خلل في إدارة شركة كهرباء القدس أم نهجٌ في إدارة البلد

24/05/2019

كتب  عصام عابدين : تعرضت البارحة، كما العديد من المواطنين الفلسطينيين، لتجربة سيئة مع شركة كهرباء القدس، أي يوم الخميس الموافق 23 أيار 2019، وهي لا تحمل بذاتها جديداً، بقدر ما تنطوي على أبعاد ودلالات في التعامل مع المواطنين ينبغي الوقوف عندها وتسليط الضوء عليها، كونها انعاكس ثقافة سائدة ومتجذرة في كيفية إدارة الأمور في هذا البلد المليء بالمسؤولين، والتي تبدو بالمحصلة النهائية أشبه بالمزرعة التي تزداد بؤساً يوماً بعد الآخر في زمن ثقافة البؤس.

جرى قطع التيار الكهربائي عن منزلي صباح يوم أمس الخميس، بسبب تقصيري، كوني لم أقم بتسديد فواتير الكهرباء، وأياً كان الانشغال في العمل فهو لا يُبرر تقصيري في تسديد الدين المستحق بذمتي لصالح شركة الكهرباء كونه حق للشركة. ذهبت في اليوم المذكور إلى مركز الخدمات الكائن برام الله التحتا التابع لبلدية رام الله لتسديد فواتير الكهرباء وإعادة التيار الكهربائي المقطوع عن المنزل، حيث تتوفر مكاتب خدمات خاصة بشركة الكهرباء والمياه والاتصالات في هذا المركز للتسهيل على المواطنين من عناء ومشقة التنقل من مكان لآخر  لتسديد التزاماتهم المالية، وهذا مقدرٌ للبلدية لما فيه من توفير للوقت والجهد والمال، ومن حُسن حظي أن مكتب خدمات شركة الكهرباء المذكور يقع بجانب عملي.

وصلت مكتب الخدمات، قرابة الساعة العاشرة صباحاً، وتوجهت للمكتب الخاص بشركة الكهرباء، وقلت للموظف العامل هناك إن الكهرباء مقطوعة عن المنزل وأريد تسديد الفواتير وإعادة التيار الكهربائي، فأجابني بأنه يتوجب عليّ الذهاب إلى مقر الشركة الكائن في منطقة الإرسال لدفع مبلغ الدين  (1795 شيكل إضافة إلى  مبلغ 81 شيكل لإعادة ربط الكهرباء) وقلت لموظف الخدمات بإمكاني الآن أن أدفع 1000 شيكل إضافة لمبلغ إعادة ربط الكهرباء، فقال لي الموظف عليك أن تُسدد المبلغ ومبلغ إعادة الربط هناك بمقر  الشركة في منطقة الإرسال، بنبرة تبدو استعلائية، على غرار أسلوب التعامل مع المواطنين لدى العديد من موظفي الوزارات والمؤسسات الخدماتية، في مشهد يبدو أنه يعكس ثقافة البلد.

قُلت لموظف شركة الكهرباء، أريد أن أُسدد مبلغ الدين هنا في مكتب الخدمات التابع للشركة، والمقصود مبلغ الألف شيكل ومبلغ إعادة الربط ولاحقأ أُسدد باقي المبلغ، كوني لم أكن أعلم حقيقة بحجم الدين، فأجابني لستُ مخولاً "بالتفاوض" مع أحد وهذا الموجود، وأجبته لستُ مفاوضاً، ولا أُحب أن أكون كذلك، ولا أحب كلمة مفاوضات، ولا أدري لماذا استخدمتها، أريد أن أدفع الفواتير ومبلغ إعادة ربط التيار الكهربائي هنا عندك هذا كلُ ما في الأمر، وأنتم مكتب خدمات تابع لشركة كهرباء القدس، وشعار الشركة موجود خلفك، وذهابي لمقر الشركة في منطقة الإرسال مضيعة للوقت، وكأنك بذلك تفرض عليّ عقوبة أخرى هي أجرة التاكسي ذهاباً وإياباً لمقر شركة الكهرباء في الإرسال.
مرَّ وقتٌ طويل، ولم يقتنع موظف خدمات شركة الكهرباء، ولم أقتنع من جانبي لا بالأسلوب ولا بالمضمون الذي تحدث معي به، ووقفت جانباً كي لا أُعطل أحد من المواطنين المراجعين للمكتب، ثم اتصلت على مكتب إدارة الشركة برام الله للحديث مع مدير المكتب، فأحالوني إلى شخص آخر  قالوا إنه مسؤول (كلمة منتشرة في البلد) وشرحت له الوضع، فقال عندنا نظام (كلمة شائعة في البلد) وعليك أن تذهب إلى مقر الشركة الكائن في منطقة الإرسال كي تدفع المبلغ المطلوب منك ومبلغ إعادة ربط التيار الكهربائي، علماً أنه اليوم الأول لانقطاعه، وإعادة الربط تتم "إلكترونياً" والحالة تلك.

