نادية حرحش تكتب لوطن: موقعة رئيس الشرطة والبنشر بين البطولة والخذلان

19/11/2018

جرى ما جرى من تداول صور رئيس شرطة الخليل بينما كان يغير عجل الجيب العسكري الإسرائيلي من تصليح للبنشر.

لم يعد هناك حاجة لإضافة الكثير على الموضوع، ويكفي القول ان الغضب والاستياء الذي ظهر من قبل الرأي العام يؤكد على استياء الشارع الفلسطيني من التنسيق الأمني كأثر مباشر لاتفاقية أوسلو، وبالتالي يبدو ان التنسيق الأمني هو ما تبقى فعالا من أوسلو، وعليه، فان غضب الشارع وتعبيره ما بين استهزاء ومساءلة يأتي كذلك وسط حالة من الإحباط الشعبي على الحال المعاش. ولم يكن حظ رئيس الشرطة في هذا المشهد في أحسن احواله، وخصوصا وان الشعب كان يحتفل في قرارة نفسه بإنجاز غزة، ولم يكن الا من الطبيعي وضع الموقفين في مقارنة.

المشكلة، والمصيبة كالعادة، هو في محاولة التبريرات، والافاضة فيها، او العقاب الاعمى، في الاستبداد فيه.

بين المطالبة بعقاب رئيس الشرطة وبين الإعلان عن توقيفه ، فان الامن الفلسطيني من حراسه الى الويته يعتمد في تدريباته على التنسيق مع الاحتلال. فأين الجرم القانوني في هذه الحالة؟

وبين الدفاع المستميت عن الرجل وكأن ما حصل منه كان خدمة وطنية بامتياز، تمادى المدافعون لدرجة صاروا يتلهفون على ابراز محاسن الاحتلال.

الغاضبون بلا شك على حق، والمدافعون عن السلطة الفلسطينية كذلك على حق، إذا ما أرادوا التبرير لمنظومة وجودهم ، ولكن، ما لم افهمه، وبكل جدية، هو تداول صور لجيش الاحتلال بينما كان أحد الجنود يساعد سائق تاكسي وأخرى لتصليح دراجة هوائية. ما الذي أراد هؤلاء تبريره او توضيحه او اقناعنا به؟

هل أنسنه المحتل بصفة الجندي يعني أنسنه الاحتلال وبالتالي العمل معه وكأنه فعل طبيعي؟

الفرق بين صورة رئيس الشرطة وتلك، هي ان رئيس الشرطة لم يشرع مسدسه ولا بندقيته على مواطني الاحتلال من مستوطنات تنخر الخليل على سبيل المثال لا الحصر، بينما الجندي في أي من تلك الصور، من المحتمل جدا ان يديه تلطختا بدماء فلسطيني، وان لم يفعل هو فلقد شهد سفك الدماء وبالتالي فهو دائما جزء منها.

جندي الاحتلال ذلك، هو نفسه الذي يقف على المعابر والحواجز، وهو نفسه الذي يردع المواطنين، هو نفسه الذي يقتحم البيوت ويجرد أهلها من ملابسهم وكرامتهم ويعتقل الأبناء والازواج والاخوان.

ورغم محاولة التبرير لمدير الشرطة، كما ورد من بيان لمحافظة الخليل، لكن ذلك التبرير لا يمنع ان ما جرى كان مخزيا ومؤلما. ولو كان سيناريو المحافظة من تبرير صحيح، كان من الاجدى ان يتبرع مواطن عادي بالمساعدة، وليس عقيد بزي رسمي.

ما جرى ويجري من تبريرات، لا يختلف كثيرا عن تبريرات السعودية في جريمة الخاشقجي. فبعد الجريمة نفسها وتوثيقها لا تنفع التبريرات.

كان من الاجدر ان يعتذر رئيس الشرطة والمحافظة عن الموقف ويطلب هو نفسه مساءلته.

ولكن ما جرى خرج عن نطاق الطبيعي، بين تخوينات وتهديدات ومقارنات ومفارقات.

فالموضوع هنا يمس الشخص الاعتباري لا الشخص بذاته. والشخص الاعتباري يتوجب ان يقدم للمساءلة ويتوجب عليه التبرير.

ولكن مرة أخرى فان ما جرى خرج من نطاق المألوف في غياب سلطة القانون في بلد كان المذنب والضحية فيها هو رئيس الشرطة، فلقد أذنب في فعلته، وكان الضحية في الحكم عليه، فتحول الموضوع الى عائلته وعشيرته وصار الخوف على حياته وحياة عائلته حقيقة، فكيف لا، والعشائرية هي ما يحكمنا؟

ولا زلت في مكان أتساءل فيه، ان كانت عملية "الاستهبال" التي ينهجها اهل السلطة في كافة مواقعهم من محاولات تغيير الصورة امام الرأي العام مؤثرة بالفعل ويصدقها الناس. ام ان الجمهور بالأغلب واعي لان كل هذه الأمور لا تمر من تشويه وتغيير لأي صورة حقيقية.

نعم لقد مللنا من حالة الهوان والخنوع، ولكننا نفهمها، فأوسلو صار معروفا بنتائجه الكارثية التي نعيشها. فلم نعد بحاجة لأي تبرير ولا تعريف حتى للأمور.

محاولات التنظيف والتلميع، التوسيخ او التشويه لا تنفع امام هول الحقيقة التي نعيشها.

قصة او فضيحة كل يوم...احيانا كل ساعة.... تلهينا بالمحصلة عن الامر الأهم.... هو اننا كلنا في مركب غريق يقوده قراصنة الاحتلال، عدونا الحقيقي هو الاحتلال.