"خوابي" برقين تختزن التراث والبيئة

15/05/2019

وطن للأنباء: تنافست أزياء شعبية لرجال ونساء وزهرات على تشكيل لوحة تراثية، فيما مثّل مُغنون وزجالون مشهد عرس فلسطيني تقليدي، واصطف ممثلو مؤسسات رسمية وأهلية وأمنية توسطهم محافظ جنين اللواء أكرم الرجوب في زفة، تخللتها أهازيج وطنية وتراثية، وأدت زهرات مشهد حناء العروس.

وأعلن الرجوب تدشين النسخة الثانية من مهرجان برقين للثقافة والفنون والتراث (خوابي)، في تظاهرة احتضنتها البلدة التي تُعد من أقدم المناطق المأهولة منذ الألف الثالث قبل الميلاد، وعرفت باسم "بيت فلوى"، وتحتضن كنيسة القديس جرجس الخامس. وهي خامس أقدم موقع مسيحي، ورابع أقدم كنيسة في العالم. وشهدت معجزة السيد المسيح في إشفاء العشرة البرص.
وشيّد منظمو المهرجان متحفًا ضم أدوات زراعية، ومقتنيات بيتية، وأدوات لحرف وصناعات يدوية كانت سائدة في القرن الماضي، تقدمتها الخابية، وهي وعاء صفيح استعمله الأجداد لتخزين القمح والطحين، ومحاريث، وألواح الدراس الخشبية، التي كانت رائجة لفصل الحنطة عن قشها.

سطو
وقال المحافظ الرجوب إن صون التراث مهمة وطنية وإنسانية، في وقت يستهدف الاحتلال الموروث الفلسطيني، ويسطو على كل الأزياء والأطباق التراثية وينسبها إلى نفسه. وأشار إلى أن المهمة القادمة يجب أن تنطلق من المدارس، "لتعزيز ارتباط الأجيال القادمة بتراثها وأرضها بشكل عملي".

وأعلن رئيس بلدية برقين، محمد صبّاح، أن "خوابي" تظاهرة ثقافية بامتياز، ستتواصل، وتوجت هذا العام بالبدء بنواة متحف تراثي مركزي بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار. وبيّن أن المهرجان تعبير عن إرادة التمسك بالحياة والأمل والحرية، وقطع الطريق على محاولات طمس هويتنا، التي تُعبّر عنها أزهارنا ومحاريث أجدادنا، ومطرزات جداتنا.
فيما قال عريف المهرجان، د. عمر عتيق إن "خوابي" رسالة تراثية ووطنية، وهي مداخلة تطيح برواية الاحتلال، التي تنسفها جذور الزيتون وحجارة بيوتنا.

سنّدان
وأوضح ممثل مجموعة "حكي القرايا" التراثية، عبد الكريم شلاميش أن "خوابي" ممارسة عملية لحب الأرض، والعودة إليها، وإعادة التعريف بكنوز الأجداد.

فيما انهمك عضو اللجنة التحضيرية وأستاذ الفنون، بلال صبح، في تدريب متطوعات على استخدامات الأدوات العتيقة.
وأفاد صبح بأن جولة واحدة في هذا المتحف تساوي كتابًا، فيكفي أننا عرفنا الجيل الصاعد بالخابية، ولوح الدراس، والمحراث الخشبي، والخابور، والسّندان، ومئات الأدوات التي صارت مهملة ومجهولة.

حياة
وقدمت وزارة الإعلام طيفًا من ألوان برقين في معرض صور، باح بتاريخها المُعطر، وسرد سيرة حاضرها الثري.
وقال ممثل الوزارة ومسؤول الإعلام للمهرجان، عبد الباسط خلف، إن معرض "الصورة حياة" عرّف بالأرض المُكحلة بالأزهار، والجبال المُكللة بالزيتون، ولاحق الغيوم، وتتبع الطيور، ووثق المهن العتيقة.

وأضاف: غنّت 50 صورة على ليلها، واستحضرت ما تيسر من بعض الوجوه لراحلين، أو الذين ما زالت أفئدتهم تعزف على أوتار الحنين لبرقين: الجبل، والمقام، والوادي، والسهول التي تحكم على البلدة، المتصلة بمعجزة السيد المسيح، بجمال لا شيخوخة له.
وشكل شبان وفتيات من فرقة "الراية" للفن الشعبي لوحات وطنية، غنت لفلسطين والأسرى والقدس، والأرض.
وذكر مدير الفرقة إياد العطاري أن "الراية"  التي انطلقت  قبل سبع سنوات، وشاركت في عروض عالمية، تستعد لتدشين عمل فني يجمع الإرث الغنائي لجداتنا وأجدادنا، وستقدمه في عمل متكامل.

