نادية حرحش تكتب لوطن :سلوان ... أي مسمار في نعش القدس قد تم دقه؟

01/07/2019

هل كنا بحاجة لرؤية السفير الأمريكي لدى"إسرائيل" بينما كان يضرب الحائط المؤدي للبلدة القديمة من نفق سلوان؟

هل الحدث الذي تم افتتاحه جديدا وغريبا عما يجري يوميا وعلى مدار السنوات بالقدس،تحت أعين السلطة الفلسطينية بكافة أذرعها في المدينة؟

بينما نبكي بين اللطم والشجب فعلة الامريكي الصهيوني بمشاركة كيان الاحتلال بافتتاح المكان التاريخي بالمدينة، هناك عقود من الزمن شهدنا فيها أمثلة مشابهة وبتمثيل أعلى من تمثيل سفير. يبادر ذهني زيارة الرئيس الامريكي في حينه ـ كلينتون ـ لافتتاح أنفاق البلدة القديمة التي دكت معاويلها ومنذ عقود على مرأى أعيننا متاخمة للمسجد الاقصى وتحت بيوت البشر في البلدة القديمة،لتصبح ما هي عليه اليوم من معلم أساسي لهوية القدس القديمة بتهويد محكم الابعاد.

الانفاق بالبلدة القديمة شهدت تغيرات وتطورات لمدينة متعددة الطبقات من الأزمنة،لتصير اليوم طبقة "التهويد" فيها هي المهيمنة. فالمصلى الضخم بما تجسده الأعراف اليهودية بالعبادة يبدو للعين أنه كان هناك منذ آلاف السنين،بينما بالأصل وضع قبل سنوات لا تتعدى البضع. وأنفاق سلوان التي تم دك أحجارها لتربط بالبلدة القديمة اليوم، ليست الا تكملة لمشروع بدأ بالتوازي مع عقود الزمن الذي بدأت فيه "إسرائيل" تهويدها للمدينة من كل الاتجاهات وعلى كل الطبقات. وبينما نلطم اليوم على افتتاح نفق، هناك ما هو أبغض قادم، وهو "التيليفريك" الذي سيعبر فوق سلوان مرورا إلى الطور، في رحلات "توراتية" تعرف السائح من السماء عن"تلمودية" المكان، بلا حاجة للعبور جسديا مع"السكان المحليين" وملاحظتهم حتى. تراهم من فوق، كأجسام تضيف ايقاعا دراميا للمشهد "التاريخي التوراتي".

الحقيقة، وبكل أسف، إن ما أقدم عليه السفير الأمريكي من افتتاح لا أهمية له، فالنفق قد تم تجهيزه منذ مدة، والعمل عليه لم يتوقف منذ سنوات كثيرة. السؤال الأهم هو : أين كانت السلطة والمسؤولين بينما كانت "إسرائيل" تخترق أرض البلدة القديمة بدءاً بسلوان؟ لماذا نأتي اليوم ونشجب،بينما كنا نعرف ونرى ونشهد ما يحصل منذ سنوات؟.

اليوم، قضية "التليفريك"، أهم، لأنها لا تزال في قيد الإنشاء.

كما قضية بركة البطريرك التي ستثير عاصفة من الاحتجاجات عندما يأتي السفير نفسه ليفتتحها بعد سنوات قليلة.

اذا ما نظرنا حولنا، هناك أمثلة كثيرة تتردد في القدس كما تتردد في خارجها، نراها بأم أعيننا، ولا نكاد نرف بجفوننا حتى نستوعب أن عملية تهويد وتزييف وسرقة حصلت أمامنا، ولا حياة لمن تنادي.

ما يجري بأريحا مثال حي آخر، لم نسمع حتى تعليقاً من وزارة السياحة بشأن موقع "تلول أبو العلايق" الأثري الذي تم انجاز ترميمه من قبل وزارة القدس والتراث الإسرائيلية. هل سنسمع تصريح به تنديد من وزارة السياحة الفلسطينية، ووزارة الخارجية، والمحافظ عندما يأتي السفير الأمريكي ليفتتح الموقع قريبا؟.

نحن هكذا، نقفز فزعا للحظات، ثم نأمن أنفسنا، كأن الأمور كلها تحت سيطرتنا، نفزعهم بصراخنا ومسيراتنا ومظاهراتنا وشجبنا  ـ من وجهة نظرنا فقط ـ وننتصر لأنفسنا. نشبه الفزاعات التي توضع للطيور بالحقول، ونتناسى أن الفزاعة للطير وليست للقوارض، ونترك الفزاعة وسيلة وحيدة لحماية حقلنا، بينما تطور الطيور أساليبها و يتغير جنسها، ونحن كما الفلاح المستأمن على أرضه محمي بفزاعة لا يصدق دفاعها غيره.