بعد أن وصلت المفاوضات (على رأي موظف الخدمات) بيني وبينه إلى طريق مسدود واستغرقت وقتاً اتصلت مجدداً من خلال الخط العام للشركة على مكتب رئيس مجلس إدارة الشركة المهندس هشام العمري (تولى رئاسة مجلس الإدارة في "اجتماع استثنائي" للمجلس في آب 2018 خلفاً للديجاني وعمل في إدارة الشركة منذ عام 2000) فردت علي مديرة مكتبه فيما يبدو، وطلبتُ منها كمواطن الحديث مع رئيس مجلس الإدارة، فطلبت مني أن أطرح عليها المشكلة أولاً لتقرر بالأمر، فأجبتها بأني أريد الحديث مع رئيس مجلس الإدارة، فقالت إن رئيس مجلس الإدارة المهندس هشام العمري في اجتماع (رد مألوف) فقلتُ هل مسموح الحديث معه لأني أود ذلك؟ فأجابت بأن المهندس العمري مُنفتح (رد مألوف) لكنه حالياً باجتماع، وأحالتني فوراً إلى مدير دائرة خدمات المشتركين السيد غسان علوي، هي قررت ذلك من تلقاء ذاتها.

السيد غسان علوي، طلب مني مجدداً أن أوضح طبيعة المشكلة، فأوضحتها له مجدداً، وتلقيت رداً إيجابياً بمعنى أن أدفع الألف شيكل إضافة إلى مبلغ إعادة الربط (الكترونياً) في مكتب الخدمات برام الله (المفروض أنه جزء من حيز الشركة) فقلت للموظف سأصل بخمس دقائق للصراف الآلي التابع للبنك العربي المجاور لمكتب الخدمات وأحضر النقود للدفع، ذهبت وعدت في خمس دقائق وسلمته النقود، لكن الموظف رفض استلام النقود، وقال لي بِقُلك غسان علوي (مسؤول في الشركة فيما يبدو) اتصل به على رقم جواله، وأعطاني رقم جواله، كي أقوم بالاتصال به. اتصلت فعلاً على علوي، بعد مكوثي حوالي ثلاث ساعات في مكتب خدمات شركة كهرباء القدس في رام الله التحتا، ولكن علوي لا يُجيب على هاتفه النقال، اتصلت ثلاث مرات ولم يُجب، قُلت يمكن معذور، وأرسلت لعلوي رسالة على جواله ولكنه لم يُجب.

بعد ذلك عُدت مجدداً بالاتصال على مكتب رئيس مجلس إدارة الشركة، المهندس هشام العُمَري، لإمكانية الحديث معه على أمل أن يكون أنهى اجتماعه،  لكن هذه المرة لم يوصلوني إلى مديرة مكتبه (مسؤولة في الشركة فيما يبدو) وقالوا لي بأنها ليست في مكتبها، غاردت، إحكي السبت، هكذا بكل بساطة، مع أني فهمت منها أن العُمَري مُنفتح على الناس.

وفجأة، صارت الساعة 13:25وما زلتُ في مكتب خدمات الشركة أحاول دفع الدين ومبلغ إعادة الربط، وإذا بالموظف يُنزل الباب الحديد الذي يفصل بينه وبين المراجعين، بكبسة زر، علماً أنني أقف أمامه،  إلى أن قطع باب الحديد صورته عني وصورتي عنه، دون أي استئذان (مشهد لافت) على الأقل من باب أني مكثت أكثر من ثلاث ساعات في المكتب، كان مشهداً جديداً عليّ بصراحة. علماً، أنني أستطيع، على سبيل المثال، دفع الأرنونا والتأمين الوطني للاحتلال الإسرائيلي للمحافظة على تواجدي في القدس، في أي بنك، أو في البريد، دون أي مشكلة، كون الاحتلال بارع في التربُّح من احتلاله.