وبنى منظمو "خوابي" سوقًا تراثيًا قدم أطباقًا شعبية كالزلابية، والمفتول، ومستحضرات تجميل من الأعشاب، وحلي، ومطرزات.

أزمة
وقالت رئيسة الجمعية النسائية التراثية، هيام عبد العفو أبو زهرة، إن الأجيال الجديدة للأسف قطعت الكثير من الصلات مع الماضي، ولم تعد تهتم بالتراث، واليوم نحاول التعريف ببعض جوانبه.

وتابعت: للأسف الزلابية جزء من أطباقنا، لكن بنات اليوم لا يعرفنها، ونجد صعوبة في توفير سيدات يتقن تحضيرها.
وعرض ممثل اتحاد لجان العمل الزراعي، محمد صوافطة، بذورًا بلدية، وقال إن مهمة بنك البذور" الحفاظ على الإرث الزراعي الفلسطيني، وإعادة تعريف الأجيال الجديدة بأمهات البذور التقليدية".
وتابع: البذور البلدية ابنة البيئة، وتستطيع التأقلم مع المناخ وتقلباته، وتصمد وسط العطش، لكن المشكلة أن الاهتمام بها ليس كما يجب.

ووقفت الناشطة في جمعية ترمسعيا، منى عبد القادر، خلف طاولة ضمت عشرات الأصناف التراثية، كقربة خض اللبن، والسمنة البلدية، والتين المجفف، والألبان، واللوف، وورق العنب، لكنها شكت قلة المتسوقين. وقالت "البعض لا يُقدر قيمة الأشياء جيدًا، ونجري وراء التغليف والتعليب الأنيق فقط."

وعددت عبد القادر مراحل إنتاج التين المجفف، الذي تنشره فوق غطاء من القماش على الأرض في عز الصيف، ثم تجمعه في قلائد بعد تجفيفه، وترصعه، دون إضافات كيماوية، وتحتفظ به مُعلقًا.

وراحت تمام وفاطمة نعيم، تديران رحى طاحونة قديمة، وتجرشان العدس والقمح، وتًعرفان الزائرين الشباب على عادة لا زالت بلدة المغير بمحافظة رام الله تحرص عليها.

وقالتا: "للأسف بنات اليوم ابتعدن عن تراث الجدات، في الماضي كنا لا نحتاج لشيء من السوق، ونصنع كل ما نحتاجه بأيدينا، لكننا اليوم تخلينا عن هذا".

وأضافتنا: في المغير، شمال شرق رام الله، تحافظ كبيرات السن على إنتاج خبر الطابون في البيوت، ويوفرن معظم احتياجات المنزل بأيديهم، ويخزن القمح والعدس، ويصنع القطين والزبيب.

واشتكت نساء عرضن الصابون البلدي، ومستحضرات أعشاب طبيعية، قلة الزبائن، فيما أكدت مديرة مصنع "حاكورتنا" الغذائي في بلدة عرابة، جنوب غرب جنين، لطيفة مراعبة، أن التحدي الأصعب للمشاريع النسوية ضعف التسويق، ومنافسة السلع المستوردة، وحصر الاهتمام فقط بالأسعار الرخيصة، على حساب الجودة، وعدم الاهتمام بغياب المواد الحافظة.

100عام
وشارك نحو 800 من ناشطي "حكي القرايا"، الإطار الذي يضم أكثر من 90 ألف عضو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في فعاليات تراثية، ومقطوعات زجلية، ودبكات شعبية، وعروض أزياء فلسطينية، وزوايا تراثية، وتجولوا في سوق للمنتجات الشعبية، وزاوية الوسائل التعليمية، والمتحف.

وقدم عوني ظاهر، المهتم بالتراث والذي جمع مقتنيات فلسطين خلال مئة عام، عرضًا لوثائق تربوية قديمة، منها شهادة إبان الحقبة العثمانية تظهر المواد الدراسية منها الزراعة، والصحة، والجغرافيا، وتتذيل بعشرات التواقيع والأختام.
وانهمك ظاهر في التعريف بالتطورات التي حصلت على وسائط التسجيلات، وأولها الأسطوانة، ثم المسجلات ذات البكرات، فأشرطة التسجيل، ولاحقًا الحواسيب، والأجهزة الذكية.

