رائحة فاسدة تخرج من مصنع النبيذ هذا ولا اقصد العنب

23/11/2019

كتب: جدعون ليفي - هآرتس

ترجمة خاصة لوطن- ترجمة الاء راضي

يبدو وكأنه مشهد من إقليم توسكانا الايطالي، سيارة رياضية عتيقة وسيارة دفع رباعي سوداء متوقفة أمام قصر بواجهة حجرية وسقف أخضر يقع بين كروم العنب، والماء في حمام السباحة تلمع في ضوء متوهج، والأوراق الموجودة على صفوف كروم العنب والمزروعة بترتيب مثالي  مدعومة بأعمدة حديدية  لكنها أصبحت بنية اللون مع الزمن.

الجو هادئ يمتلى بتغريد  الطيور وهناك هالة من الجمال ولكن المشهد هو في الواقع واحدة من أبشع المشاهد يمكن تخيلها، فالمنزل  والكروم  والمسبح  والسيارات الراقية والشرفة مع المنظر الخلاب، كل هذا يقع في الملكية الخاصة التي سُرقت من أصحابها ونحن لسنا في توسكانا، نحن في حي الجريمة.

هذه هي ملكية ياكوف بيرغ، المدير التنفيذي لمصنع "بسجوت" للنبيذ  في وسط الضفة الغربية، يقع منزل بيرغ على قطعة رقم 233 من حوض رقم 17، وتعود ملكية هذا العقار إلى شقيقتين، أمل وكينيات قرعان وابنة عمهما كريمة  لكنهما لا يملكان القدرة للوصول إليها. وكذلك تزرع العنب على قطع من 219-220، التي تملكها حرية قرعان، قريبة آخرى من العائلة وتلك المرأة أيضاً غير قادرة على الوصول إلى ممتلكاتها.

من الصعب التفكير في رائحة كريهة أكثر من تلك التي تنبعث من مصنع "بسجوت" للنبيذ أو الناتجة عن  تعفن أخلاقي وقانوني أكثر من تلك السائدة في المستوطنة،  ولن يُتخذ أي قرار من الإدارة الأمريكية القضاء على هذه الحقيقة البشعة.

قضت محكمة العدل الأوروبية الأسبوع الماضي بأن الاتحاد الأوروبي سيطلب من الآن فصاعدا تدوين المكان الذي صنع فيه هذا النبيذ على الملصق، الى جانب كل منتج للمستوطنات  بعد أن طلبت المخمرة من محكمة فرنسية إلغاء هذا المتطلب، وبعد الحكم  أعلن الرئيس التنفيذي بيرغ وفقاً لصحيفة معاريف اليومية أنه شعر "كأنه يهودياً مع رقعة صفراء"  وهذا الموقف حطم رقماً قياسيا آخر من وقاحة المستوطنين.

يجلس عدد قليل من مالكي الأراضي المسلوبين  وحوالي عشرة من الرجال والنساء المسنين  في مكاتب بلدية البيرة المجاورة وهم يستكشفون صورة جويّة لأراضيهم وما تبقى منها، فالعديد منهم يحملون سندات الملكية الخاصة بهم  حسب الأصول من "الإدارة المدنية" للحكومة العسكرية الإسرائيلية، وعلى الرغم من الارتفاعات العالية للمتلكات التي تقع على الأرض التي استولى عليها الرئيس التنفيذي وزملاؤه ولا زال المستوطن بيرغ يتحدث عن "رقعة صفراء".

هل يمكن أن يكون هناك النبيذ ذو رائحة كريهة أكثر من ذلك الذي سينتجه مصنع "بسجوت" ؟ هل هناك أي شيء يبرر أكثر من وضع الملصقات على الخمرة  وتمييزها عن الخمور غير المنتجة في نفس المناطق؟ وما الذي يمكن أن يكون أكثر أخلاقية ونبيلة من مقاطعة هذه المنتجات تماماً؟

هذه هي ميغرون الجديدة  وهي مستوطنة بنيت أصلاً على أرض خاصة فلسطينية قريبة، تم تفكيكها في عام 2012 وأعيد بناؤها بالقرب من مصنع الخمرة، وانتقل مصنع الخمرة  الذي أسسه والد الرئيس التنفيذي الحالي، مئير بيرغ وهو مهاجر من الاتحاد السوفيتي، إلى هنا في عام 2009 من أجل توسيع العمل وتصنيع حوالي 400 ألف زجاجة من النبيذ سنوياً، وفقاً لإعلاناتها.

