هجمة المحتل والعجز السياسي.. رأس العوجا نموذجاً لسياسة الاحتلال في الأغوار

14/01/2020

وطن للأنباء: على مساحة 720 ألف كيلومتر مربع، ما يعادل مساحة ربع الضفة الغربية، يمتد الغور الفلسطيني، الذي يُعتبر السلة الغذائية للفلسطينيين، حيث أنّ 39% من أراضي الغور-أي ما يُعادل 280 ألف دونم- تُعتبر صالحة للزراعة، يُزرع منها فقط 50 ألف دونم!، وتسد 60% من احتياجات السوق الفلسطيني من الخضار.

منذ احتلال الضفة الغربية، وحتى أيامنا هذه، يُمارس الاحتلال شتى أنواع التضييق على الفلسطينيين، تحديداً في منطقة الأغوار التي تأخذ حيّزاً واسعاً من المزاودات الداخلية الإسرائيلية من أجل ضمها، حتى من أولئك اللذين يتأمّل الفلسطينيون من فوزهم بالانتخابات عودة إلى طاولة المفاوضات.

سياسة الاحتلال في المنطقة تهدف إلى تهجير أهلها، وقطع سبل الحياة بهم، الأمر الذي حوّل 154 تجمعاً بدوياُ في الأغوار، إلى مناطق يتهددها التهجير بشكل مستمر، ومصير 17500 فلسطيني مجهولاً في ظل الواقع الصعب، والعجز السياسي، وإدارة الظهر للفلسطيني اقليمياً وعالمياً.

فريق من "مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني" زار منطقة العوجا، في العاشر من كانون ثاني، بعد ثلاثة أيّام من قيام جيش الاحتلال بهدم 9 منشآت سكنية، بحجة أنّه تم تجديدها! منطقة رأس العوجا، كنموذج على الأغوار الفلسطينية، تحدث سكانها بشكل تفصيلي عن سياسة الاحتلال تجاههم، هذه السياسة المتبعة في مناطق الأغوار تحديداً، والمناطق الفلسطينية في الضفة عموماً.

يسكن في منطقة العوجا قرابة المئة عائلة، بمعدل 8 أفراد للعائلة الواحدة، تتوزع تلك العائلات على 7 عائلات كبيرة، حريزات والرشايدة من مدينة يطا جنوب الضفة الغربية، فيما عائلات خرابشة، غوانمة، طريفات، نجادة، وكعابنة، من أصول بدوية فلسطينية، تعيش في هذه المناطق منذ عقود طويلة، حيث يعتمدون على المراعي والمياه لتلبية احتياج مواشيهم، والتي يبلغ عددها قرابة 5000 رأس، يملكها السكان في تلك المنطقة.

في حديثه للمركز أشار كلّ من محمد حريزات، ومسعف أبو عوّاد، أنّ هدم المنشآت لم يتوقف على حالة الهدم فقط، بل أيضاً تم مصادرة ما تم هدمه، وتخريب المرايا الشمسية، التي يعتمد عليها السكان في سدّ جزءٍ من حاجتهم من الكهرباء.

بدأت قصة الهدم وفق السكان هناك، بعد أن قامت مؤسسة معاً ببناء عدد من المنشآت هناك، وهي عبارة عن بركسات سكنية بمساحة 30 متراً للبركس المكون من الاسبست أو الصفيح، الذي لا يستطيع مقاومة برد الشتاء أو حرّ الصيف، المساحة الصغيرة هذه تحوي بداخلها حوالي 10 أفراد، باتوا الآن يلتحفون السماء ويفترشون الأرض.

وتتنوع ممارسات الاحتلال في تلك المنطقة، والتي تهدف بشكل أساسي لتضييق لقمة العيش على السكان، ودفعهم لترك المنطقة والبحث عن مناطق أخرى، أو ترك عملهم في تربية المواشي، مع الإشارة الى أن تلك المناطق هي المُغذي الرئيسي للسوق من المواشي، إضافة إلى كونها المزود الأساسي للسوق الفلسطيني من الخضار.

سرقة المياه

ومن أبرز ممارسات الاحتلال تجاه الفلسطينيين في الأغوار، سرقة ماءهم!، بل والأبعد من ذلك معاقبتهم على استخدام مياههم الجارية، ورغم أنّ المواطنين هناك قدموا طلبات لتركيب عدادات مياه منذ العام 1995، لكنّ طلبهم حتى هذا اليوم لم يخرج حيز التنفيذ.

مصادرة الأراضي وتحويلها الى عسكرية

حوّل غالبية المراعي في الغور، إلى مناطق يُمنع على الفلسطيني دخولها، وإعلانها مناطق عسريكة، بينما يُسمح للمستوطنين ببناء بؤرهم الاستيطانية، التي يُسارع الاحتلال إلى مدهم بالماء، والكهرباء وفتح الشوارع. ففي منطقة رأس العوجا على سبيل المثال، وإلى اليمين من المنطقة، يحتل مستوطن واحد، قرابة 1000 دونم من أراضي الفلسطينيين، والتي تعود ملكيتها للأوقاف الفلسطينية، لهذا المستوطن حراسة، ومشاريع في المنطقة، على حساب السكان الأصليين اللذين باتوا يُحاطون بالمستوطنين من كل جانب!