مع الأسف الشديد، وكما يحصل في كل أمر متعلق بتصفية القضية الفلسطينية منذ أدخلنا "أوسلو" لتكون بوصلة قضيتنا. كل ما يجري يسير على قدم وساق مع السلطة الفلسطينية، بداخل المكاتب المغلقة أو على موائد المطاعم. سواء كان السمسار الذي يمرر الصفقات هذه، رجل اعمال، أو اكاديمي، أو وزير، أو رجل دين. هناك تواطؤ واضح وجلي من قبل السلطة الفلسطينية مع كيان الاحتلال بشأن القضية الفلسطينية،التي صارت أكبر طموحها تسهيلات اقتصادية وبعض الحركةـ بشكل عام ـ والقدس، وما نشهده، كمن تنسل من بين يديه حجارة مسبحة. تسريب العقارات وضلوع شخصيات اعتبارية ومؤسسات وطنية فيها، من تأجير أو بيع أو مساومات. أسرلة المناهج التعليمية من خلال دمج المدارس تدريجيا بوزارة المعارف الاسرائيلية وبلدية الاحتلال بأذرعها المختلفة. 

شق الطرق وتقسيم الأحياء السكنية وتفريق العائلات وتشديد سبل الحياة على ابناء المدينة ،ليذهبوا طوعا نحو مواطنة إسرائيلية أو الهرب من المدينة. انهيار تدريجي لوجه المدينة الثقافي في عملية إلهاء يبدو أنها انتهت، ليبرز وجه الاحتلال الحقيقي في ما يمكن السماح به من فعاليات بالمدينة.

افتتاح النفق الذي رأيناه، ليس أكثر أهمية بحجمه، من بيان الشجب الفلسطيني، الذي لم يرق ليكون شجبا رئاسيا، بل كان على مستوى وزارة الخارجية، وكأن القدس شأن دبلوماسي خارجي.

قد يكون من البديهي كذلك عدم طرح سؤال آخر: هل هناك دور لوزير القدس ولمحافظ القدس ولوزارة السياحة ولوزارة الاوقاف؟ وبينما يبدو البديهي استفزازي هنا، قد يكون من المحزن التيقن أنه لن يكون بمقدرة هؤلاء حتى التعليق أو الشجب في هذه المسألة. فلقد رأينا مداهمة الشرطة الإسرائيلية لبيت وزير القدس واعتقاله أو التحقيق معه بسبب مشاركته بفعالية بالمدينة. ولن يكون غريباً أن يكون المحافظ ممنوعا من الظهور الرسمي بأمر الشرطة.

بالحقيقة أن هذه الانفاق للمتطلعين ليست إلا جزء من شبكة الصرف الرومانية، فلا أهمية دينية لها، ولكن لأن "إسرائيل" دولة قامت وتستمر بالقيام على التزييف واختلاق الأساطير لتصنع منها تاريخا لها، بنيما يمر الجسر المقام على حارة المغاربة أمام ساحة البراق علنا إلى سطح الأقصى، ولا حتى تصريح رسمي واحد يندد أو يطالب. تستطيع "إسرائيل" أن تقدم أي عمل استعماري على أنه تراثي ديني، لأنه بالمقابل، لا يوجد سلطة فلسطينية ترد أو تهتم أو تقاوم... وإذا ما ردت أو اهتمت أو قاومت... فالأمور كلها تنتهي إلى ركود معدم بعد أيام معدودة أو أسابيع في أحسن الأحوال. 

القدس متروكة، ومنذ سنوات كثيرة، بين فكي الاحتلال والسماسرة (على مختلف اشكالهم وهيئاتهم)، على مرأى السلطة. موجودة فقط في الشعارات التعبوية، كما تصريحات السلطة في شأن العلاقة مع "إسرائيل": مقاطعة علنية بالخطاب التعبوي مع التشديد على"قدسية التنسيق الامني". وتنسيق وصل الى أوجه ـ في توصيفه بمصطلحات لا أريد استخدامها ـ بعيداً عن الخطابات وعلى كل الأصعدة التي لا يمكن وصفها بأنها سرية. لأن الشعب مغيب عن القرارات الحقيقة.

ما قام به السفير الأمريكي ليس إلا دق مسمار آخر في نعش مدينة كلنا مشتركون في دفنها، لتبعث ـ من جديد ـ  بصبغة وهوية ليست لها. 
بينما، تقف السلطة هناك في كامل "أناقة" سيادتها، بوزارة قدس، ووزارة سياحة، ووزارة اوقاف ومقدسات، وألوية وعقداء ومحافظة، مستمرة بإعطاء الألقاب والمناصب التي تكهل ظهر الشعب المهدد بالجوع، ونسمع بتهديدات ممكنة للرئيس بإمكانية سحب اعترافه "بإسرائيل"!!! يدق مسمار آخر في نعش القدس.