جندي يدير بوابة الدخول للمستوطنة، ويبدو أنها وظيفة شاب في الجيش الإسرائيلي: رفع وخفض حاجز  خارج مصنع الخمرة،  وكلب حراسة في نهاية الطريق الطويل ينبح غاضباً في ساحة مركز الزوار الفارغ حيث تتوفر، حسب مصنع الخمرة، فعاليات عائلية ومؤتمرات واجتماعات  بما في ذلك وجبات الطعام التي تشبه الطبق الوطني الأرجنتيني أسادو.

ينشغل عمال البناء الفلسطينيون في بناء المزيد والمزيد من الفيلات في ميغرون الجديدة ويسر عائلات هيمو وديامانت ووينبرغ و هالفي العيش هنا، وهناك عند موقف الباص شعار "الحاخام مئير كاهان كان على صواب".

تقع مستوطنة "بسجوت" على بعد دقائق قليلة، وهناك الطريق غير القانوني الذي بناه المستوطنون بمساعدة السلطات يؤدي إلى "بسجوت" من ميغرون ومنذ عام 2003  أصبحت "بسجوت" محاطة بسور مكهرب على طول الطريق تحت مسمى السياج، وتوسعت هذه المستوطنة واستولت على 550 دونم (138 فدانا) من الأراضي الخاصة من أصحابها الفلسطينيين، وتشمل الأرض المنهوبة 80 دونماً استولت عليها ياكوف بيرغ ومصنع "بسجوت" للنبيذ، حيث زرعت كروم العنب، ولا يزال نزع الملكية مستمراً.

وهذا الأسبوع لاحظ درور إتكس، الباحث البارز في المستوطنات من منظمة كيرم نافوت غير الحكومية قطع معدنية جديدةفي الأرض يبدو أنها مخصصة لمزيد من الكروم للاستيلاء على المزيد من الأراضي.

يروي مدخل مستوطنة "بسجوت" التي تنمو باستمرار القصة الكاملة: بقايا المدرجات الزراعية المدمرة وبساتين الفاكهة المتناثرة على جانبي طريق الوصول المسور والزراعة الفلسطينية التي كانت موجودة هنا هي شيء من الماضي.

ما وراء منزل بيرغ هو مقبرة "بسجوت" ومن ثم بؤرة استيطانية غير قانونية أخرى، متسبي هآي، وتعكس  العلامة عند مدخل الملعب الصغير المهملة في "بسجوت" على "اسم مالك العقار: مجلس بنيامين الإقليمي" سخرية أخرى من القانون.

وأنشئت المقبرة  في عام 1979 لتعويض المستوطنين عن الانسحاب من سيناء في معاهدة السلام مع مصر، وكان أحد أهداف "بسجوت" هو التأثير على المناطق المجاورة، وفي عام 1967  كان عدد سكان مدينة البيرة 8000 نسمة موزعة على مساحة 12000 دونم (3000 فدان)، ويبلغ عدد سكانها اليوم 82000 نسمة، لكن مساحتها تقلصت إلى حوالي 10500 دونم، كما يفصل 30 متراً فقط المدينة الفلسطينية المزدحمة عن منازل المستوطنين.

في انتظارنا في قاعة المؤتمرات الحديثة في بلدية البيرة، عضو مجلس المدينة منيف طريش إلى جانب حوالي عشرة من الرجال والنساء الآخرين  وجميعهم من كبار السن، الأقدم هو عوده حمائل البالغ من العمر 89 عاماً، هؤلاء أصحاب الأرض التي تقع عليها "بسجوت"،  يقوم طريش، الذي يتحدث العبرية والإنجليزية بطلاقة، بنشر صورة جوية حديثة ومحدثة عن "بسجوت" على الطاولة، وعلى عكس الأماكن الأخرى  فإن سجلات السجل العقاري المحفوظة هنا دقيقة جداً.

ويعلق إتكس بأن "بسجوت" كان موجوداً في الأصل على قمة تل (بسجوت معناها القمم باللغة العبرية) في موقع صنفته "إسرائيل" كأرض تابعة للدولة، ويوضح طريش أن الأرض تم شراؤها من أصحابها في عام 1965 من قبل حكومة مدينة القدس الشرقية، ثم تحت السيطرة الأردنية  لبناء منتجع صيفي لقضاء العطلات الأثرياء من الكويت لكن في  حرب 1967 التي خضعت فيها القدس الشرقية للسيطرة الإسرائيلية نسفت تلك الخطة، وبعد ذلك أصبحت الأرض "أراضي [رئيس بلدية القدس] تيدي كوليك" ، على حد تعبير طريش  أو "أراضي الدولة" في لغة الاستيطان.

وعلى مر السنين  يلاحظ إتكس  أن 140 دونماً الأصلية المخصصة لمستوطنة "بسجوت" توسعت إلى 655 دونماً، ولدى إتكس خرائط على جهاز الكمبيوتر الخاص به تُظهر مرحلة الاستيلاء على مراحل ابتداءاً من نزع الملكية، وكل ذلك بالطبع تحت رعاية السلطات الإسرائيلية  بالإضافة إلى إضافة منازل متنقلة وحواجز أمنية  وما إلى ذلك، وأصبحت الأرض التي كانت جزءاً من المخطط الرئيسي للبيرة هي مستوطنة "بسجوت".