بعد ذلك طلبوا مني مغادرة المكان (المقصود مكتب الخدمات التابع لبلدية رام الله) بدهم يسكروا صارت الساعة 13:30 فاتصلت للمرة الأخيرة على الشركة فرد علي مسؤول الاتصال إسمه أحمد على ما أعتقد، ودار حوار صاخب بيني وبينه، ثم قال لي سنُعاقب الموظف (ثقافة البلد) فقلت له على الفور، لا يمكن للموظف بعد أن سمع الاتصالات أن يفعل ذلك من تلقاء نفسه، دون أن يقوم أحد المسؤولين الكُثُر في الشركة بشد أزره كي يفعل ما فعل للتخلص من المُراجع.
المشكلة هنا، ليست مشكلة موظف، بقدر ما تعكس خللاً وغياباً للمسؤولية في إدارة الشركة وتعاملها مع المواطنين. إنها في الإطار الأوسع مشكلة إدارة بلد، لا تحترم المواطنين، الذين يُمولون من جيبوبهم الانفاق العام في البلد بكل مسؤوليه.
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، وأصلُ الشيء فرع تصوره، فقد ورد في كلمة المدير العام للشركة المهندس العُمري في التقرير السنوي 2016 المعنون (102 عام من العطاء) على الصفحة العاشرة عرضٌ من المدير العام لأهم أنشطة شركة كهرباء القدس في مجال "المسؤولية الاجتماعية" للشركات والتي تمثلت بالآتي "افتتاح مشروع للطاقة الشمسية في مدرسة دار الطفل بقدرة 17  كيلو واط، زيارة مقر جريدة القدس وتكريم مدير التحرير، تركيب مظلة قرب حاجز الاحتلال العسكري بين بيت لحم والقدس، زيارة وفد من مبرة بيت الرحمة لرئيس مجلس إدارة شركة الكهرباء وتقديم الشكر لمواقف الشركة الإنسانية والداعمة للمبرة، إعفاء المسجد الأقصى من الاستهلاك  لشهر رمضان المبارك، إعفاء بلدية بيت لحم من ثمن استهلاك التيار لإنارة الشوارع لشهر كانون الثاني من كل عام. لا شك أن  "الإنجازات" التي عرضها السيد العمري في مجال المسؤولية الاجتماعية، إنما هي انعكاسٌ  لحال المسؤولية الاجتماعية للشركات الكبرى، تجاه هذا البلد ومواطنيه. 
بالعودة للموضوع مجدداً، فقد استعنت ببطاقة الفيزا، وأحضرت مبلغ الدين كاملاً إضافة لمبلغ ربط التيار الكهربائي، وذهبت إلى مقر الشركة في الإرسال(مشكلة الامتيازات وعقود الإذعان كالكهرباء)  ودفعت المبلغ بعد الساعة السادسة مساءً للموظف المناوب خلف الشباك الزجاجي، والطريف في الأمر أنه أعاد التيار للمنزل فوراً، حتى قبل أن يَعُد النقود، كان في مزاج جيد فيما يبدو، والأهم أن الموضوع طلع "كبسة زر" فقط لإعادة التيار الكهربائي للمنزل، وبالتالي ما الفرق إذا كبس الموظف على هذا الزر "العجيب" وأنا في مكتب خدمات شركة الكهرباء برام الله التحتا أو في مقر شركة الكهرباء بالإرسال؟ وأين ذهب النظام (كلمة شائعة الاستخدام) الذي كان يتحدث عنه المسؤولون في الشركة طوال اليوم؟

والطريف أكثر، أن الموظف المناوب في الإرسال لم يأخذ ثمن " إعادة وصل التيار" الذي كان العقبة الكأداء (النظام) التي أوجبت الدفع بمقر الشركة في الإرسال وليس في مكتب الخدمات برام الله التحتا! يبدو أن الموظف المناوب خلف الشباك الزجاجي في مقر شركة الكهرباء في منطقة الإرسال بات هو النظام الذي كان يتحدث عنه مسؤولو الشركة طيلة الوقت، بعد أن غادروا جميعاً، وبقي هو، ومن حظي أنه لطيف، إنه بالضبط "النظام" الذي تُدار به البلد على حقيقته.

