فضفضة في زمن الكورونا

26/03/2020

كتب المحامي علاء فريحات : ان كل من ينظر للوضع الحالي الذي تمر به الكرة الارضية سيجد ان البشرية اجمعت على وجوب الالتزام بالمنازل حماية للانسانية من وباء يكتنفه الغموض بكل جوانبه ولا يوجد يقين فيه سوى أننا أمام كابوس مظلم نهايته إما الفناء أو البقاء.

وقد كانت الحكومة الفلسطينية سباقة على غيرها في التعامل الصحيح والوقائي وأتخذت ما يكفل حماية الشعب الفلسطيني وفقا لأمكانياتها التي لا تخفى على أحد، وكان أقل ما يمكن أن يقوم به المواطن هو الألتزام في بيته لفترة مؤقته ... ولكن للأسف البعض القليل جعل من هذا الواقع مدعاة للسخرية والتعليق الغير مبرر في ظل وفاة الألاف حول العالم وسقوط اكبر الدول في سخط هذا الوباء فلا مبرر لنتلاعب بحياة اطفالنا وابائنا وأمهاتنا دون أكتراث.


ما يجب التفكير فيه بتمعن في هذه الفترة الحرجة هو حماية أحبائنا قبل التفكير بأعالتهم وغذائهم... ومن المستهجن أن أغلب شرائح المجتمع أستغلت هذه الظروف لتبرز أستجدائها للعون المالي واسوق في هذا الصدد مع اعتذاري عن اي اساءة، أغلب الشرائح المهنية المختلفة التي استخدم البعض منها صفحات التواصل الاجتماعي لمطالبة النقابات الخاصة بهم بصرف معونة مالية ونحن لم نتعطل عن العمل سوى بضع ايام كان جميعنا في بيته ما يكفيه من طعام وشراب ليعدي من هذه المرحلة والفترة بلا حاجة والفترة الزمنية التي مرة وطالب البعض بها بمعونة هي فترة لا تجعل أحد يحتاج حتى وإن كان عاطل عن العمل لفترة مماثلة، والبيت الفلسطيني معروف بخيره الذي يكفي سد حاجة ساكنيه دون عوز او جوع... وعلى ذات السياق تسابقت معظم صفحات التواصل الاجتماعي لطلب المعونة للعمال قبل عودتهم من الاراضي المحتلة ووقفهم عن العمل ولا يتصور ان من يتقاضى ما يزيد على ٣٠٠ شيقل يومي سابقا وهو متوسط اجور العمل لهم، وقبل ان يتعطل عن العمل اصبح بحاجة لدعم مالي.

وعلى ذات السياق العديد من القطاعات التي تساوقت بذات الطريقة وتطول القائمة لذكرها، وهذا كله بلا مبرر لقد توقفت رواتب الموظفين شهور طويلة ولم يمت احد من الجوع ولن يصل احد لهذه المرحلة انشالله.

اذا ما بقي الأمر هكذا فسنرفع الرايات البيضاء للوباء ولا رجولة في تحدي هذا الفايروس فمن خرج للصلاة جماعة في ظل هذه الظروف ومن خرج بجماعة للجنازة او المشاركة باي احتفال كان ما هو الا سبب لوباء وناقل له دون علم وبجهل.

نسبة الاصابة حول العالم مخيفة ومخيفة جدا والقادم اسوء وعلينا الاعتراف اننا عاجزون امام هذا الواقع، فالارقام التي تتداولها الاخبار ما هي الا نسبة بسيطة من المصابين الذين تم تاكيد اصابتهم نتيجة الفحص وكم من مصاب لا يعلم ولم يجري الفحص له ويتنقل بيننا وينقل الوباء دون علم او معرفة فمن الممكن ان اكتب هذه الكلمات وانا مصاب وما ادراني... الم تكن اول حالة وفاة في فلسطين المصابة من فلذة كبدها ابنها الذي حملته وهن على وهن عبرة ودرس لنا للحذر.

إن ما يحصل من توجيه على صفحات التواصل الاجتماعي ما هو الا اشغال لاصحاب القرار في امور ثانوية لا داعي لها حاليا... فلا زلنا في اول الطريق للوقاية من الوباء وعلينا التكاتف في وجه وباء لا يعلم نهايته الا الله... فلو ان الأمور أخذت باستهتار في بيت لحم لكنا الآن في جحيم لا يعلمه إلا الله في فلسطين.. لتكون بيت لحم وما تم اتخاذه من اجراءات في حمايتها الخطوة الأولى التي يبنى عليها للقادم بلا استخفاف او استهانة.

لم يبقى قطاع في العالم لم يتضرر مما يحصل قوى الاقتصاد العالمي تغير خارطتها، ولا مجال للبحث في حلول وعلاجات اقتصادية لها في هذه المرحلة فالانسان اغلى واثمن من كل هذا وهي الآن على المحك... لنكن قدوة واخوة لبعضنا للخروج من هذا الوضع الكارثي ولنكون جنود اوفياء ملتزمين بيوتنا.

