الدول العربية تتوّج نتنياهو ملكاً للشرق الأوسط في قمة وارسو

18/02/2019

كتب كامل حواش- ترجمة خاصة وطن للأنباء - الاء راضي: تغيرت الصفائح التكتونية أي المواقف الأصلية للشرق الأوسط في قمة وارسو ويمكن الإحساس بالهزات الارتدادية الناتجة عن تغير هذه المواقف لعقود قادمة.

استدعت الإدارة الأمريكية ممثلين عن 60 ولاية إلى العاصمة البولندية لحضور قمة وارسو والتي عقدت "لتعزيز مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط". ومع ذلك، فإن جدول أعمال القمة لم يناقش هذا العنوان فقد كان الأمر يتعلق أكثر برفع المخاطر ضد إيران والحديث عن الحرب. كما أنها كانت محاولة مخزية من قبل الأمريكيين لتركيز الحديث عن تطوير علاقة  الدول العربية مع إسرائيل لتكون مكشوفة للعيان. لقد أقنعوا العواصم العربية بطريقة ما بأن عدو عدوي هو صديقي، وبعبارة أخرى أن إيران هي عدوتك الآن وليس "إسرائيل".

وقد أوضح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ذلك في تصريحاته قائلاً "لا يمكنك تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط دون مواجهة إيران". وقال للصحفيين بعد انتهاء الجلسات إنه "لا جدال في أن العدوان الإيراني جمع الدول العربية وإسرائيل معاً".

كان الأميركيون يبذلون قصارى جهدهم لخلق فرص للالتقاط صور التطبيع بوجود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بين العرب الذين يكرهونه. يعتبر نتنياهو عرب إسرائيل كطابور خامس، ويحذر الإسرائيليين اليهود في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة بأن العرب "يصوتون بجماعات كبيرة". وعند تمرير قانون دولة القومية العنصري، أعطت إسرائيل اليهود الحق في تقرير المصير ولكن ليس للعرب الفلسطينيين.

أجبر وزير الخارجية اليمني "خالد اليماني" للجلوس بجانب نتنياهو. فاليمن، التي دمرتها حرب لم تكن من اختيارها، بالكاد في وضع يسمح بالقول لا للأميركيين أو للسعوديين. كان السعوديون في الغرفة على الرغم من الأخبار التي ظهرت أن الملك سلمان قد استعاد ملف فلسطين من ابنه ولي العهد، محمد بن سلمان، الذي كان غائباً بشكل ملحوظ عن اجتماع سلمان الأخير مع الرئيس محمود عباس.

الدول العربية الأخرى التي تواجدت في نفس الغرفة مع نتنياهو هي مصر والأردن والمغرب والإمارات العربية المتحدة والبحرين وعمان والكويت.

من الأمور التي تفشل الدول العربية في فهمها هو أن نتنياهو يراهم دائماً أقل شأناً من اليهود. وسيستخدم لغته الصهيونية بسبب قوتهم المالية وأعمالهم التجارية  التي يدعمها ترامب. وإذا لم يكن الأمر كذلك لم نكن لنشاهده في نفس الغرفة.

لم يكن لدى الإخوة العرب الفلسطينيين أي اعتراض على المشاركة في القمة مع معذبيهم حتى بعد معرفة أن القيادة الفلسطينية ترفض المشاركة. وقالت حنان عشراوي وهي سياسية فلسطينية بارزة قبل عقد قمة وارسو: إن دعوة عدد من الدول العربية وإسرائيل للمشاركة في هذا المؤتمر يأتي في سياق تطبيع العلاقات الإسرائيلية - العربية، والعمل بشكل فعلي على تصفية القضية الفلسطينية عبر طرح ما يسمى بـ "الصفقة الكبرى" واستكمال قرارات وخطوات الإدارة الأمريكية الأحادية وغير المسؤولة تجاه الحقوق الفلسطينية المشروعة".

الواقع هو أن الدول العربية همشت الفلسطينيين. ففي شريط فيديو مسرب  قال وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد اَل الخليفة لزملائه "لقد تطرقنا في الحديث للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي باعتباره القضية الأكثر أهمية، لكن في مرحلة لاحقة رأينا تحديا أكبر وهو في الواقع الأكثر سوءاً في تاريخنا الحديث ومصدره الجمهورية الإسلامية".

