خالد بطراوي يكتب لوطن: نحن والمعلومة الجاهزة

17/06/2019

كم هي تعاليم الديانات التي تطلب منا أن نتأمل الكون والحياة؟ كم هي العبارات التي تشدد على أولي الألباب، وعلى الشواهد في الطبيعة التي تحتم علينا أن نتفكر بها. ولكن ... هل نتفكر؟ أم نبتعد أكثر فأكثر عن العلم والمعرفة؟


يعرّف العلم - من ضمن مجموعة من التعريفات - على أنه نشاط إنساني يهدف الى زيادة قدرة الانسان في السيطرة على الطبيعة. يسعى العلم الى وصف الظواهر وتصنيفها ويحاول اكتشاف مختلف العلاقات والروابط بين هذه الظواهر. ومن دون أدنى شك فإن أهداف العلم تتمثل في الفهم والتنبؤ العلمي بغية الضبط والتحكم، ويلزم لذلك مجموعة من الأساليب جلّها الجمع بين الفكر والملاحظة بغية الشعور بالمشكلة وتحديدها ووضع الفروض للحلول المؤقتة والدائمة وإختبارها وإستنباط النتائج.
وإذا أردنا أن نتسلح بالعلم علينا أن نثق به وبالبحث العلمي ونؤمن بأهمية التعلم المستمر ونكرس في داخلنا الانفتاح العلمي ونبتعد كل الابتعاد عن الجدل البيزنطي ونتقبل الحقائق ونتوخى الامانة والدقة ونبتعد عن التسرع والادعاء ( أبو العريف) ونؤمن بقانون العلية أي أن لكل حدث أسبابه.


وفي العلم لا يمكن إثبات الشىء ونقيضه معا ويستند العلم الى تراكمه والى تنظيم أفكاره والى السعي للبحث عن الأسباب للتيقن منها ومن الضروري أنتهاج منهج الدقة والعمل بكل تجرد.
من أبرز عوائق التفكير العلمي إنتشار الفكر الخرافي والأسطوري والتزامنا في مجتمعاتنا بالافكار الشائعة وكل ذلك يترافق مع إنكارنا لقدرة العقل.


في حقيقة الواقع ما الذي يحدث لنا ... يمارسون علينا ... عملية ممنهجة مقصودة (وغير مقصودة لدى البعض) في تغييب عقولنا ... منذ نشأتنا في صغرنا وهم يرددون على مسامعنا ضرورة " تقبل الأمور على علاتها" و " حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس" و " الباب اللي بجيك منو الريح ... سدو وإستريح" ..  ذلك يبدأ أول ما يبدأ في بيوتنا، ثم عندما نكبر في المدارس حيث نظام الحفظ والتلقين، ثم يمتد - الى حد ما - الى الجامعة حيث لا يناقش الطالب المحاضر الجامعي وإلا حصل على علامات متدنية، وعندما ننطلق الى سوق العمل في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية فالآمر الناهي وصاحب الرأي السديد هو فقط وفقط المسؤول. وفي الفصائل الفلسطينية لدينا القيادة التي تفكر عنا، ولدينا "أبوات" النضال من أبي الجماجم الى أبي زيد الهلالي أو "دون كيشوت" الذي يصارع طواحين الهواء ويحقق انتصارات وهمية.


لا تناقش يا ولد .. لا تناقشي يا بنت ... عيب ... حرام ... إسمعوا لكبار السن .. حتى في الافلام والمسلسلات يظهرون لنا الجيل الأكبر وكأنه الأكثر خبرة ومعرفة ودراية بينما الجيل الجديد أرعن ومتسرع. فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا حلت بنا كل هذه الويلات؟
لماذا علينا أن نتقبل المعلومة الجاهزة؟ لماذا علينا أن لا نناقش؟ لماذا علينا أن نردد مصطلحات جاهزة ... ذر الرماد في العيون .. إنتشار الخبر كالنار في الهشيم .. أخذه على حين غرة ... كأن على رأسه الطير ... بأي حال عدت يا عيد ... اللي بياخذ أمي بقولو عمي ... وغيرها من المصطلحات الرنانة التي تحول عقولنا الى حجرة ذاكرة تقوم فقط بالتخزين بدلا من التفكير والحفظ والتلقين.
أتمنى - وقد شارفت على الستين من العمر - ... أن أمسح من ذاكرتي كل ما حفظناه عن " ظهر قلب" – كما يقولون - .. ولاحظوا هنا أنني أستخدم مصطلحا جاهزا ، وأريد أن أعود لأفكر في أشياء كثيرة ... أهمها كيف نوطد البحث العلمي التطبيقي لدى الأجيال القادمة.