احرز الهدف وخُلدت المنظمة وانتصر نشطاء السياسة- بقلم: يوسي بيلين/ إسرائيل اليوم

12/08/2011

كان المؤتمر الصهيوني الثالث والعشرون أول مؤتمر عقد في اسرائيل. وقد عقد قبل ستين سنة في 14 آب 1951. كان لقاءا تاريخيا. فبعد عشرات المؤتمرات، وخمس هجرات، وكارثة يهود اوروبا، وقرار التقسيم في الامم المتحدة، وحرب الاستقلال، أحرزت الحركة الصهيونية هدفها وأنشئت دولة اليهود. كان يمكن الحركة الصهيونية في ظاهر الامر أن تعلن نصرها وأن هذا آخر مؤتمر صهيوني. وكان غير قليلين اعتقدوا أن هذا أصح شيء يُفعل.

كانت هناك خطب فصيحة مؤثرة للرئيس الثاني اسحق بن تسفي، ورئيس الحكومة دافيد بن غوريون اللذين أملا استمرار الهجرة العظيمة للسنين الثلاث الاولى للدولة، لكن كان واضحا أن المنظمة نفسها ستستمر في العمل وتجد لنفسها أهدافا جديدة.

وهذا ما كان. فبرغم ان الحركة الصهيونية كان يفترض ان تنشيء الدولة، وأنشئت مع نشوء الدولة كل المؤسسات السيادية التي كان يفترض ان تلبي حاجات سكانها الآن وفيما بعد، لم يوافق نشطاء الحركة الصهيونية على التخلي عن مناصبهم.

حل محل "خطة بازل" التي قُررت مع نهاية المؤتمر الصهيوني الاول في 1897 "خطة القدس"، وأساسها مساعدة الدولة التي أنشئت بدل المساعدة على انشائها. ما كان أحد لينشيء الهستدروت الصهيونية في 1951، ولو أن هرتسل طال عمره ورأى انشاء الدولة لاقترح قبل الجميع اغلاق المنظمة، لكنه لم يكن هناك، وقرر قادة تلك الايام عدم مجابهة نشطاء المنظمة وأحدثوا بكاءً لأجيال.

آمن بن غوريون الذي كان رئيس الهستدروت الصهيونية سنين كثيرة، آمن بالصهيونية العملية فقط. وقد رأى من وجهة نظره أن من يتحدث عن الصهيونية ولا يهاجر الى هذه البلاد فهو غير صهيوني. ولم يكن معنى حقيقي في رأيه للهستدروت الصهيونية. لكن الاحزاب خاصة تمتعت بوجوده. فقد كان مكانا يمكن أن يرسل اليه ساسة متقاعدون، ورعاية ساسة في بداية طريقهم، ومساعدة مشروعات وتنظيمات قريبة من قلوبهم وأن يحظوا بميزانيات. وعلى مر الزمن تضاءلت هذه الميزانية وبلغت ملايين معدودة من الدولارات، لكن الاحزاب تعاني فقرا مزمنا وكل مساعدة مالية لها هي كنز حقيقي.

نشأت منظمة من لا يهاجرون، لكنهم يرون الهجرة أمرا ايجابيا. وهم يحبون اسرائيل ويأتون اليها الى جلسات اللجنة التنفيذية الصهيونية والمؤتمر الصهيوني، لكن لا يخطر ببالهم أن يستقروا فيها. اذا كانت قد وجدت صعوبة ضخمة في الهجرة حتى 1948، ولم ينجح صهاينة كثيرون بالهجرة فقد كان كل يهودي في العالم منذ نشوء الدولة وعلى أثر قانون العودة، يستطيع أن يهاجر الى اسرائيل ويحصل على جنسيتها فورا.

برهنت قلة المهاجرين من العالم الاول على ان اسرائيل لا توشك أن تصبح مركز جذب ليهود العالم حتى ولا للصهاينة الواضحين، بل لمن يعيش في ضائقة اقتصادية فقط. وبرغم هذا لم يتغير التعريف الصهيوني ولم يُسلب ممن كان يستطيع الهجرة وفضل الجلاء.

لا يزال هؤلاء الصهاينة المتحمسون يأتون الى البلاد كل اربع سنين للمؤتمرات الصهيونية، وفريق منهم يرسلنا لاستيطان الضفة الغربية، وفريق يحثنا على صنع سلام، وجميعهم متحمسون جدا، وأكثرهم طاعنون في السن جدا، ووهج الصهيونية في قلوبهم كما كان قبل نشوء الدولة حقا. وهم لا يشعرون بفرق، أعني هؤلاء الصهاينة الرافضين للهجرة.

