حمدي فرّاج يكتب لوطن: ثورات العرب .. كمن يقطع ذنب الافعى

08/11/2019

 

- هل ما زالت المظاهرات والمسيرات الشعبية في العراق ولبنان مستمرة ؟ اعذرني فأنا لا اتابع الاخبار ولا افتح على التلفزيونات العربية .

- نعم يا جدي ، ما زالت مستمرة .

- فماذا يطلبون وبماذا ينادون ؟

- نفس مطالب السودان والجزائر قبل بضعة أشهر .

- تقصد انها نفس مطالب مصر وتونس والاردن والمغرب والبحرين وسوريا واليمن قبل عشر سنوات .

- تقريبا . اسقاط النظام ، حرية ، عدالة ، خبز ، بطالة .

- ولكن النظام لم يسقط ، وإن كان قد تغير واستبدل في بعض هذه الاقطار بنسخة محسنة .

- كأنك تقول يا جدي ، انه بدون اسقاط النظام فلن يتغير شيء ؟

- لا . فهناك أنظمة أكثر سوءا ، انظمة شبه بائدة ، لم تخرج في شوارعها مظاهرة واحدة .

- تقصد دول الخليج ؟ فهذه محميات امريكية ، لا أحد يستطيع اسقاطها . ناهيك ان بحبوحة عيش سكانها تحول بينها وبين الثورة.

- بحبوحة العيش ليست هي مقياس الثورة الوحيد .

- اذن لماذا يا جدي لا ينتصر المتظاهرون العرب ؟

- لأنهم بدون رأس . بدون احزاب ثورية تقودهم نحو الخلاص والبديل . هل رأيت يوما جسما يتحرك بدون رأس ؟

- تقصد احزاب المعارضة ؟

- لا هناك الكثير من احزاب المعارضة انما تتحالف مع النظام من الباطن .

- تقصد الاحزاب اليمينية والدينية ؟ كالذي حصل في مصر والمغرب والاردن ؟

- يمينية ويسارية على حد سواء ، كالذي حصل في تونس والسودان ، ونراه سيحدث في العراق ولبنان .

- كأنك تقول ان لا جدوى فعلية عملية من هذه الثورات ؟

- هذه الثورات عبارة عن هبات عفوية ، تندلع لعدم قدرة الناس احتمال وقع الظلم المركب عليها ، ولهذا تتسم دائما بالعفوية و "ردة الفعل" . ولكنها ضرورة موضوعية لانبثاق احزاب ثورية في رحمها ، و"الشكل الجنيني للوعي" الفردي والحزبي والمجتمعي .

- هذا يتطلب وقت أطول مما يظن المتظاهرون الغاضبون ؟

- نعم . لكن يمكن تسريع ذلك .

- كيف ؟

- هل سمعت في كل هذه الهبات قديمها وحديثها من مشرق الوطن العربي الى مغربه شعارات عن العروبة والاستعمار وفلسطين ؟ حين تسمع شيئا كهذا نكون اقتربنا من الثورة المظفرة ، ذلك ان العدو الحقيقي لهذه الامة هو من قسمها الى شعوب وملل ومن ثم طوائف ونحل ، وقسم وطنها الى أقطار و دول ، ممالك وامارات ومحميات . جميع مشاكل الناس في هذه البقعة من العالم متأتية من ذاك العدو ، حتى النظام الوطني "المحلي" هو جزء لا يتجزأ من مكوناته ، الثورة عليه لا يجدي فتيلا ، وبإختصار ، كقاطع ذنب الافعى .

(انا بعد خمسين عاما / اكتشفت هشاشة حلمي / فلا قمر في سماء أريحا / ولا سمك في مياه الفرات / ولا قهوة في عدن / رأيت شعوبا تظن بان رجال المباحث أمر من الله / مثل الصداع ومثل الجرب / رأيت العروبة معروضة في مزاد الاثاث القديم / ولكنني ما رأيت العرب) ... نزار قباني .