تبدأ بوعد وتنتهي بـ "الله يسهّل"... حقوق المتطوعين المهدورة في غزة

08/03/2020

غزة- وطن للأنباء- آيات خضورة: لم يدُر في خلد محمد شعبان (26 عاماً) أن يُنهي عامه الثاني في الجمعية الخيرية التي تطوّع فيها دون أن يتم تعيينه، رغم تخصيصه أكثر من 8 ساعات يومياً للعمل، بما في ذلك أيام العطل.

قضى محمد العطل الصيفية والأعياد خارج منزله وبعيداً عن أسرته، أملاً في الحصول على وظيفة ولو بالحد الأدنى، لكنه وعلى مدار عامين، ظلّ يتقاضى ما يُسمى بـ"كوبونات" (قسائم شرائية) كمساعدات تقدمها الجمعية، بدلاً من تعيينه هو وزملائه.

كان محمد قد تخرّج من قسم "الخدمة الاجتماعية" في الجامعة الإسلامية في غزة، ليبقى حوالي أربع سنوات مع زملاء دراسة آخرين عاطلين عن العمل، حتى لجأ إلى التطوع وبقي يتنقل بين مؤسسات عدة، ويحصل مقابل جهوده على "كوبونات" حصراً.

رغم ذلك، قد يكون حال محمد وزملائه أفضل من حال كثيرين عملوا في إطار مؤسسات عديدة، بموجب نظام التطوع، من دون الحصول على أي بدل عيني أو فرصة للتعيين.

يُخرِّج قطاع غزة سنوياً قرابة 15 ألف خريج، بينما تبلغ نسبة سكانه العاطلين عن العمل 60%، في حين يفتقد 72% من السكان إلى الأمن الغذائي، تبعاً لإحصاءات صدرت عن منظمة الأمم المتحدة عام 2018.

وتُفيد تقارير إحصائية رسمية بأن قطاع غزة شهد تصاعداً قياسياً في معدلات البطالة، يفوق بثلاثة أضعاف تلك الموجودة في الضفة الغربية، كما قدّر "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني" عدد العاطلين عن العمل في غزة بنحو 217 ألفاً.

رحلة مغمّسة بالذل

رحلة البحث عن عمل في الظروف التي يعيشها القطاع المحاصر منذ 13 عاماً، تضطر الخريج أحياناً للتطوّع في مؤسسات بعينها، أملاً في أن ينال إعجابها فيحظى بعقد تثبيت ولو لمدة سنة.

لكن هذا الأمل سرعان ما يصطدم بواقع مرير يجد فيه الخريج نفسه كمن يدور في حلقة مفرغة، خاصة وأن الحكومتين في غزة والضفة أوقفتا التوظيف منذ 10 أعوام في غزة.

"احمد ربك إنك لقيت مكان تتدرب فيه"... عبارة سمعها كثر من الخريجين من أصحاب مؤسسات، لا سيما وأن الخريج بات يحتاج أحياناً إلى واسطة لإيجاد مكان يتدرب فيه، على قاعدة "رضينا بالبين والبين ما رضي فينا".
تصف أ.خ، خريجة تخصص العلاقات العامة، والتي فضلت عدم الإفصاح عن اسمها، مسيرة تدريبها في إحدى المؤسسات الإعلامية في القطاع بـ"الرحلة المغمسة بالذل".

تقول الفتاة إن عملها مع إحدى المؤسسات بدأ بالغش، حيث وعدها المدير بالتوظيف بعد ثلاثة أشهر من التدريب، ما جعلها تحتمل معاناة المهام المطلوبة منها وساعات التأخير الطويلة في العمل، حتى انتهى بها المطاف خارج دائرة الوظيفة، بحجة "افتقارها للمهارة".

توضح أنها قضت ما يزيد عن ثلاثة أشهر في المؤسسة دون أن تتلقى أية ملاحظات على أدائها، إلى أن حان موعد التوظيف وفق الوعد، فظهرت حقيقة الخداع الذي تعرضت له.