وهنا كان ولا زال محتما علينا ان نعيد تقيم  ذاتنا وكل ما مررنا به سابقا دون خلط بين تقدير الذات وتقيمه والثقة بالنفس، فإن الثقة بالنفس هي نتيجة تقدير الذات، وبالتالي من لا يملك تقديرا لذاته فإنه يفتقد الثقة بالنفس، وليس مدعاة للمفاخرة استهتارنا وخروجنا وكسر الحجر الصحي في ظل وباء يجتاح العالم ولم يطلق عليه جائحة عبثا، ولا يمكن ان تبرز ثقتما بانفسنا ورجولتنا في كسر ابحجر الصحي، فقد اذل الله النمرود بحشرة وكل منا يعرف قصة النمرود وجبروته وكيف انتهى، وهي عبرة لا يجب ان نغفلها. واستذكر ما نشرته مجلة فوريس عام 2012 من تحقيق حول تقييم الذات والذي ذكرت فيه أن هناك ثلاثة عوامل تؤثر على تقديرك لذاتك يجب أن تلتزم بها مع إدارة الوقت والتعامل الصحيح مع الواقع ولخصتها في ثلاث أمور:

أولها: تحديد القيم الخاصة بكل شخص: فإن عيش حياتنا بطريقة تتفق مع أعمق القيم لدينا هو أمر أساسي لكي نتمكن من التمتع بتقدير مرتفع للذات، فالأشخاص الواضحون فيما يؤمنون به ويقدرونه، والذين يرفضون المساومة على قيمهم، يحبون ويحترمون أنفسهم أكثر بكثير من الأشخاص غير الواضحين بشأن الأمور المهمة بالنسبة لهم، ولا اغلى هم من صحتنا في مثل هذه الظروف.

وهنا يبرز على الفور السؤال التالي: ما مدى تقديرك لحياتك ؟ فالأشخاص الذين يقدرون أنفسهم حقا هم الأشخاص الذين يقدرون أنفسهم بشكل مرتفع، والأشخاص الذين يقدرون أنفسهم حقا هم الأشخاص الذين يستخدمون وقتهم بشكل جيد للغاية، لأنهم يعرفون أن وقتهم هو حياتهم. ويحافظون على حياتهم وحياة من يحيطون بهم... فلنستغل وقتنا في بيوتنا ولننشر ونتداول ما يعزز ثقتنا بانفسنا وبحكومتنا بعيدا عن ابراز اي سلبيات في هذه الظروف.

ويقول قانون رد الفعل: إن المشاعر والتصرفات يتفاعل كل منها مع الآخر. فإذا كنت تشعر بشعور معين، فسوف تتصرف بطريقة تتفق مع ما تشعر به، والعكس صحيح أيضا. وإذا كنت تتصرف بطريقة معينة، فإن تصرفاتك سوف تخلق لديك المشاعر التي تتفق معها. الأمر الذي يحتم علينا أن نسخر تصرفاتنا ونوجهها لدعم وحث الاخرين على الالتزام في بيوتهم والالتزام بالحجر الصحي وألا نتعامل مع الحجر الصحي بردة فعل وكأنه منع للتجول فرضه الاحتلال فشتان بين الأمرين.

وهذا يعني أننا عندما نتصرف كما لو وجب علينا بحكمة والتزام. فإن هذا التصرف سيسبب الشعور بأنك شخص أكثر قيمة وأهمية في مجتمعك، ومن خلال إدارتك لوقتك بشكل جيد في ظل التزامك بالحجر الصحي فإنك في الواقع تزيد من احترامك لذاتك، وبالتالي تصبح أفضل في كل ما تفعله في حياتك بما يتفق مع قيمك وظروفك المحيطة وواقعك الحالي، واستخدام وقتك بشكل فعال وجيد يحسن صورتك الذاتية، ويبني لديك تقدير الذات والثقة بالنفس، كما ويزيد من احترامك لذاتك أيضا.

ثانيا: السعي نحو البراعة: وهو العامل الثاني الذي يؤثر على تقديرك لذاتك هو إحساسك بأنك تتولى السيطرة على حياتك وعملك وانك انسان مسؤول واعي ومدرك لما يلم بك وبمن حولك من مخاطر من نشر الوباء، سيجعلك تشعر بالبراعة في كل ما تفعله ويعزز ايضا ثقتك بنفسك وثقة محيطك بك. فإن أي شيء تتعلمه في حياتك، ومن ثم تطبقه في تصرفاتك ونهج حياتك، يسبب لك الشعور بالمزيد من السيطرة على نفسك وحياتك، ونتيجة لذلك، تشعر أنك أكثر فعالية وكفاءة، وتشعر أنك أكثر إنتاجا وقوة؛ فكل زيادة في شعورك بالفعالية والإنتاجية تحسن من شعورك بالرفاهية الشخصية، وتطمئن من حولك وتشعره بالآمان، لا سيما وان هذا الوباء ورد الينا كالصاعق على نفسياتنا وهز وثقتنا بذاتنا فالنحصر تصرفاتنا بحكمة وبطريقة تعزز هذه الثقة بالذات.

ثالثا: معرفة ما تريد: وهذا العامل الثالث الذي يؤثر تأثيرا مباشرا على تقديرك لذاتك بما يتضمن أهدافك الحالية والأنشطة التي تتخذها لتحقيق تلك الأهداف، وكلما كانت أهدافك ونشاطاتك متطابقة مع قيمك وتظهر في تصرفاتك خلال ممارستك لحياتك اليومية في ظل الحجر الصحي وكانت تصرفات عقلانية بعيدة عن الصبيانية والرعونة كلما شعرت بأنك أفضل. وعندما تعمل وتتصرف بصور تؤمن بها ستكون انسان مؤثر في محيطك بأيجابية وتكون تحلية بصفات المواطن الصالح، فكلما أحببت نفسك أكثر وأكثر أديت عملك بشكل أفضل وحافظت على عائلتك وجيرانك واصدقائك ومحيطك فالنحب انفسنا ونحافظ على محيطنا. ولنكون ايجابين صالحين مؤثرين في من حولنا ولنتحلى بروح المسؤولية متذرعين لله ان يزيل هذه الغمة عن البشرية جمعاء... ولنعاهد انفسنا من اليوم على اعادة تقيم ذاتنا وتصرفاتنا.