في الباذان والأغوار.. مزروعات تروى بمجاري نابلس والحل يبدأ بعد عامين

14/02/2020

وطن للأنباء- فراس الطويل

لم تعد منطقة الباذان على بعد خمسة كيلو مترات شرق نابلس كما كانت منتجعاً قبل ثلاثين عاما مضت؛ فمياه المجاري المتدفقة من شرقي المدينة غيرت طبيعة الوادي، وخلقت أنماطا زراعية خطيرة تتمثل بقيام بعض المزارعين بري محاصيلهم بالمياه الملوثة دون اكتراث بالمخاطر. وحسب وزارة الزراعة فقد تم في أواخر العام الماضي، ضبط 21 مزارعا، وتحويل ملفاتهم لمحافظة نابلس، لاتخاذ الاجراءات القانونية بحقهم، بسبب ممارسة هذا النوع الخطير من الزراعة.

وفي الوقت الذي حمل فيه رئيس مجلس قروي الباذان عماد صلاحات بلدية نابلس المسؤولية عن الكارثة التي لحقت بالمنطقة، تؤكد البلدية على لسان عماد المصري مدير دائرة المياه والصرف الصحي أن حل المشكلة بات قريبا. وأضاف: "خلال عامين سيبدأ تنفيذ مشروع محطة التنقية في المحطة الشرقية بتمويل ألماني يصل الى 50 مليون يورو. واعترف في الوقت ذاته بالمسؤولية عن تدفق قرابة 15 ألف كوب من المجاري صوب الباذان".

المحطة الموعودة ولكن!
وفي منتصف كانون أول الماضي، وقعت ألمانيا اتفاقية لدعم الحكومة الفلسطينية ب 76 مليون يورو لتمويل مشاريع في قطاعات مختلفة من ضمنها محطة التنقية في منطقة نابلس الشرقية.

وعلى مدار السنوات الست الماضية تحدثت بلدية نابلس أكثر من مرة عن نيتها تنفيذ المشروع، إلا أنه لم يرَّ النور نتيجة معيقات عدة من أبرزها؛ رفض السكان في شرق نابلس إقامة المحطة على أراضيهم، إلى جانب بعض المعيقات الإسرائيلية وفقا للمصري، الذي بيّن أن هذه المعيقات تم تذليلها. مبينا: "العمل الآن في مراحله الأخيرة للبدء في مشروع التنقية،  فالأمور أصبحت واضحة، خلال سنتين سنبدأ المشروع الضخم وسينعكس على الباذان إيجابا، العمل بدأ فعلا في مرحلة الإعداد والتصميم، ومن ثم سنقوم بتسييج الأرض التي ستقام عليها المحطة، وبعد ذلك يتم الشروع في أعمال الحفر وإنشاء المحطة بمكوناتها ومرافقها المختلفة".

ونتيجة استمرار ما وصفها مماطلة بلدية نابلس، كشف صلاحات عن توجه مجلس قروي الباذان لرفع قضية أمام القضاء الفلسطيني ضد البلدية، من أجل دفعها لتحمل مسؤوليتها تجاه منطقته التي باتت منكوبة على حد تعبيره.

من منتجع إلى مكرهة
كانت الباذان تصنف على أنها منطقة زراعية سياحية، حيث يوجد فيها 2000 دونم كانت صالحة للزراعة بالإضافة إلى 10 متنزهات على طول مجرى الوادي. إلا أن مجاري نابلس دمرت نصف الأراضي الزراعية التي كانت تزرع بالخضار والحمضيات، وأضعفت الحركة السياحية، ناهيك عن الأضرار الصحية كالإصابة بالأمراض الجلدية، وبعض الأمراض المرتبطة بالجهاز التنفسي، وفق رئيس المجلس. ولا يقتصر الأمر على الباذان، وإنما ينطبق على مناطق الفارعة والنصارية وعين شبلي وصولا إلى مناطق الأغوار. 