يقول طريش، مقتبساً من خطاب تلقاه ذات مرة من المستشار القانوني للإدارة المدنية، الذي كتب أيضاً: "لقد تم تركيب المنازل المتنقلة بحسن نية وسنقوم بإزالتها في أقرب وقت ممكن" ولا زلنا ننتظر.

مشهد الناس القدامى في قاعة المجلس محزن وجميعهم تقريباً يرتدون ملابس تقليدية ورؤوسهم مغطاة بالكوفيه، إنهم مقتنعون بأن الصحفي والمصور الإسرائيلي الذين حضروا إلى شركة إتكس يمكنهم استعادة أراضيهم لهم فهذه الاراضي موجودة في قلوبهم ولم يتخلوا عنها.

وكما قال طريش  "طالما نحن هنا ، فلن نتوقف عن الكفاح".

بلغ عدد ملاك الأراضي الأصليين حوالي 100، ومعهم أحفادهم ليصلوا الآن إلى عدة آلاف، وكانت هذه قطع صغيرة من الأراضي وبساتين الفاكهة وبساتين الزيتون وممتلكات متراكمة على مدى عدة أجيال.

لم يكن تيسير حائل على أرضه منذ عام 1992 ويروي مصطفى سمران أنه بعد إنشاء "بسجوت" ، كان لا يزال قادراً على الوصول إلى ممتلكاته، ولكن بعد ذلك بدأ مطاردته تحت تهديد نيران الأسلحة والكلاب ومن خلال السياج الأمني، الذي منعهم تماماً، ويذهب عدد قليل من أعضاء مجموعة ملاك الأراضي إلى "الإدارة المدنية الإسرائيلية" كل عام ويحصلون على تأكيد رسمي جديد لملكية العقار، مختوماً وموقعاً، فهم يعتقدون أن هذا يمنحهم نوعاً من الحقوق في أرضهم المفقودة.

وهذا الأسبوع غرد إتكس على تويتر أن نجاح مصنع "بسجوت" للنبيذ يعود لعدة عوامل وهي الجيش الإسرائيلي  الذي بنى السياج حول "بسجوت" والى "الإدارة المدنية" التي لم تطردهم وإلى الشرطة التي لم تحاكمهم والى الإخوة الملياردرين فليق [من ميامي وفلوريدا] الذين جاءوا كشركاء في مصنع الخمرة؛ وهناك عامل مساعد وهو سلطة المياه الإسرائيلية التي خصصت لهم عشرات الملايين من اللترات المكعبة من المياه لأغراض الريّ.

الأول من تموز الماضي  نشر الصحفيان أوري بلاو وجوزيف فيدرمان تقريراً استقصائياً لـ "أسوشياتد برس" حول تورط "الإخوان الفليق" في المشروع الاستيطاني، بما في ذلك دعمهم لعناصر يمينية متطرفة وعنيفة وملكية جزئية لمصنع "بسجوت" للنبيذ وفي 6 تموز  نشرت صحيفة الاندبندنت البريطانية تقريراً عن العائلة، التي تمتلك شبكة كبيرة من المتاجر المعفاه من الرسوم الجمركية في الولايات المتحدة، وركزت هذه المقالة على السيطرة في تصنيع الخمرة، والتي استثمرت فيها أكثر من مليون دولار من خلال شركة تم أنشأوها في بنما، لقد اشتروا ما يزيد قليلاً عن نصف الأسهم في الخمرة وأصبحوا مساهميها الأغلبية.

هل تعرف النساء من عائلة قرعان ما نشأ على أرضهن من مصنع الخمرة، مزارع الكروم، الخ؟ إن كل ما يعرفونه هو ما يسمعونه من درور إتكس فقط.

في أعقاب قرار الاتحاد الأوروبي بشأن الملصقات في الأسبوع الماضي، أخبر بيرغ صحيفة "هآرتس" قائلاً: "كيهود وإسرائيليين  نرى عملنا مهمة عظيمة، لقد تصرفنا كإسرائيليين يعيشون في مجتمع تأسس بموافقة الحكومة الإسرائيلية والذين يسعون فقط لتصنيع وتصدير النبيذ ذات الجودة العالية الذي يتمتع بسمعة طيبة في جميع أنحاء العالم".

دعونا نرفع النخب لهذا الجهد الصهيوني الرائع، والآن على الأقل سيعرف الأوروبيون أن أصل "النبيذ ذو الجودة العالية" من "بسجوت".