رام الله- وطن للأنباء- رولا حسنين: ما إن شاهدت أم علي الكاميرا حتى أشاحت بوجهها، وأدارت ظهرها، لعدم رغبتها في التقاط صور لها ونشرها على الإعلام، إلا أن محاولتي للحديث معها نجحت على وقع حسرتها على الماضي القريب وآلامها الحاضرة، وصمودها.
تتحدث الحاجة أم علي عن معاناة سفرها اليومي من بلدة الخضر غرب بيت لحم الى سوق الحسبة في مدينة البيرة المجاورة لرام الله، تحمل ثمار حاكورتها (قطعة ارض صغيرة عادة ما تكون مجاورة للبيت)، وتأخذ من رصيف الشارع مكاناً لبسط محصول العنب الذي شارف موسمه على الانتهاء، ليبدأ موسم محصول آخر.
نصف العائد مواصلات
"كل يوم 80 شيكل بحطهن مواصلات، والله الوضع صعب يبنتي، خليها على الله" غالباً ما يلجأ معدم الحال والمال الى الصمت مردداً عبارة "الشكوى لغير الله مذلة" وهذا ما ينطبق على صمت أم علي التي تقضي ساعات يومها ما بين ثمار أرضها وبيعهن في رام الله، "زراعة ايدينا والله بنتي، تعب سنين" هكذا تصف أم علي ثمارها وهي تتحسس عليها بيدها وكأن الثمار ابن سابع لها عدا 6 أبناء، أو حفيد لها عدا أحفادها الذين يحملون معها فكرة الصمود على الأرض حتى لا تذهب سُدىً بيد الاحتلال، يعينوها على الفلاحة وتزويد الأشجار بالسماد.
تقع أرض أم علي في بلدة الخضر يفصلها عن مستوطنة "دانئيل" سياج فاصل فقط، تخشى أم علي ترك الأرض بلا زراعة حتى لا يضع الاحتلال يده عليها كما يصادر العديد من اراضي المواطنين في مختلف أنحاء الضفة الغربية بحجة أنها "غير مزروعة".
"سوق العنب ما بطعمي خبز، بس لازم أزرع الأرض حتى ما تتصادر" تقول أم علي إن الاحتلال ينتظر من الفلسطينيين أن يتوقفوا عن زراعة أراضيهم حتى يستولوا عليها، وهذا ما يدفع أم علي على تحمل آلامها فهي تعاني من تآكل في مفاصل القدم اليسرى، حتى لا تخسر أرضها.
كلهم يفتقدون القدس
تستذكر أم علي، كغيرها من باعة الرصيف، أسواق القدس وأبواب الأقصى "باب العامود والحديد والواد" التي شهدت لطيب ثمار العنب والزيتون والتين وورق العنب "الدوالي" التي تقطف حصدها أم علي من أرضها. أسواق كانت تعجّ بالمقدسيين وكل العابرين في المدينة، الذين كانوا يتهافتون عليها فما تلبث أن تبسط أم علي ثمارها حتى ينفد ما بحوزتها بأقل من ساعة "القدس قرشها أبرك من رام الله"، على عكس أسواق رام الله التي تشهد لأم علي منذ 10 أعوام، فأسواقها راكدة عن شراء العنب الفلسطيني، لأن غالبية اصحاب التجارة يلجؤون لشراء العنب الاسرائيلي، الأمر الذي يُفسد على أم علي والكثير من أمثالها بيعهن لمحصولهن.
لا يثني ام علي، حاجز او دورية او صعوبة مواصلات عن مشوار الكرامة اليومي، من بلدتها الخضر، الى سوق الخضار الرئيسي لمدينتي رام الله والقدس، وان توانى المشترون فإن يومها لا ينتهي قبل ان تبيع ما تحتويه سلالها.