الدفع الخلفي... بقلم: شموئيل روزنر/ معاريف

05/08/2011

في شهر آذار 2009، قبل سنتين ونصف السنة تقريبا، سافر موظفان امريكيان كبيران جدا الى دمشق. أحدهما كان رجل وزارة الخارجية جفري بالتمن، الآخر وجه من المجدي الاعتياد عليه، دان شبيرو، ابتداءا من هذا الاسبوع سفير الولايات المتحدة في اسرائيل. وقد أدارا ما وصف في حينه بأنه "محادثات بنّاءة" مع الموظفين السوريين، بعد اربع سنوات لم تطأ فيها قدم موظف كبير سوريا. الرئيس جورج بوش قرر مقاطعة السوريين، خليفته براك اوباما قرر رفع المقاطعة. "وجدنا أن هناك الكثير من الامور المشتركة"، قال في حينه بالتمن، ولم يفسر. بل وأضاف بأن هذه محاولة "لتحقيق نتائج من خلال الاتصالات".

يمكن للمؤرخين أن يتجادلوا في المستقبل في مسألة اذا كانت هذه الـ "نتائج" التي استهدفتها الـ "الاتصالات". سنتان ونيف من الاتصالات خلفت أساسا احساسا بخيبة الأمل في الادارة الامريكية. وعندها جاء السوريون وشرعوا بنوع آخر من الاتصالات – وكأن نتائجها يمكن أن تُقاس بالجثث، بالدم. الاسئلة لادارة اوباما بقيت مفتوحة، مهجورة. هذا الاسبوع وقف السفير روبرت فورد لمواصلة الاستماع الذي تقرر له في مجلس الشيوخ. هذا هو الرجل الذي بعثه الرئيس الى دمشق كاشارة لجدية نواياه في عدم مواصلة سياسة القطيعة التي انتهجها سلفه. غير أن اوباما لم يعين فورد كسفير دائم. فقد استخدم صلاحيته لارساله الى العاصمة السورية كتعيين مؤقت. وهذا "المؤقت" سينتهي في نهاية السنة بحيث أنه في هذه الاثناء ينبغي للجنة الخارجية في مجلس الشيوخ اجراء مقابلة مع السفير، وتعيينه سفيرا دائما – أو لا.

كان يمكن التوقع بأن تعيين سفير في سوريا سيثير اهتماما هائلا في العاصمة الامريكية، في الوقت الذي يذبح فيه بشار الاسد أبناء شعبه ويتردد مجلس الامن في مسألة اذا ما وحتى ما سيسير في محاولة ضبط سلوك الرئيس السوري. غير أن مثل هذا الاهتمام  لم يثر. فبعد يوم من الوصول الى الحل الوسط المخلص لازمة سقف الدين الامريكي، كان المشرعون على ما يبدو تعبين من أن يهتموا بما يحصل في أزقة حماة. للاستجواب المتوقع لفورد جاء ولي آخر، السناتور بوب كيسي من بنسلفانيا.

رفاق كيسي في مجلس الشيوخ ثلاثة في عددهم – بالمناسبة، من البارزين بين الشيوخ المؤيدين لاسرائيل – رفعوا هذا الاسبوع مشروع قانون جديد يحظر على الولايات المتحدة المتاجرة مع أي شركة تتاجر مع سوريا في اقتصاد الطاقة. ولم يجد فورد معنى كبيرا في هذا القانون، ولكن الشيوخ جو ليبرمان، كريستان غليبرند ومارك كيرك، لم يأتوا لمجادلته. "الشركات الكبرى التي تعمل في اقتصاد الطاقة السورية هي من اوروبا أو جيران سوريا"، شرح فورد. وعقوبات امريكية من النوع الذي اقتُرح في مجلس الشيوخ لن تؤثر عليها بشكل حقيقي، كما ادعى. فما الذي سيؤثر اذا؟ كانت هناك أجوبة، ليست مرضية بالضرورة. لقد شددت الادارة ضغط العقوبات من جهتها على مسؤولين سوريين كبار، بل واللغة ايضا كانت أكثر حدة. فقد قال اوباما في بداية الاسبوع انه "اشمئز" مما يفعله الرئيس السوري، فهل هذا يعني أن على الاسد أن يرحل؟ في استماع فورد الجواب لم يكن بعد لا لبس فيه. فهو "فقد الشرعية، ولا يمكنه أو لا يريد أن يقود الانتقال الى الديمقراطية، الذي يطالب به مواطنو سوريا"، قال فورد. ولكنه لم يقل: حان الوقت للرحيل.

سؤال جيد

يوم الثلاثاء، في مجلة المحافظين الجدد الاسبوعية "ويكلي ستاندرد"، نشر اليوت ابرامز، المستشار السابق للرئيس بوش، "عشرة الاسئلة" التي كان ينبغي لاعضاء مجلس الشيوخ أن يسألوها لفورد في الاستماع – ولم يسألوها. فاذا كانت الولايات المتحدة تحتاج الى سفير في دمشق، كتب ابرامز، فان "فورد هو رجل ممتاز للمنصب". سؤال اول من أصل العشرة: "لماذا لا تدعو الولايات المتحدة الى رحيل الاسد، اذا أخذنا بالحسبان حقيقة أنها دعت بالفعل الى رحيل حليفها القديم مبارك؟".

