حول الانتخابات والخروج من المأزق الفلسطيني

05/01/2019

كتب: عقل أبو قرع

مع الاعلان عن حل المجلس التشريعي الفلسطيني، واحتمال الدعوه الى اجراء الانتخابات التشريعيه خلال الاشهر القليلة القادمة، اصبح السؤال المطروح وبجديه، هل هذا المسار من الممكن أن يؤدي الى النتائج المرجوة، الا وهي الخروج من المأزق الفلسطيني الداخلي، اي الخروج من الانقسام وما ترتب وما زال يترتب عليه من تعقيدات ومن انتكاسات في كثير من نواحي الحياة الفلسطينية، وهل التوجه الى صناديق الاقتراع، اي الى الانتخابات، سواء كانت انتخابات تشريعية او رئاسية او غير ذلك، والتي من المفترض ان تعكس ارادة وخيارات الناس ان تمت بشكل نزيه وشفاف، هل تؤدي الى الانتهاء أو تشكل بداية الانتهاء من وضع سئم منه الجميع ومن كافة نواحي الحياة.
  
وبالطبع فإن هذه الدعوة الى الانتخابات تشمل الانتخابات في الضفة وغزة، على الاقل على الصعيد النظري، وحسب التصريحات فإن الهدف من التوجه للانتخابات،  هو تحريك الوضع او المأزق الفلسطيني الداخلي، اي مأزق الانقسام والتشرذم وتبعاته وآثاره السلبية الكثيرة، ورغم الترحيب المبدئي من قبل بعض الاطراف الفلسطينية بالدعوة للتوجه الى الناس من خلال الانتخابات، الا ان الامور لم تتجاوز الكلام او التصريحات حتى الآن، ولم تتقدم ولو خطوة عملية في هذا الصدد، وبقى الترحيب يراوح مكانه، في ظل اتهامات متبادلة، وشروط وتخبط ومراوحة ومناورات وتهديدات تتفاوت حدتها. 

وفي ظل ذلك، فإن هذا التخبط ومراوحة المكان، يوحي بعدم الجدية او عدم الاستعداد، او حتى عدم وجود التفكير الجدي في اجراء الانتخابات، على الاقل بشكل شامل، لكي تشمل كافة المناطق الفلسطينية، وحتى لو افترضنا انه قد جرت الانتخابات في الوقت الحالي وفي منطقة ما، فالسؤال المهم، هو هل من الممكن ان تؤدي هذه الانتخابات الى تجاوز مرحلة قاتمة، او الى حلحلة الجمود الحالي في الوضع الفلسطيني، وهل من الممكن وفي ظل الظروف الحالية، ان تؤدي الانتخابات الى البدء العملي لحل المأزق الفلسطيني الداخلي، او ان ما سوف يحدث هو العكس، اي هل من الممكن ان تؤدي نتائج الانتخابات، وليس الانتخابات نفسها، الى تعقيد الوضع الفلسطيني، والى تعميق الانقسام، والى افراز سلبيات وتعقيدات وتشرذم اكثر مما هو في الوقت الحالي، والى الوصول الى أوضاع أسوأ من الاوضاع الحالية. 

ومن المعروف، وعلى صعيد العالم،  ان الناس او السياسيين اوالمشرعين يلجأون الى الانتخابات، وبغض النظر عن نوع هذه الانتخابات، من اجل اخذ رأي او حكم الناس، في مواقف وفي اوضاع وفي اشخاص حاليين وفي امور حالية ومستقبلية، تخص الناس والمجتمع والبلد، وبالتالي فإن المهم، ليس هو الانتخابات بحد ذاتها، وانما نزاهة وشفافية وتغطية او مصداقية عملية الانتخابات، وكذلك نتائج او تطبيق نتائج هذه الانتخابات، اي طبيعة اختيار الناس، والاهم كذلك هو احترام نتائج الانتخابات من قبل كافة الاطراف الحالية على الساحة، او من قبل القوى المتواجدة والفاعلة والمؤثرة في الوضع الفلسطيني، وبالتالي التوقع بأن يتم تطبيق اختيار الناس، من خلال صناديق الاقتراع، على الارض، سواء من خلال اختيار الاشخاص او السياسات،  او من خلال نتائج الاستفتاءات، التي في العادة ترافق الانتخابات، وبالتالي فإن السؤال الاهم، هو هل الارضية والشروط والقناعة متوفرة، وعند كافة الاطراف الفلسطينية، من اجل توفير الاجواء الديمقراطية، ومن اجل اجراء انتخابات نزيهة، ومن اجل احترام نتائج انتخابات، وبغض النظر عن هذه النتائج، او مهما افرزت هذه الانتخابات، سواء كان هذا الافراز في الضفة او في غزة.

