خبيرا اقتصاد لوطن:أزمة السيولة التي تواجهها السلطة الفلسطينية تختفي بتحرير أموال المقاصة وبضغط دولي على "إسرائيل"

24/09/2019

وطن للأنباء- ريم أبو لبن: لم تهدأ وتيرة الحديث عن أزمة السيولة التي أصبح يلوح بها البنك الدولي اليوم وبوصفها بـ"الشديدة"، حيث حذر من وقوع السلطة الفلسطينية في فجوة تمويلية لهذا العام تتجاوز 1.8 مليار دولار وبفعل انخفاض تدفق المعونات الأجنبية، وعدم التوصل إلى اتفاق بشأن تحويل أموال الضرائب ورسوم الاستيراد، والمقاصة التي تجمعها حكومة الاحتلال ولحسابها الخاص.

الخبير في الشأن الاقتصادي، بكر اشتية، أوضح في حديث لوطن للأنباء أن السلطة الفلسطينية كانت تعتمد بشكل كبير جداً على مصادر التمويل الخارجي، حيث أن المساعدات الخارجية كانت تشكل ما نسبته 50% من مصادر التمويل، واليوم لا تشكل هذه المساعدات أكثر من (14-15%) من مصادر التمويل بالكامل، حيث أصبح الاعتماد على مصادر التمويل الذاتي وبنسبة 85%، والتي تعتمد بشكل مباشر على اموال المقاصة والضرائب.

وعليه، فإن المساعدات الخارجية والمقدمة للسلطة الفلسطينية قد انخفضت بشكل كبير، حيث كان يقدم لها ما قيمته ملياري دولار واليوم انخفض الدعم ليصل الى 450 مليون دولار. غير أن احتجاز اموال المقاصة من قبل حكومة الاحتلال قد فاقم من أزمة السيولة، مما نجم عن هذا أزمة سيولة في السوق الفلسطيني نفسه. بحسب ما ذكر اشتية.

وعن التسبب بإحداث أزمة سيولة لدى السوق الفلسطيني، قال :"قدرة الأسواق على تمويل السلطة من خلال الوعاء الضريبي قد تراجعت بتراجع مستوى الانفاق لدى الفلسطينيين وبفعل حصول الموظفين العموميين على رواتبهم منقوصة، مما تسبب هذا مجتمعاً باحداث حالة ركود في الاقتصاد الفلسطيني، حتى أن القطاعات الاقتصادية قد تراجعت قدرتها على دفع الضرائب".

وأشار بأن السلطة الفلسطينية أصبحت تخسر اجزاء كبيرة جدا من مصادر تمويلها ومنها : الخارجية، واحتجاز حكومة الاحتلال أموال المقاصة، ومع المواطن الفلسطيني بشكل مباشر.

وعن استمرار أزمة السيولة، أوضح اشتية بأن التوقعات لا تشير إلى اطالة عمرها واستمرارها لسنوات قادمة. حيث أن السلطة تبحث عن أي مصدر للتمويل للخروج من أزمتها الحالية.

وعن الحلول المطروحة للخروج من ازمة السيولة، أوضح اشتية بأن الخيارات الموضوعة امام السلطة هي محدودة، حيث ان الموقف الاقليمي لن يخدم الأزمة، وأمامنا فقط أما الاعتماد على الجانب الإسرائيلي ومن خلال "الارتباط العضوي" باقتصاده، أو بالاعتماد على المانحين، والذين يحصلون على أوامر امريكية بعدم تقديم الدعم لنا، خاصة وأن شبكة الآمان العربية غير قادرة على تجاوز الإرادة الأمريكية.

وقال "ولكن إن اعيد تفعيل شبكة الآمان العربية فإن ازمة السيولة ستنتهي كلياً، خاصة وأن الشبكة لا تتحدث عن تقديم قروض وانما تقديم مساعدات للفلسطينيين. أو اذا طرحت تفاهمات إضافية مع الجانب الإسرائيلي بجانب التفاهمات التي تمت حول ضريبة المحروقات (البلو)، حيث أن دولة الاحتلال لم تمنحنا صلاحية جباية ضريبة البلو من محطات المحروقات كما اعلن سابقا".

واشار إلى أن ما يضمن جباية ضريبة "البلو" ومن قبل السلطة الفلسطينية بعدم ارتباطها بـ"المقاصة" بأن يتم اجراء تفاهمات باخراج ضريبة "البلو" من "المقاصة" وان يتم تعديل بروتوكول "باريس" بناءً على تلك التفاهمات وبتحويل جبايتها ووضعها بيد السلطة.

وقال : هي معركة مالية مفتوحة مع الجانب الإسرائيلي ومن طرف واحد، حيث (نأكل نحن الضرب وننتظر إسرائيل التي تقول أي). حيث رفضنا استلام المقاصة ولكن ماذا بعد؟ هل تسببت بضرر لحكومة الاحتلال؟ إذ أن الأهم أن يتبع رفض استلام المقاصة نتائج سلبية تؤثر على إسرائيل".

وقال : " الفترة القادمة ستشهد تفاهمات حول (البلو) ولكن سينجم عنها اثمان سياسية على الفلسطينيين".

وتابع حديثه "على السلطة أن تتوصل إلى صيغة تفاهمات مع الجانب الإسرائيلي وأن تظهر بمظهر عدم التنازل عن قضية الأسرى والشهداء، وبالمقابل حكومة الاحتلال تظهر بانها لم تكسر القانون الذي فرضته على السلطة الفلسطينية...أي لا خاسر ولا رابح، هذا هو الحل الوحيد لانقاذ أزمة السيولة الفلسطينية".