طرحت السؤال هذا الاسبوع على أحد معارفي الذي يعرف جيدا السلك الدبلوماسي الامريكي. وقد فهم بالطبع بأن هذا ليس سؤالا، بل انتقادا. ولكن مع ذلك عرض جوابا – من نوع الاجوبة التي تبدو مثيرة للاهتمام على نحو خاص في الاسبوع الذي اقتيد فيه الرئيس المصري السابق الى محاكمة تظاهرية، من وراء قفص: "لعلنا بسبب ما حصل بعد أن دعونا مبارك الى الرحيل، نحن لا نريد أن نرتكب ذات الخطأ مرة اخرى؟"، سأل – أجاب.

الامكانية التي من الاكثر قبولا طرحها تشير الى الدور الامريكي في ليبيا، الامر الذي يردع الآن الادارة من مزيد من التورط في تدخل نهايته ليست مؤكدة مسبقا. في مصر الحاكم تغير على الاقل بحيث أنه حتى لو لم تكن النتيجة ناجحة على نحو خاص، فان الامريكيين على الأقل لم يراهنوا على الحصان غير الصحيح. في ليبيا الوضع أكثر تعقيدا: الامريكيون راهنوا، استثمروا، وعدوا، بلا نتائج. معمر القذافي سيعود الى كرسيه – حتى لو كان هذا كرسي متهالك – ووعود اوباما بعملية قصيرة الايام تبددت في رياح الخماسين.

حذر أم انهزامية

"القيادة من الخلف هي اسلوب، وليست ديمقراطية"، شخص بحدة قبل بضعة اشهر كاتب الرأي تشارلز كورتهايمر. هكذا رد على زعم أحد كتاب مجلة "نيو يوركر" الذي وصف القيادة "من الخلف" كـ "شيء يُذكر" بالعقيدة – العقيدة التي هي المفتاح لفهم السياسة الخارجية للرئيس اوباما.

القيادة من الخلف معناها أن الولايات المتحدة لا تقف على رأس الحربة بل تؤيد أحدا آخر. مثلا، قوات الناتو الاوروبية التي تخوض الحملة الحربية في ليبيا. مثلا، المعارضة السورية التي التقى بعض قادتها هذا الاسبوع بفورد ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون كي يسمعوا منهما بأن سوريا هي "دولتكم"، بمعنى أنكم أنتم تقررون اذا كان الاسد سيسقط أم لا. أفعالكم ستقرر وجه سوريا نحو استمرار الدكتاتورية، الحرب الأهلية أو الديمقراطية الجديدة. أنتم – بمعنى ليس نحن. اوباما مستعد لأن يؤيد القوى العاملة على تحسين حياة المواطنين في أرجاء العالم، ولكنه لم يعد مستعدا لأن يضع امريكا في رأس الطابور الشرطي الذي يفترض به أن يفرض نظاما ديمقراطيا على العالم. على أي حال، فان الجدال ليس فقط على مسألة اذا كان الحديث يدور عن "عقيدة" أم عن "اسلوب" بل وايضا عن مسألة اذا كان الحديث يدور عن سياسة حذرة ومدروسة أم ربما انهزامية جبانة.

في ادارة اوباما يقولون انه ليس معقولا أن تخرج امريكا بالذات سوريا من الوحل. لديها جيران عرب يمكنهم أن يتجندوا، توجد دول غنية وقوية في اوروبا يمكنها أن تؤثر، يوجد جبابرة يستيقظون في آسيا. عندما تفرض امريكا النظام، فانها تبذر مقدراتها الحيوية بل وتعطي باقي العالم الذريعة للاستياء ولكراهيتها. أما عندما "تقود من الخلف" – هكذا يؤمن اوباما – فسيكون بوسعها الوصول الى نتائج مشابهة ولكن دون ترك أثر مُدين، ودون اعطاء ذخيرة لمعارضي التغيير.

اوباما "ملزم بأن يكون حذرا"، شرح هذا الاسبوع محرر مجلة "فورين بوليسي". أحد "لا يشعر بالارتياح لرؤية دبابات سورية تصيد متظاهرين في شوارع حماة، ولكن اصحاب الرأي يميلون دوما الى المبالغة في قوة الولايات المتحدة في تصميم الاحداث كما تشاء". وها هي حادثة لن يُمسك بالرئيس اوباما فيها: فلعله يميل الى المبالغة الشديدة بقوته في اعادة تصميم الساحة الداخلية الامريكية ولكنه منذ بداية الطريق أخذ جانب التواضع في مسألة قدرة الولايات المتحدة على التأثير على باقي العالم. فهل هكذا صحيح أن يفعله؟ مؤيدوه يقولون إن نعم، ويشيرون الى الجلبة التي أثارها سلفه. خصومه يقولون إن لا، ويذكرون انه اذا لم يكن رئيس الولايات المتحدة يؤمن بقوة دولته في تصميم العالم – فستكون هذه نبوءة من شأنها حتى لو لم تكن صحيحة أن تجسد نفسها. بتعبير آخر: الحظوة على تحرير سوريا، اذا ما وعندما سيأتي، لن يكون بوسع اوباما أن يعزوها لنفسه. ويبدو أنه لا يريد ايضا.



bordeA�lr(c����; outline-width: 0px; outline-style: initial; outline-color: initial; text-align: justify; ">إذا رسخت أسس فروع اخرى للقاعدة في هذه المنطقة، فستضطر اسرائيل الى الانطلاق من فرض أن ايران ستعرف كيف تشترك معها لتعريض اسرائيل لتحديات جديدة على طول الجبهة الشرقية.