قوانين غائبة

"القانون لا يحمي المغفلين ولا يجبر رب العمل على دفع أي استحقاق لمتدرب"، عبارتان يصطدم بهما الخريج عند مطالبته بحقوقه المادية والقانونية، تقترنان بسؤال "عندك عقد بينك وبينه يثبت أنك عملت لديه؟"، ليجد الخريج أن سنوات من شبابه ذهبت هباءً في ظل غياب من يحمي حقوقه، حيث لم يتطرق قانون العمل لحال المتطوعين أو المتدربين أو يضع صيغة تساهم في حماية حقوقهم من الاستغلال.

ويقول المستشار القانوني في وزارة العمل محمد الحداد: "فئة المتطوعين لا تخضع لقانون العمل إطلاقاً، وتكون بدون مقابل لأن العمل هو بذل جهد مقابل أجر مالي".

ويوضح الحداد أنه "في حال وجود عقد مبدئي لثلاثة أشهر يجوز إنهاء العقد خلالها بين المتعاقدين مع دفع أجر العامل للشهور الثلاثة، وبعد استمراره بالعمل لأكثر من ثلاثة شهور، يُعتبر موظفاً رسمياً في المؤسسة، أما غير ذلك فلا توجد ضمانات".

ويشير المستشار القانوني إلى "تلقي الوزارة العديد من الشكاوى بهذا الخصوص من خريجين وعمال كثر وعدتهم مؤسسات غير حكومية بالعمل شرط تحسن الوضع الاقتصادي للمؤسسة".

ويضيف الحداد: "هناك حالات كثيرة، وقضايا سُجّلت لدينا في مكتب العمل".

وعن آلية التعامل مع الشكاوى في وزارة العمل، يوضح أن الوزارة: "تتعامل مع الشكوى بعد إيفائها كافة شروطها، وتقوم بمراسَلة المؤسسة للتفاهم معها ومطالبتها بعودة الحقوق لأصحابها".
ويذكر أنه "في حال وصلت الوزارة لطريق مسدود مع المنشأة، يجري إغلاقها بقرار من دائرة التفتيش العمالي التي تستلم القضية للتحقيق والبحث ومراجعة صاحب العمل والتوسط لعودة الحقوق إلى أصحابها".

تعقيدات الواقع

تعبّر لجنة الدفاع عن الخريجين والخريجات عن سخطها باعتصامات متكررة أمام مقر وزارة العمل، تطالب من خلالها بإيجاد حلول جذرية وعاجلة لمشكلة البطالة، لكنها تشير إلى ضعف فعلها إزاء تعقيدات الواقعَيْن السياسي والاقتصادي في القطاع.

ويقول منسق لجنة الخريجين والخريجات في مجلس الشباب الفلسطيني سالم سعد إن غياب الخطط الحكومية والمؤسساتية والمجتمع المدني في معالجة أزمة البطالة ولّدت أزمات أخرى على رأسها استغلال الخريجين.

ويدعو سعد الحكومة إلى اعتماد خطط وبرامج تُسهم في تعزيز صمود الشباب الخريجين، بتبني برامج سياسية تستهدف رفع قدرات ومهارات الشباب، وفتح أسواق عمالة خارجية.

ميثاق شرف

وعن دور الجهات المختصة بقضايا الخريجين المتطوعين، يقول المدير التنفيذي لـ"مركز شباب فلسطين" التطوعي بهاء العقاد: "نحن نهتم بتوعية الخريج، وتوضيح قانون العمل لهم، ما له وما عليه، ودورنا الأساسي لا يشمل تحصيل حقوق المتضرر، لكن في حال توجه لنا أي خريج أو خريجة وطلب العون، نحاول مساعدته من خلال ربطه بالجهات القانونية المختصة".

ويضيف العقاد: "هدفنا الأساسي إيجاد ميثاق شرف لحماية المتطوعين قد يصبح قانوناً لحمايتهم، تم تعميمه على بعض المؤسسات، ونسعى لنشره بشكل أوسع من خلال ورشات وندوات بالتشارك مع جهاد داعمة".

ويشير في النهاية، إلى ضرورة الضغط لإعداد برنامج عمل من أجل تفعيل العمل التطوعي، وإنشاء اتحاد خاص بالمتطوعين لحمايتهم.

تم إنجاز هذه المادة في إطار برنامج التدريب الذي ينظمه مكتب العلاقات الخارجية في "الجامعة الأمريكية في بيروت" بالتعاون مع "مؤسسة دعم الإعلام الدولي