 نكتة خاصة

من حق اليهودي ألا يكون صهيونيا. ومن حقه أن يحب اسرائيل أو ألا يحبها، لكن لا شك في أن خطة القدس منذ قبل 60 سنة قد منحت طبقة كاملة من اليهود امكانية أن يستمروا في صهيونيتهم برغم انهم "لم يحققوها" ولم توجد عندهم نية تحقيقها.

لو أن بن غوريون أصر على رأيه القائل ان اليهودي الذي لا يهاجر الى الدولة منذ نشأت لا يحق له أن يُعرف نفسه بأنه صهيوني وأنه لا مكان لهستدروت صهيونية بعد نشوء الدولة – لامتنع الوضع الذي أصبح من المريح جدا فيه لناس كثيرين أن يتلففوا برداء ليس لهم وأن يجعلوا الصهيونية شيئا مختلفا على الاطلاق.

كان صيف 1951 هو الوقت الذي استسلم فيه بن غوريون للجهاز. وكان الوقت الذي كان يجب عليه فيه أن يحاول انشاء منظمة يهودية عالمية لا تُعرف بأنها صهيونية بل بأنها مؤيدة لاسرائيل، هدفها أن تساعد الدولة التي تواجه مشكلاتها الوجودية.

كانت المنظمة اليهودية الجديدة تستطيع أن تمثل يهود العالم كله، وان تدعم نشاط اسرائيل، وأن تجري مباحثات مع المنتخبين الاسرائيليين في صور الاستمرارية اليهودية بعد الكارثة. الحديث بعد 60 سنة من ذلك الوقت عن نتن حقيقي لا حاجة اليه. تعقد المؤتمرات الصهيونية كل اربع سنين في مباني الأمة وتمر ايامها كلها على نحو عام من غير تغطية وسائل الاعلام. وتتخذ الاحزاب فيها قرارات تتعلق بمستقبل الشعب اليهودي والسلام والحرب، وقراراتها تشبه نكتة خاصة لا يتناولها أحد بجدية.

أصبحت المنظمة الصهيونية فقاعة تجري داخلها انتخابات في دول مختلفة تمهيدا للمؤتمر، وتجري صراعات قوة، ويجري التصويت في الادارة واللجنة التنفيذية الصهيونية والمؤتمر، ويحصون الاصوات بحرص من غير ان يكون لكل هذه الاشياء أي صدى في حياة الدولة.

عندما مرت 100 سنة بعد المؤتمر الصهيوني الاول، وجدت اصوات تجرأت على اقتراح انهاء فصل الهستدروت الصهيونية وأن تُستبدل بها منظمة يهودية عالمية. وقد أفضى من ترأس آنذاك الوكالة اليهودية، أبروم بورغ، الى قرار اغلاق المنظمة في غضون فترة محددة (مرت منذ زمن)، والميزانية المخصصة للهستدروت الصهيونية ضئيلة جدا بحيث لم يبق إلا أن تُدفع الرواتب الضخمة للنشطاء ولا يبقى شيء تقريبا "للاعمال".

إن السنة الـ 60 للمؤتمر الصهيوني الاول في اسرائيل ولخطة القدس قد تكون فرصة ممتازة للتحول بانشاء منظمة يهودية عالمية جديدة تحل محل الهستدروت الصهيونية والوكالة اليهودية لارض اسرائيل، تحاول أن تواجه، بمساعدة القيادة الاسرائيلية على اختلافها، التحديات الحقيقية للشعب اليهودي في القرن الواحد والعشرين.

أحد أصعب التحديات هو النجاح العظيم لاندماج اليهود ولا سيما في الولايات المتحدة، وذوبانهم السريع. وعلى نحو عام اضطر قادة يهود الى مواجهة مشكلات وجودية لليهود. واليوم، وفي الوقت الذي لا يوجد فيه ازمة لليهود، يجب على القيادة أن تواجه مشكلات "جيدة"، ولا سيما عدم صعوبة الاندماج في دول كثيرة في العالم وهو الشيء الذي يفضي الى ابتعاد متوقع عن الجماعة اليهودية.

إن "تغليت"، التي بادرت اليها في مطلع التسعينيات، هي فكرة من الافكار لمواجهة الوضع الجديد، ولا يجب أن يفاجئنا ان الوكالة اليهودية والهستدروت الصهيونية خاصة عارضتا ذلك المشروع مدة سنين. لكن من المؤكد انه توجد افكار كثيرة لضمان الاستمرارية اليهودية في أيامنا، وهي لا تنشأ في منظمات لم يكن لقيادة الدولة نجاعة أو قوة للافضاء الى انهائها قبل 60 سنة بالضبط.