وقال: لديّ آلاف القطع التي تلخص حياة فلسطين في 100 عام، واليوم تحدثت عن البيئة، والتعليم، والمفاتيح، والألعاب الشعبية، وأشرطة التسجيل، والقرآن الكريم، وغيرها.

وشهدت (الخوخة) القصر التاريخي لعائلة جرار وسط البلدة، كلمات قال فيها مستشار الرئيس لشؤون الشباب مأمون سويدان إن "حكي القرايا" تمثل اليوم كل ألوان فلسطين، وتصر على الدفاع عن الهوية، وتثبت أن الحفاظ على التراث مهمة جماعية. ودعا إلى مأسسة عمل المجموعة، لتكون اتحادًا وطنيًا في الداخل والخارج للحفاظ على التراث.

قرايا
وأشار أحد مؤسسي "حكي القرايا"، فريد طعم الله، إلى أن المجموعة استطاعت نقل التفاعل من العالم الافتراضي إلى الواقع، وهي اليوم تجتمع في برقين من كل المحافظات احتفالا بالتراث، وتمسكًا به. وأوضح أن المهرجان القادم سينفذ في دير استيا بأيلول القادم.

وأوضحت ممثلة "حكي القرايا" في جنين، سلام أبو بكر، أن حراك اليوم يمنح المجموعة التصميم والإرادة لبذل المزيد من الجهود. وقدمت فرقة الزيتونة دبكات شعبية، وأغاني السامر الفلسطيني، المرتبط بالأعراس. فيما صدح الشاعر الشعبي أبو الناجي مواويل تراثية غنت لفلسطين والتراث.

وتحدث نبيل علقم عن التراث ومكاناته، مستعرضًا تجربة تنظيم أول مهرجان للزجل في البيرة عام 1975، وهو الذي منعه الاحتلال وأطلق النار على المتواجدين فيه، ومشيرًا إلى دور جمعية إنعاش الأسرة في إصدار مجلة مختصة بالتراث، وإنتاج 16 كتابًا.
وقدّم الحكواتي حمزة العقرباوي حكايات فلسطينية شعبية تناولت الأرض ورمزيتها، تبعته فرقة البيدر بلوحات غنائية ودبكات تراثية افتتحها بالقدس. وتناوبت فتيات على عرض الثوب الفلسطيني من مجموعة جواد معالي وامتياز أبو عواد، شملت بئر السبع، والخليل، وغزة، والقدس، والخليل، وجنين، وبيسان، ورام الله، وصفد.
وقالت أبو عواد إن نقوش الأثواب في معظمها مستوحاة من البيئة كسنابل القمح، وأوراق العنب، كما تناسبت في تصميمها مع طبيعة المهن كالزراعة والاعتناء بالأغنام.

وباح الشاعر الشعبي نبيل سمارة بقصائد لفلسطين ولبرقين، دشنها بقصيدة "شاعر للبيع". تبعته حكايات شعبية ومسابقات للتربوي عمر عبد الرحمن، قدمت جوائزها مؤسسة الدفاع عن المسجد الأقصى والمقدسات.

بذور

وعرض مسؤول الإعلام لمهرجان "خوابي" عبد الباسط خلف، نبذة عن أهمية البذور البلدية في الزراعة العضوية، ودورها في الأمن الغذائي، ومكانتها التي حرص الأجداد على صونها، وما تتعرض له اليوم من خطر الانقراض. وعدّد بعض الأصناف التقليدية التي تراجعت، ومنها البطيخ الجدوعي المرتبط بإحدى عائلات برقين، والخيار الأبيض، والذرة البيضاء.
وانتقل المشاركون من قلب البلدة إلى جبل الشيخ سبع، في مسار بيئي، واستمعوا إلى شرح عن برقين، واستضافتها لجنود الجيش العراقي عام 1948، وشاهدوا التجمعات المحيطة بالبلدة، وسهلي مرج ابن عامر وعرابة، وتناولوا أطباقًا وحلويات ومشروبات شعبية، واستمعوا إلى محاضرة حول ما يتعرض له مرج ابن عامر من زحف عمراني، ومناطق صناعية، والتحولات التي عصفت بنهر المقطع، تبعتها مقطوعات زجلية غنت للأسرى ولفلسطين.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية