كورونا.. والأزمة الوجودية !

26/03/2020


كتب: د. أحمد الأشقر

ببيبي نتنياهو رئيس الوزراء المنفلت من المحاكمة حتى الآن، خرج يوم أمس بخطاب حول الكورونا، لم يكن خافياً أنّ المذكور - صانع الخراب مع صديقه ترامب-  حاول أن يبث الرعب في أوساط أبناء جلدته، ليس لأجلهم ربما، ولكن لأجل أن يدفع باتجاه تشكيل حكومة طوارئ تضمن وجوده لشهور أخرى،  قد تتغير فيها المعادلة لصالحه، سيما بعد قرار المحكمة العليا الاسرائيلية الأخير بشأن انتخابات رئاسة الكنيست.

خطاب نتنياهو كان خطاباً خبيثاً، لكنه كان حريّ بالدراسة والتمعن، وصحيح أننا كفلسطينيين  لا يهمنا كثيراً حديثه عن الكورونا بالأرقام، لكن يهمنا أنّه سعى لتحويل جائحة الكورونا العالمية إلى أزمة وجودية للاسرائيليين، فقد كان خطابه لئيماً حين عقد المقاربة بين ما يقال عن تعرض اليهود للطرد والسبي وتهديد الفناء، وبين الكورونا.

من الجليّ أنّ الصهاينة ينظرون إلى الكورونا كأزمة وجودية، فهم  يعرفون تماماً أنّ الاسرائيليين لن يحتملوا ما يحدث، وأنهم سوف يعودون إلى بلادهم الأصلية بعد أن طردوا سكان فلسطين الأصليين من بلادهم، طوابير الاسرائيليين الراغبين بالسفر في المطارات الاسرائيلية منذ بداية اكتشاف الفايروس في فلسطين المحتلة أنبأت عن ذلك، وخطاب نتنياهو أفصح عن رؤية صهيونية للكورونا، تتلخص بأنها خطر وجودي على الاسرائيليين، وإن كان ذلك في سبيل الدعاية السياسية، أو مداعبة مشاعر الاسرائيليين المحتلين.

فلسطينياً، علينا أنّ ننظر بالمقابل إلى الكورونا بذات السياق، هي معركة وجود على هذه الأرض بالأساس، وليست معركة صحية فقط، فحياة كل مواطن فلسطيني وبقائه على هذه الأرض هي قيمة وطنية عليا، وبقاء الرواية الفلسطينية في مواجهة النقيض مرتبطة تماماً ببقاء الفلسطينيين، أفراداً ومؤسسة.

بعد خطاب نتينياهو اللئيم، علينا أن لا نتهاون، وأن لا ننظر إلى ما قاله وما يفعله بحسن نية إذن، ويجب حقاً الانتباه إلى كل ما يفعل، ومن ذلك السماح بدخول العمال الفلسطينيين إلى فلسطين المحتلة دون عودة لمدة شهرين، ثم قيامه بنقض ذلك بألقاء عدد منهم على الحواجز، في مشهد مؤلم يهز وجدان البشرية جمعاء، وربما يكون ذلك في سياق معركته الوجودية، بأن يستغل حاجة العمال ورغبتهم في العمل وعدم قدرتهم على ادراك خطورة الأمر، ليحولهم إلى قنابل موقوته يدفع بها إلى المدن والقرى والمخيمات، فهو لا يحتمل حتماً، أن يكون الفلسطينيين بمأمن من الكورونا، في حين أنّ دولته التكنولوجية المتقدمة تفشل في معركة الوجود التي تدور الآن رحاها بين النهر والبحر.

في لحظة عابرة من الزمن، لم تعد ترسانة "جيش الدفاع" المزعوم قادرة على مواجهة حرب الفايروس، هنا نقطة فارقة، يصبح فيها الوعي الفردي أهم من الدعم الأمريكي اللامحدود والقبة الحديدية والصواريخ الموجهة، في معركة الوجود، الرهان يكون على إحساس الناس بأهمية وجودهم من منطلقات وطنية عقائدية صرفة، حينها يمكن يتساوى الضحية والجلاد في مقومات الصمود على الأرض، وهنا يجب أن نركز في الخطاب، أنّ المعركة هي معركة بقاء فلسطين على الخارطة، فلسطين الأرض والإنسان، وخيانة ذلك، بعدم الالتزام بما يحمي كينونة هذا الشعب وبقائه، هو خيانة عظمى، والجهل هنا يتساوى أيضا مع الخيانة، بقصد أو بدونه.