نادية حرحش تكتب لوطن: صفقة القرن ام صفعة الواقع الانهزامي؟

27/01/2020

من أين يمكن ان يبدأ المرء بوصف الواقع الذي يعيشه الفلسطينيّ، سواء ذلك الانسان العاديّ الذي يتلقى الصفعات كنتيجة طبيعية لحياته، او ذلك القيادي المتشبث بمقعد القيادة التي لم يتبق منها الا المقعد وما يتمسك به من قيادة في مركبة لم يعد موجود فيها او منها الا حيزه الخاص.

واقع مأساويّ كارثيّ محزن، لا يمكن الفصل بين الشعب والقيادة ولقد انتهينا الى هذه النتيجة من العبثية التي من الواضح انها انهتنا، كما انهت قضيتا واوصلتنا الى هذا المكان.

صفقة القرن التي كانت مزعومة قبل سنوات قليلة، لا يعبأ لها أي انسان يحمل في وجدانه ولو حلم بسيط لوطن. وصلنا الى هنا من اندثار حتى الحلم وتحويل ما تبقى منه الى كابوس مؤرق غير مفهوم مهدد بخطر مطلق. لا حدود له. لا بداية ولا نهاية فيه الا نهايتنا.

اوصلتنا هذه القيادة الى هنا … الى هذا المكان من العدم. فحتى صفقة متعلقة بنا تصاغ وتنتشر وتتداول بلا الرجوع لنا قيادة او شعب. لسنا مهمين فيما يجري من تخطيط وترتيب وتحضير لمرحلة قادمة لن نكون فيها الا شذرات لما كان في يوم ترابا مشكلا لوطن يحضن ويحمي. وطن نحيا لنموت من اجله. وطن اسمه وكيانه وافقه يبدأ وينتي بفلسطين.

ستمر صفقة القرن؟

ولم لا تمر وكل الطرق معبدة اليها؟

قيادة لا يسمعها أحد ولا يصدقها ان سمعها أحد.

قيادة لا يرقى خطابها لأكثر من شجب واستنكار والدعوة الى يوم غضب.

هل لنا ان نتخيل أسوأ من هذا الوضع لتقوم به القيامة في هذا الوطن؟

ومع هذا أكبر ما جاء في تصريحات القيادة هو تنديد وتهديد فارغ بوقف اتفاقيات لم تعد موجودة والانسحاب من تفاهمات تم التعدي عليها وسحقها منذ زمن، وفي اقصى ما تقدمه السلطة هذه من تحديات على الأرض هو دعوة ليوم غضب.

عن أي غضب تتكلمون؟

ولنقل غضبنا واستنكرنا معكم واضربنا، ما الذي ستقدمونه لإيقاف هذه الصفقة التي ستصفي وجودكم تلقائيا بعد وقت لن يكون بعيدا، ولقد استنزفتم هذا الوطن حتى اخر مواطن فيه.

هل تعرف او تستوعب هذه السلطة ان الشعب ربما في فئاته الساكنة بات يفضل ضمه الى سلطات الاحتلال؟ لأنه وللحقيقة فكرة الضم لهم أفضل بكل الأحوال.

للبعض هي فكرة مباشرة للتخلص من فساد سلطة سمنت وافقرت شعبها على مدار العقود، وللبعض تعريف مباشر بالعلاقة مع دولة الاحتلال، رجوع لوضع صائب يجعل الانسان الفلسطيني يفهم من جديد حقيقة حياته التي لم يخرج منها الاحتلال ابدا.

من هنا يمكن ان تعود علاقة الانسان الفلسطيني لوضوحها ومباشرتها مع كيان الاحتلال. دولة احتلال مقابل شعب محتل. بلا مواربة ولا تحايل ولا ادعاء لكينونة فلسطينية موجودة بلا أدنى مزايا الاستقلالية.