وأضاف "إذا كان الحديث عن أموال وبنادق وجنود المسلمين في الجمهورية الإسلامية، سنكون أكثر قرباً لإيجاد حل لهذه المسألة مع إسرائيل". كان يجب أن تكون هذه الكلمات كالموسيقى تصدع في أذان نتنياهو، بل كان عليه أن يقرص نفسه ليصدق أن مواقف العرب هذه هي حقيقة وليست حلم.

وفي الوقت نفسه، كان يجلس الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مكتبه في واشنطن وكان يتمنى لو كان الممثلون العرب أنفسهم في الكونغرس الأميركي. سيكون من الأسهل بكثير أن يعطى المال الذي يريده من أجل جداره مع المكسيك أكثر من الكونغرس المتخب الحالي. بعد كل شيء، فهو يرى أن مبلغ خمسة مليارات دولار الذي يريده هو مبلغ بسيط  بالنسبة لأي دولة من دول الخليج.

ربما يكون نتنياهو أكثر حظاً من بين الزعماء في وارسو حيث توجته الدول العربية كملكاً للشرق الأوسط، ولا اعتقد أن يمر وقت طويل قبل أن يرفرف العلم الإسرائيلي فوق العواصم العربية، في حين أن الأنظمة المزيفة تعيش تحت الوهم بأن نتنياهو سيرسل طائرات إسرائيلية لحماية عروشها من ضربات إيران وهو بالأمر غير المحتمل.

كانت "صفقة القرن" للرئيس الأمريكي واضحة بسبب غيابه عن قمة وارسو. هذا عدا عن التأكيد من المبعوث الأمريكي الخاص جاريد كوشنر على أن "خطة السلام" للرئيس الأمريكي دونالد ترامب "لن تستند إلى تفاهم دولي سابق مثل المبادرة السعودية لعام 2002، التي طالما وصفها المجتمع الدولي والفلسطينيون بأنها الأساس في حل الدولتين.

وقد قال كوشنر خلف الأبواب المغلقة في قمة وارسو بعدما  تم تسريب كلماته إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية "أعتقد أن مبادرة عام 2002 كانت عظيمة لكنها لم تسفر عن السلام، لذلك إذا كان هذا هو الإطار الذي سيتم إنجاز شيء ما من خلاله فلا بد أنه حقق شيئاً منذ  فترة طويلة، ولم أكن لأقوم بالواجب الذي أقوم به الآن وهو محاولة التقريب بين الناس ".

وهذا يطرح سؤال حول موقف العرب، ماذا  حدث لمبادرة السلام العربية؟ الصفقة التي تبلغ الآن 17 عاماً استناداً إلى إعادة الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة بالكامل تم إسقاطها بهدوء. وبدلاً من ذلك، فإن عملية توطين العلاقات مع إسرائيل تحدث على قدم وساق، بينما تواصل إسرائيل احتلال الأراضي الفلسطينية واللبنانية والسورية دون مواجهة أي ضغط للانسحاب، كما أنها تتجه نحو ضم الضفة الغربية والتماس الاعتراف الأمريكي "بسيادتها" على مرتفعات الجولان السورية.

ومع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية على بعد أسابيع فقط، على  نتنياهو أن يجلس في مقعده على متن الطائرة مرتاحاً ويشعر وكأنه ملك، وأن يؤمن بأن التقاط الصور مع الوزراء العرب سيساعده في دعم حملته الانتخابية، لكن وفي نفس الوقت عليه أن ينظر إلى الأسفل من نافذة طائرته ليشاهد أرضاً يشكل فيها الفلسطينيون العرب أغلبية سكان فلسطين التاريخية.

وبينما يسيطر نتنياهو على كل جانب من جوانب حياة الفلسطينيين وحرمانهم من حقوقهم الطبيعية، فإن ذلك لن يجلب السلام إلى أقلية اليهود الإسرائيليين، فالطريق إلى السلام ليس من خلال التطبيع مع العرب بل إنه من خلال قبول وجود الفلسطينيين في وطنهم التاريخي، ومعاملتهم على قدم المساواة والترحيب باللاجئين بأذرع مفتوحة، الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم والعيش في سلام.

المصدر: TRT World