"العملة الرقمية لن تضيف شيء للأزمة"

وفي ظل الأزمة الراهنة التي تطال السلطة الفلسطينية اعاد رئيس الوزراء محمد اشتية طرق باب " العملة الرقمية" لتجاوز اجراءات الاحتلال واعتبارها كبديلاً عن الشيقل الإسرائيلي.. والسؤال هنا، هل سيتم تحويل المقاصة رقمياً؟ وهل ستساهم في حل أزمة السيولة الراهنة؟

مساء أمس، قال رئيس الوزراء د.محمد اشتية " نحن في منتصف الطريق نحو العملة الرقمية" غير موضحاً تفاصيل وآلية العمل بها، مشيراً بقوله وخلال افتتاح مركز البيانات الأحدث في منطقة مدينة البيرة، والتابع لمجموعة الاتصالات الفلسطينية "بالتل"، بان مقترح (العملة الرقمية) يأخذ فلسطين إلى عالم التكنولوجيا، وبها يتم تجاوز اجراءات الاحتلال.

وتعليقا على ذلك، أوضح الخبير الاقتصادي بكر اشتية أن " العملة الرقمية لن تضيف شيئاً للأزمة الراهنة، وانما هي جاءت لتقليل الاعتماد على الشيكل الاسرائيلي ولس الغائه على حد تقديري ". مشيراً إلى أنه يتوجب خلال المرحلة القادمة التفكير في صيغة من أجل الانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي.

وقال : "العملة الرقمية هي ليست حلاً للازمة، ولن نخلق مصادر للتمويل، ولكن هل الاقتصاد الفلسطيني مهيأ لتقبل العملة الرقمية؟ ".

وأشار خلال حديثه بأن رئيس الوزراء لم يقدم اي تفصيل أو لوائح تنظيمة معلنة حول اعتماد العملة الرقمية كبديل عن استخدام الشيكل الاسرائيلي، وقال في ذات السياق :" 170 ألف عامل فلسطيني في الداخل والذي يحصلون على رواتبهم بعملة الشيكل، كيف سيتم التعامل معهم؟ غير أن حكومة الاحتلال اعلنت بانها ستحصل على أموال الكهرباء والمحروقات والمقاصة المدفوعة بالشيكل فقط، فيكف ستدفع عبر العملة الرقمية".

وتابع حديثه " كيف سيتم تحويل الأموال التي تتدفق الينا الى عملة رقمية.. وهل ستقبل إسرائيل بأن تدفع السلطة أموال المقاصة وباستخدام عملة رقمية لا عملة الشيكل؟

" اذا تحررت أموال المقاصة ستختفي أزمة السيولة"

أما الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم، فقد أكد أن تقديرات البنك الدولي لحجم أزمة السيولة قد تتجاوز 1.8 مليار دولار هي "صحيحة" خاصة أن الفجوة التمويلية وقبل حدوث الأزمة المالية الراهنة واحتجاز أموال المقاصة كانت تتجاوز 500 مليون دولار، ولكن مع حرمان السلطة من مساعدات شهريا من المانحين تقدر بـ 150 مليون دولار، فإن أزمة السيولة سوف تتضاعف.

وأوضح أن السلطة قد نجحت في اقتراض ما قيمته 400 مليون دولار بجانب جلب مساعدات اضافية لسد جزء بسيط من الأزمة، ولكن الفجوة التمويلية المقدرة حاليا ولهذا العام،يضاف الها قيمة الفجوة السابقة، أدت إلى تشكيل فجوة تمويلية تقدر بـ (1.8) مليار دولار، وقد تزداد الفجوة حتى نهاية العام الحالي مع بروز "التقشف".

وقال : "ان تحررت أموال المقاصة تختفي أزمة السيولة، حيث تضخمت بفعل الحالة الراهنة".

واشار في حديثه إلى أن المخرج من أزمة السيولة هو "سياسي" وليس "فني"، حيث أن الخيارات الفنية التي كانت متاحة أمام السلطة الفلسطينية لم تعد ممكنة.

وتابع حديثه "هي ازمة سيولة اضافية وطارئة، وقد اضيفت لازمة سيولة سابقة وموروثة، وفي ظل الظروف السيادية الراهنة، لن تتمكن من مواجهة الازمة، حيث أن الخيارات المتاحة سابقة لحل الازمة كالاقتراض، والتقشف، وتقليل الرواتب.. وغيرها لم تعد مجدية الآن".

وأوضح بأن حل أزمة السيولة يكمن بتدخل اقليمي وبضغط دولي قوي، بجانب الاقتناع كليا باهمية انهاء ازمة المقاصة، لما لها من محاذير أمنية وقد تجر المنطقة الى حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار، وفتح المواجهة والصراع مع المحتل على ارض الواقع.

وقال : "إذا لم يقتنع كلا من إسرائيل والمجتمع الدولي بأن الفلسطيني لن يقبل بقواعد جديدة للعلاقة مع المحتل وبأنه ماضٍ لتغيير تلك العلاقة من جانب استراتيجي  فإن الأزمة لن تحل وسنضطر للتكيف معها".

يذكر أنه في السادس من شهر فبراير/ شباط للعام الماضي قررت الحكومة الفلسطينية السابقة  وتحت إطار جلستها الاعتيادية تشكيل لجنة لدراسة إمكانية الانفكاك الاقتصادي عن "إسرائيل"، فيما عرجت انذاك على إمكانية إصدار عملية وطنية بدلاً من الشيكل الإسرائيلي.