مصادرة الممتلكات والهدم

إلى جانب ذلك، فإنّ المصادرة والهدم هي ركن أساس في سياسة الاحتلال، فمصادرة التراكتورات (مركبات زراعية)، ومصادرة المنشآت بعد هدمها، آخذة في التوسع، لمنع الفلسطيني من امتلاك أبسط أدوات الحياة، وتركه في العراء دون مأوى.

منع المراعي

يمنع الاحتلال على الفلسطيني استخدام مراعيه التاريخية في المنطقة، ويفرض غرامات على من يُحاول مخالفة ذلك، ويأتي هذا في ظل ارتفاع أسعار أعلاف الأغنام، الأمر الذي بات يُعرض المزارع هناك، إلى مخاسر مالية، إضافة إلى العناء المرتبط بالسياسات الأخرى.

الحرمان من الكهرباء

ولا يتوقف الأمر على ما سبق من انتهاكات بحق الحياة الفلسطينية في منطقة الأغوار، إنما تصل الى حد منع إيصال الكهرباء لتلك المناطق، والتي يهدف الاحتلال من خلالها إلى منع وجود مناطق ثابتة هناك، بل أيضاً يهدم الالواح الشمسية والتي عن طريقها يتم توليد الطاقة لسكان المنطقة.

منع تعبيد الشوارع

شوارع قديمة تملؤها الحفر، هذا هو حال الطرق التي تصل إلى تلك المناطق، وعند الاستفسار عن عدم تعبيدها منذ عقود طويلة، كانت الإشارة إلى أنّ الاحتلال يمنع ذلك.

سياسة الاحتلال هذه تصب جامّ غضبها على الفلسطينيين، اللذين يؤكدون أنّهم باقون في أرضهم رغم التضييقات، مطالبين السلطة الفلسطينية بالمزيد من العمل من أجل دعم صمودهم.

بعد أربعة أيام من هدم المنشآت هناك، قامت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان بتزويد أهالي تلك المنطقة، بثمان خيم، كحلّ مؤقت. وقد طالب السكان بضرورة العمل على توفير منشآت حديثة، وتوفير الامكانيات لتوليد الطاقة الشمسية، وقد توجهوا بثلاث كتب من خلال المركز للجهات المعنية.

بدوره قام مركز القدس بالتواصل مع وزير مقاومة الجدار والاستيطان، السيد وليد عساف، وإيصال رسالة أهالي رأس العوجا، وقد أشار عسّاف فيالسياق أنّ عمل الهيئة محفوف دائما بالمخاطر، خاصة فيما يتعلق بإيصال المعونات للسكان هناك، حيث من الممكن أن يقوم جيش الاحتلال باعتراضهم ومصادرتها.

وحول السياسة الاستيطانية في الضفة الغربية، قال عساف إنّ الجدار ابتلع 10.5% من أراضي الضفة الغربية، تُضاف إلى 3.5% مساحة الأراضي المبنية عليها المستوطنات، و6% مساحات أمنية يُسيطر عليها الاحتلال، وكانت عملية الضم الأكبر في العام 1983، عندما أعلن الاحتلال عن ضم مليون ومئتي ألف دونم من أراضي الضفة الغربية، وتحويلها إلى أراض دولة، ليصبح مجموع ما يُسيطر عليه الاحتلال بشكل مباشر قرابة 31% من مساحة الضفة الغربية.

ورداً على سؤالنا بأنّ الاحتلال يتحدث عن احتمالية هدم عشرات آلاف المنازل الفلسطينية في المناطق المصنفة "ج"، استبعد عساف ذلك، وأضاف: الاحتلال بات يشدد على الفلسطينيين ويمنعهم من انشاء أبنية جديدة هناك، مؤكداً أنّ المناطق "أ + ب" لم تعد تكفي حاجة السكان الفلسطينيين للبناء والتوسع.

وأردف قائلاً: إنّ 95% من محاولات تسريب الأراضي استطاعت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان احباطها، من خلال محاميها، حيث تم استعادة 600 دونم في صفقة واحدة، مؤكداً أنّ عمليات التسريب تتم من خلال وثائق تزورها مؤسسات إسرائيلية.

ختاماً، سياسة الاحتلال في تلك المنطقة من المرجح أن تتصاعد في ظل المزايدات الداخلية من أجل ضم الأغوار، وهذا ما يؤكده السكان هناك من خلال معايشتهم للحراك المستمر والمكثف للاحتلال في التضييق عليهم ومصادرة الأرض. وتأتي هذه السياسة في ظل عجز الأداء السياسي الفلسطيني عن القدرة في المواجهة، في ظل الانقسام، وخسارة الفلسطينيين للساحات الدولية الأبرز التي كانت تدعمه، إلى جانب إدارة الظهر الإقليمية للقضية الفلسطينية ومسيرة التطبيع مع الاحتلال.

ما يقوم به الاحتلال يحتاج إلى وقفة حقيقية، وخطوات جريئة من قبل السلطة الفلسطينية، تتمثل بإعادة الحسابات فيما يتعلق بالاحتلال، يتخلله التحام حقيقي مع فئات الشعب الفلسطيني، واتمام المصالحة الفلسطينية.