الانقسام الفلسطيني مأساه تتعمق

25/09/2016

وطن للأنباء: تطرقت ورقة بحثية أعدتها سماح ديب كساب احدا المشاركات في برنامج "التفكير الاستراتيجي وتحليل السياسات" والذي ينفذه المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدرسات الاستراتيجية –مسارات، للانقسام الفلسطيني الحاصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة مسلطة الضوء على أهم الجوانب الذي تجلى فيها التقاسم والانقسام.

وحملت الورقة البحثية عنوان " الانقسام الفلسطيني في عامه العاشر "مأسسة تتعمق" في اشارة الى مرور 10 سنوات على الانقسام دون أي محاولات جدية لانهائه بل بالعكس تعميقه اكثر فأكثر.

وبينت الورقة أن  أبرز ملامح الانفصال المؤسسي تمثل في السطات الثلاث (التشريعية، التنفيذية، القضائية)، بحيث تتبلور مؤسسات وثقافتا عمل، ووجود نظامين تشريعيين مختلفين ومنفصلين، وربما ثقافتان مجتمعيتان منفصلتان في كل من الضفة والقطاع.

آلية سن القوانين

وتعرضت الورقة الى آليات سن القوانين المتبعة في الضفة الغربية وقطاع غزة ومخالفتها للأسس القانونية التي كانت متبعة قبل الانقسام والتي نص عليها القانون الأساسي ، "فكان هناك تشريعات وقوانين جديدة، واستحداث آليات تتجاوز الإجراءات القانونية المعتمدة ما قبل الانقسام".

وصدرت في الضفة الغربية خلال فترة الانقسام وحتى 13/6/2015 (110) قرارات بقانون من قبل الرئيس محمود عباس. وتصدر هذه التشريعات بطريقة غير معتادة، فيتم اعتماد القرارات الرئاسية الصادرة عن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية كقانون، وذلك دون عرضها على المجلس التشريعي غير القادر على الاجتماع. وهذا ما ترفضه كتلة التغيير والإصلاح (حماس) في غزة، وتعتبره غير قانوني، لأنه يتضمن سلبًا لاختصاصات المجلس وصلاحيته في التشريع.

أما في قطاع غزة، فتُسن القوانين بعد العام 2007 في ظل رفض حكومة "حماس" التعامل مع جميع القرارات بقانون التي صدرت بعد 2007/6/14، من خلال استمرار "حماس" بإصدار قوانين وفق الآلية المعتمدة سابقًا في النظام الداخلي للمجلس التشريعي، بالاعتماد على نوابها فقط في المجلس، بغض النظر عن تحقق الأغلبية المطلوبة لنصاب الجلسات. كما أحدثت بعض التغييرات على هذه العملية، من بينها: اللجنة الفنية للصياغة، الحصول على توكيلات من الأسرى بناء على فكرة التشريع المقاوم، الاستغناء عن عملية المصادقة من الرئيس، تعديلات على الجريدة الرسمية، وفق ما جاء في الورقة البحثية.

جهتان لنشر القوانين وتطبيقها

وأشارت الورقة الى أن هناك جهتان لنشر القوانين وتملان نفس الاسم وهو "الوقائع الفلسطينية"، وكلا الجهتان في الضفة وغزة لا تعترفان ببعضهما البعض ولا بالقوانيين المنشورة فيهما.

وأضافت أن اختلاف القوانيين واختلاف جهات التطبيق ومكان التطبيق يعد انفصالًا قانونيًا وتراجعًا خطيرًا في مستقبل القوانين في فلسطين، وضربة قاصمة لمحاولات توحيد القوانين بين شطري أراضي "الدولة" الفلسطينية.

وبينت الورقة أن الانقسام ألقى بظلاله وبشكل كبير على وزارات السلطة الفلسطينية وعملها، ووضحت ان العمل في الوزارات والقوانيين التي تحكمها ليست موحدة.

وزارة التربية والتعليم

أشارت الورقة البحثية إلى أن زارة التربية والتعليم فيها هيئتان للاعتماد والجودة، واحدة في الضفة وأخرى في غزة، وأن تطوير واعتماد نظام ثانوية عامة جديد من قبل وزارة التربية والتعليم العالي- رام الله، مع ظهور مؤشرات على رفض القائمين على إدارة التعليم (بحكم الأمر الواقع) تطبيق النظام الجديد في غزة ، الأمر الذي يهدد مصير امتحان التوجيهي الموحد. فقدم القائمون على وزارة التعليم- غزة اعتراضات عدة على النظام الجديد المقترح، وتم التلويح باللجوء إلى عدم تنفيذ هذا النظام في القطاع.