قبل ثلاثين عاما بدأت المشكلة، حينما بدأت بلدية نابلس بضخ مياه المجاري من المنطقة الشرقية صوب وادي الباذان وصولا إلى منطقة الأغوار، الأمر الذي حول الأراضي الزراعية على جانبي الوادي إلى أراضٍ غير صالحة للزراعة. ولم تعد الباذان جزءا من سلة خضار فلسطين كما كانت تسمى سابقا. ويستذكر "نظام الفارس" وهو صاحب الأرض التي تنفجر منها ينابيع الباذان العذبة تلك الأيام في ثمانينيات القرن الماضي: "كانت الباذان عبارة عن جنة بمعنى الكلمة، منطقتنا كانت مشهورة بالمياه النقية وبجداول المياه التي كانت تدب الحياة هنا. كان الوادي مصدر رزق لعشرات العائلات، سواء من خلال الزراعة أو صيد الأسماك، أما اليوم فتبدل الحال، وأصبحت رائحة المجاري هي السائدة".

المياه النقية تجري في الوادي لأقل من كيلو متر فقط، قبل أن تندمج مع سيل المجاري القادم من شرق نابلس، وللتغلب على هذا الحال؛ قامت مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين قبل نحو 30 عاما بإنشاء قنوات خاصة لنقل المياه العذبة إلى الأراضي الزراعية. إلا أن هذه القنوات لم تعد مجدية. ويقول المزارع عماد هندية إن بعض المزارعين يقومون بري الخضار والأشجار المثمرة خصوصا الحمضيات بالمياه العادمة، من خلال فتح قنوات فرعية أو أنابيب ناقلة من سيل المياه المختلطة  إلى أراضيهم المجاورة.

عقاب غير رادع
ويرى عصام نوفل مدير دائرة المياه الزراعية والري في وزارة الزراعة، أن الحل الجذري لمعضلة الباذان يكمن فقط بإقامة محطة التنقية، مشيرا إلى أن كل الجهود لملاحقة المزارعين الذين يروون المحاصيل بالمياه العادمة لم تحقق النتائج المطلوبة، خصوصا مع عودة بعضهم لهذا الفعل حتى بعد رفع ملفاتهم إلى جهات الاختصاص. إلا أن نوفل طالب بالضرب بيد من حديد لمن يقوم بهذا الفعل. وتحدث في الوقت ذاته، عن جهود مبذولة من محافظي نابلس وطوباس والأغوار لتطويق الظاهرة، من خلال إتلاف الأراضي المروية بالمياه الملوثة وملاحقة المتهمين قانونيا. 

وقال نوفل إن مختلف الجهات في وزارة الزراعة وسلطة المياه وسلطة جودة البيئة والمحافظات؛ يجب أن تقف في وجه ظاهرة ري المحاصيل بالمياه العادمة. وأضاف أن عددا من اللقاءات عُقدت مؤخرا في نابلس للوقوف على هذه الظاهرة، إلا أنه عبّر عن اعتقاده بأن الحل الجذري يكمن في تسريع تنفيذ محطة المعالجة في شرق نابلس.

بدوره قال عماد المصري، مدير دائرة المياه والصرف الصحي في بلدية نابلس إن بلديته تلاحق ري المحاصيل بالمياه العادمة من خلال التعاون مع المحافظة، وتنفيذ حملات مشددة على الحقول المروية بهذه المياه وتجريفها، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق أصحابها.  
وعلى الأقل ستستمر المعضلة لعامين قادمين لحين الشروع بتنفيذ محطة المعالجة التي يرى فيها سكان الباذان البالغ عددهم 3500 نسمة حلاً من شأنه إنهاء معاناتهم وتخليصهم من مآسي تراكمت على مدار العقود الثلاثة الماضية.

لمشاهدة تقرير تلفزيوني مصور حول الكارثة البيئية في وادي الباذان (اضغط هنا)


 

خاص بآفاق البيئة والتنمية