الموظف المناوب خلف الشباك الزجاجي، وأوجه له التحية في مقالي، كونه كان لطيفاً في التعامل معي، حسم الأمر بثوانٍ، حسم أمراً عجزت عنه إدارة شركة كهرباء القدس على مدار اليوم، بدءاً من مديرة مكتب رئيس مجلس إدارة الشركة، ومروراً برئيس مجلس الإدارة المنفتح على حد قول مديرة مكتبه، ومكتب مدير الشركة برام الله، ومدير دائرة خدمات المشتركين الذي عاودني الاتصال في الساعة 22:15  مساءً لكني لم أُجب على الهاتف، ليس تقليلاً من شأن الرجل لا سمح الله، لكن تبادر لذهني مع رنين جرس هاتفه، بعد تلك الساعات الطوال، سؤال: ماذا لو كان عندي طفلٌ في المنزل مريض وتحت أجهزة طبية تحتاج الكهرباء ماذا كان سيحصل؟ هل كان سينتظر "كبسة الزر" التي استغرقت كل تلك الساعات؟
فشل رئيس مجلس إدارة شركة كهرباء القدس ومديرها العام المهندس هشام العُمَري، كما مجلس الإدارة، كما جيش المدراء في الشركة المذكورة، في العديد من الاختبارات أمام المواطنين، يعكس الحال البائس للشركة وامتيازها الذي يعلمه جيداً العمري. لست في مزاج حالياً لسرد تاريخ أداء مجلس إدارة الشركة، وتفاصيل تولي رئيس مجلس الإدارة العمري خلفاً للديجاني منذ الاجتماع الاستثنائي لمجلس الإدارة، وما يتعلق بعقد الامتياز، وأنظمة الشركة، وتقاريرها السنوية ومضامينها، وتحالف السلطة مع المال في علاقتها بالحكومة، وبخاصة الحكومة السابقة، وكيف عملت الحكومة جابياً للشركة على حساب حقوق وكرامة المواطنين وما يتعلق ببراءة الذمة وأبعاده الحقوقية والدستورية، وتقارير اللجان في المجلس التشريعي والهيئة العامة للمجلس بشأن شركة كهرباء القدس وغيرها، سأتحدث عنها لاحقاً بالتفصيل، فوالله، إني أُعاني كثيراً من قِلة الوقت أمام ضغط العمل، بما يحرمني أو يؤخرني عن كتابة الكثير مما يجول في ذهني.

المشكلة، وهنا بيت القصيد، أن الفشل تلو الآخر الذي يُلاحق إدارة الشركة، ممثلة برئيس مجلس إدارتها الحالي المهندس  العمري وحاشيته - مع الاحترام والتقدير للجهود التي يبذلها الكثير من عمال ومهندسو وموظفو الشركة- وبخاصة في جوانب أخلاقية تتعلق بالاحترام الواجب للمواطنين، مصدر كل السلطات، يتناقض تماماً مع مضمون ما ورد في التقارير السنوية - غير المنتظمة-  والكلمات التي تبدو فارغة المعنى والمضمون الواردة على الموقع الإلكتروني لشركة كهرباء القدس، من قبيل كلمة العمري ذاته التي ورد في الفقرة قبل الأخيرة منها الآتي وأقتبس "نعود وتؤكد أن تبسيط أمور المشتركين وتسهيل الأمور عليهم من أهم أولوياتنا، لذلك لن تثنينا أي عقبات في المضي نحو النجاح والتقدم والتطور".

رغم أن بيانات المواطنين، على كمبيوترات شركة كهرباء القدس، تأتي في المرتبة الثانية من حيث قوة وحجم داتا المعلومات، بعد بيانات البنك العربي بطبيعة الحال، فيما تأتي بيانات وزارة الداخلية عن المواطنين بالمرتبة الثالثة، بما يعكس طبيعة البلد وحالها، إلا أن ما يعنيني على الأقل حالياً، ويحزنني بذات الوقت، أن "الأوركسترا" البائسة التي تعاملتُ معها من مسؤولي تلك الشركة في هذا الموقف، هي ذات الأوركسترا التي تعزفها إدارة البلد في مختلف شؤونها من خلال العديد من الخدمات التي تقدمها الوزارات والمؤسسات والهيئات للمواطنين، في مشهد سريالي بكل ما تعنيه الكلمة.