ونحكم على الأمور من منظوراتنا المكبلة بتعاليم الأديان والمجتمعات.

وفي ذات الوقت توجع القلب باستعراضها لمساحات الأحلام التي نرى بألم شديد كيف  تحملنا  بعيدا عن ساحات المعركه الحقيقية.

أما رحلة الروح فتلك هي أساس ووجهة الدرب الذي تضعنا مريم عليه لنجد في نهاية المطاف ان لا وجهة هناك سوى الدرب ذاته.

لن ادخل في تفاصيل الروايه لان على القارئ ان ييدأ الرحلة دون زاد، لكن ناديا بأسلوبها الروائي الشيق تركت لنا نوافذ الى هذا العالم من خلال اقتباسات أدبيه مضيئه تحاكي تفاصيل الروايه بكل مساراتها.

وفي خضم الغربة التي تحيط بمريم  في احدى المحطات نرى ذاتنا تتفتت بين صور دانتيه التطهيريه والعالم الكئيب لميلر واورويل من جهة، ومريم وصراعها لإيجاد صوتها الحر وإسماع قصتها لذات العالم من جهة ثانية.

وعلى طول المسافة بين الفراغ والأمل تظهر لنا اصل الحكاية. فالأمل لا يكون بتغيير العالم لمكان أفضل، لا! الأمل هو بملىء الفراغ داخلنا.. لانه فعلا وببساطة .. فقط بملئ الفراغ الداخلي بمفهوم الحرية وتجلياتها ، يصبح العالم الخارجي مكان أفضل !

انا ارى بان الرواية لها ابعاد اكبر بكثير من كونها نقد لاذع للفكر الأبوي وذكورية المجتمعات مثل ما تشير تحليلات بعض القراء. الرواية تحمل في طياتها عذابات البشرية الكامله المتمثله في والناتجة عن الفهم الخاطئ لفلسفة الحق .. الحق في العيش .. الحق في الامتلاك .. الحق في السيطرة .. الحق في تحديد ما هو الحق .. الحق في الخضوع .. الحق في التضحية... الخ...

كل الأبطال في الروايه، إذا صح تعبير ابطال، هم شركاء وضحايا لهذا الفهم .. نساء ورجال .. فالرواية تأخذنا لبذور الفكر الأبوي والأعماق المظلمة التي بنيت عليها الأديان وفلسفات التعامل بين البشر في كل المجتمعات مع حفظ خصوصيه المجتمع العربي في ذلك. وفي نفس الوقت تضيء الرواية زوايا الروح في استحضار  اجمل النصوص الأدبية وأعمقها مما يجعلنا ننظر لأسوء التجارب الإنسانية على الإطلاق بعين البحث والتحري .. كيف ولماذا ..