وأضافت الورقة ان الإعلان عن نتائج الثانوية العامة لهذا العام 2016 بشكل منفصل، حيث أعلنت النتائج في رام الله دون عقد مؤتمر مشترك كما اعتادت وزارة التربية والتعليم في الأعوام السابقة .

وزارة المالية .. قوانين وضرائب منفصلة

يطال الانقسام ووزارة المالية وانفصال القوائم المالية التي انقسمت إلى قسمين مختلفين تمامًا، واحدة في الضفة وأخرى في القطاع. ولكل منهما مواردها الخاصة، وأوجه صرفها على القطاعات المختلفة.

ويكتمل مشهد الانقسام والانفصال المالي من خلال قيام حكومة "حماس" بإقرار قوانين ضريبية بشكل منفرد على قطاع غزة، مثل قانون التكافل الاجتماعي (فرض ضرائب ورسوم إضافية على كل ما يدخل قطاع غزة من سلع وبضائع). وبررت "حماس" فرض هذه الضرائب لعدم صرف حكومة الوفاق الوطني نفقات تشغيلية لمكاتب الوزارات في غزة.

أما وزارة الداخلية والأمن الوطني فيقتصر عمل حكومة الوفاق الوطني منذ تشكيلها على الضفة الغربية دون قطاع غزة، وجود مرجعيتين مختلفتين منفصلتين للوزارة، وعقيدتين أمنيتين ببرامج تأهيل وتدريب وسياسات أمنية مختلفة. وتمتد مظاهر الانفصال لتشمل قانون الشرطة، فيوجد قانونان مختلفان للشرطة يُعمل بهما، إضافة إلى اختلاف الهيكليات والدوائر والأقسام داخل الوزارة الواحدة.

وزارة الأوقاف: انفصال إداري وحالة دمج اضطرارية

يشمل الانفصال ما بين وزارة الأوقاف في الضفة الغربية وقطاع غزة جوانب عدة، أبرزها: الانقسام الإداري، والانقسام المهني (البرامج).

ففي الجانب الإداري، لم تعترف حركة حماس بالمواقع الإدارية الموجودة في الضفة، ولجأت إلى تعيين وكيل وزارة تابع لها يمارس عمله بمعزل عن الوزير في الضفة، واستحدثت دوائر بشكل منفصل في "وزارة أوقاف غزة" لها مثيل في وزارات الضفة، مثل دائرة الوعظ والإرشاد، ودائرة المالية.

أما في الجانب المهني (البرامج)، فتقوم وزارة الأوقاف- غزة بتطوير وتنفيذ برامج بشكل منفصل، بعيدًا عن وزارة الأوقاف في الضفة، مثل مسابقات القرآن والتجويد.

ويختلف الأمر في ملف الحج، إذ يشهد هذا الملف حالة من الاندماج بين شطري الوطن، فهناك لجنة خاصة تديره تضم ممثلين عن كافة الأطراف، بما فيها حركة حماس.

نظامان قضائيان منفصلان

بينت الورقة أن أبرز مظاهر مأسسة الانقسام القضائي وجود مجلسين قضائيين ورئيسين وجهازين للنيابة العامة في كل من الضفة والقطاع، إضافة إلى نظامين قانونيين منفصلين في ظل ازدواجية القوانين، سواء في القضاء المدني، أو الشرعي.

وأن "اتفاق الشاطئ" وما تلاه من مباحثات صيغًا لتجاوز أزمة القضاء في الجوانب الإدارية والمالية، كالتعيين، وتأمين رواتب العاملين، والنفقات التشغيلية، بينما لم يبرز في إطاره تفاهمات ملموسة حول توحيد السلطة القضائية.

وأضافت أن مظاهر انقسام طالت المنظومة التشريعية وتشكيل المحاكم نفسها، حيث أثار قرار الرئيس عباس بتشكيل المحكمة الدستورية العليا في نيسان 2016، جدلًا قانونيًا وسياسيًا. فقد قال علي أبو دياك، وزير العدل: "إنّ إقرار عباس للمحكمة الدستورية يأتي في إطار استكمال مؤسسات السلطة الفلسطينية، والتحول من مجرد سلطة إلى دولة، في ظل تنامي حركة الاعترافات الدولية بفلسطين كدولة قائمة".

بينما، في المقابل، قال سامي أبو زهري، الناطق باسم "حماس": "تشكيل محمود عباس للمحكمة الدستورية بطريقة منفردة هو تنكر للتوافق الوطني، وتكريس لنهج التفرد وتفريغ المصالحة الفلسطينية من محتواها، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) لا تعترف بشرعية هذه المحكمة، وكل ما يصدر عنها. وتدعو أعضاء المحكمة الدستورية إلى الاستقالة، وهم يتحملون المسؤولية عن خلق مزيد من الانقسام في الساحة الفلسطينية".