وفي ظل الحديث عن كل ذلك، فإن علينا التذكر، ان الواقع الذي له علاقة مباشرة بالانتخابات، والذي ما زال ينخر في جسد المجتمع الفلسطيني وبكافة اجياله، وبعيدا عن الخلفيات السياسية والحزبية والفكرية، هو الانتماءات العائلية او العشائرية، ورغم الوعي، ورغم النسبة الكبيرة من الاجيال الشابة، ورغم النسبة المتصاعدة من مشاركة النساء في نشاطات عديدة في المجتمع الفلسطيني ومن ضمنها الانتخابات، ورغم النسبة الكبيرة، التي يحويها المجتمع الفلسطيني من خريجي الجامعات ومعاهد وكليات التعليم العالي، الا ان الانتماء العائلي كان وما زال وربما سوف يكون واضحا او حتر مؤثرا، في الانتخابات المستقبلية، وهذا الاقحام للعنصر العائلي وبعيدا عن الكفاءة، يمكن الا يؤدي الى النتائج التي يطمح لها المواطن الفلسطيني، وبالاخص في افراز نتائج، تؤدي في المحصلة الى حلحلة المأزق الفلسطيني الداخلي، او نتائج تؤدي الى الخروج من مأساة الانقسام الذي بدأ يترسخ وكأنه أمر طبيعي.  

وبالاضافة الى توفر الاجواء المحلية، ووجود القناعة الداخلية، بأهمية اجراء الانتخابات، وبضرورة احترام نتائجها، من اجل الخروج او من اجل حلحلة المأزق الفلسطيني الحالي، فالسؤال المهم كذلك، هو هل الاجواء او الظروف او مصالح الاطراف الكثيرة،  او اللاعبين المتعددين، سواء في المنطقة من حولنا، او في العالم، اي هل هذه الاطراف تريد اجراء انتخابات في الوقت الحالي، وبالتالي التخلص من الانقسام الفلسطيني، ام انها تحبذ المحافظة على الجمود الحالي، وعلى الانقسام والتشرذم، من اجل استخدامه في اوراق سياسية، ولخدمة المصالح، او لاضعاف هذا الطرف او ذاك.

والمتتبع وبشكل سريع للمواقف، وللافعال، يرى ان هذه الاطراف، ذات المصالح المتفاوتة في الوضع الفلسطينيى الحالي، انها وببساطة لا تريد تحريك او حلحلة الوضع، او انها تريد القيام بخطوات،  بشكل تعيد اللحمة الفلسطينية الحقيقية، وتنهي الانقسام، وهذه الاطراف كثيرة، وغاياتها متعددة، وحتى لو افترضنا ان هناك اطرافا تريد وبشكل جدي انهاء الانقسام، فإنها ربما تكون غير قادرة، وبالاخص في ظل التأثير القوي للاطراف المحيطة بالمناطق الفلسطينية، او تأثير الاطراف الداعمة اقتصاديا او ماليا لهذه الطرف الفلسطيني، او لذلك، ونحن نعرف ان هذه الاطراف قادرة على اصدار وتنفيذ التهديات، سواء بالحصار السياسي او الاقتصادي او حتى اللوجيستي  على الارض، هذا اذا ابدت الاطراف الفلسطينية الرغبة الجدية، بانهاء او لحل المأزق الفلسطيني الداخلي، ومن خلال الانتخابات.

وفي ظل حل المجلس التشريعي، وبالتالي احتمال الدعوة الى اجراء الانتخابات للخروج من المأزق الحالي، سواء كانت هذه الدعوات تأتي من هذا الطرف أو من ذاك، وفي ظل هاجس الانتخابات الاسرائيلية القادمة، والتي تهدف الى ابقاء الوضع الحالي جامدا،  وفي ظل خضم الواقع العربي والاقليمي الحالي،  اي واقع عدم الرغبة الاقليمية في التحريك،  او حتى عدم وجود رغبة قوى دولية في انهاء او حلحلة الانقسام الفلسطيني، ومن ثم عدم القوه الحقيقية الفلسطينية، سواء بالوقوف في مواجهة ضغوطات القوى المؤثرة، وبالتالي خسارة الامتيازات التي تحصل عليها في ظل الاوضاع الحالية، او الخوف من نتائج انتخابات غير مضمونة،  يبقى موضوع التوجه نحو الانتخابات، يدور في فلك المناورات او التصريحات التي تهدف الى القاء اللوم على هذا الطرف او ذلك، ويبقى المواطن الفلسطيني يأمل وينتظر بأن يتم اعطائه حق الاختيار، من خلال انتخابات نزيهة شفافة شاملة، التي وحتى لو تمت، وفي ظل الظروف الحالية المعقدة، فإن نتائجها او بالادق الخطورة من عدم احترام نتائجها، وبغض النظر عن الطرف الذي سوف يقوم بذلك، ربما سوف يؤدي بالوضع الفلسطيني الى التدهور اكثر، والى التعقيد اكثر، والى التشرذم اكثر بشكل مـأساوي اكثر من الاوضاع الحالية، التي أصبح الناس يعتادون عليها ويتعايشون معها.