هل بقي ما نساوم عليه؟ المساومة هي الكلمة الوحيدة التي يمكن استخدامها هنا، فالمفاوضات لم تعد أصلا قائمة، والمساومة على ما يمكن ان يمنح القوي للضعيف كمنة هو ما تبقى امام السلطة التي بدورها تساوم علينا.

هل سيكون الوضع القادم أصعب؟ نعم سيكن أصعب ولكن ربما بوضوح أكبر. علينا ان نسلم اننا نعيش ما نستحق.

السلطة الحالية ليست دخيلة علينا، ولم تسقط علينا من السماء ولم نجبر عليها. نحن شركاء فيما حل علينا وبالتالي تقع علينا مسؤولية ما سيصير حالنا اليه من خراب أكبر. لأننا سنعيش مباشرة عنصرية دولة بنت كيانها على محو وجودنا ولا تزال. سنعيش مباشرة ممارسة الاضطهاد بالفكر الصهيوني المبني على اقصاء الاخر واستعباده إذا ما كان هناك حاجة اليه.

وهل من أي ما يحدث غرابة؟

لا

فنحن نعيش من اجل هذه اللحظة منذ تيقننا ان أوسلو لم تكن الا مصيدة وقعنا في شراكها التي حاكته السلطة بشباك فلسطينية.

نحن شهدنا وقبلنا ان نعيش حول جدار تغلغل في مدننا واكتفينا بالشجب.

نحن شهدنا وقبلنا ان تكون طرقنا حواجز تحولت الى معابر، واكتفينا بالدعاء بالمرور والحصول على تصريح.

نحن شهدنا وقبلنا ان تتغير مناهج التعليم لتمحو ذاكرتنا وتمسح ادراكنا وتحدد جغرافيتنا.

نحن شهدنا وسكتنا، بينما الأراضي في كل مكان تتسرب وتباع لعصابات الاستيطان.

نحن شهدنا وقبلنا ان تتأسرل القدس وتتهود، وتركنا السفارة الامريكية تتمركز فيها وأغلقنا البوابات من مداخل الأقصى وغضضنا النظر عن الجسر المؤدي إلى الأقصى وعن الحفريات التي تدك بقواعد البيوت في البلدة القديمة والتلفريك الذي سيقطع فضاء المدينة عبورا فوق شوارعنا وبيوتنا واماكننا.

نحن شهدنا وقبلنا الشوارع التي اخترقت حوارينا وقرانا ومدننا لتصير معابر للمستوطنين وشهدنا عزلنا وفصلنا وسكتنا بصمت قائلين في أنفسنا: طالما لا يمسني الضرر فلا ضير!

نحن قبلنا وشهدنا بينما تخترق الاليات العسكرية مدننا والمستعربين متنكرين في مداهمات ومطاردات واغتيالات.

قبلنا وشهدنا على فساد استفحل فينا واخترقننا ولم يعد بالإمكان إخراجه منا. القانون غير نافذ الا على المساكين، والقضاء غير مستقل، والامن في خدمة التنسيق مع الاحتلال ومن اجله، والخدمات مزرية والضرائب تفرض على أصحاب الدخل المحدود واولي السلطة في ثراء وصل حتى الثريا، والشعب يهوي كل يوم الى الثرى، بين موت واهمال وانتحار وقتل واستشهاد. فصرنا افراد وعشائر ودويلات تدير نفسها وفق مصالحها الذاتية.

تركنا المعتقلين للنهش وخيبنا امل الشهداء وحولنا المقاومة الى ممايعة وصار كل صاحب سلطة قائد يقدم به نفسه على انه الوطن. والمناصب توزع بين الارباب كلعبة الكراسي ، من الإباء الى الأبناء وبين الأصدقاء والاقارب والمعارف. وتلويح لانتخابات مرتقبة غير ممكنة ووعودات بمصالحة تزيد فقط من قعر الانقسام وفصل الشعب بين غزة وضفة ، وبين فتح وحماس.

لقد صفعنا منذ زمن ولم يبق منا الا قرن نعلق عليه اشلاءنا المتبقية لعلم  لم يعد حتى يجمعنا