من احتجاج إلى قوة سياسية... بقلم: زئيف شترينهل/ هآرتس

05/08/2011

في هذه الايام خاصة، أيام الأمل والتوقع حيال تقدم المجتمع المدني الى مقدمة المنصة، يصعب الا نفكر في الصورة التي كان قد يلبسها الاحتجاج والنتائج التي يحققها لو كان يوجد ههنا حزب اشتراكي – ديمقراطي كبير صادق والى جانبه اتحاد مهني يستحق اسمه. أجل ان هبة عفوية لا تجد سريعا جدا تعبيرا حزبيا ولا تهدد من يمسكون بزمام السلطة، تكون انجازاتها بالضرورة محدودة جدا.

يفهم حتى بنيامين نتنياهو انه مع عدم وجود معارضة تحمل عقيدة التغيير الاجتماعي البنيوي وتكون قادرة على الحصول على تأييد الناخب لبرنامج عام لصياغة الاقتصاد الوطني، فان الخطر الذي يتهدده هو وحزبه صغير. وفي حقيقة الامر، مد المتظاهرون انفسهم اليه خشبة الانقاذ: فممثلوه سيمسحون قادة الهبة بزيت صافٍ، وينشئون فرقا ويعرضون افكارا ويطرحون بعض العظام وينتقلون الى منطقة لا يوجد أخبر من نتنياهو بها وهي التسويف والوعد بوعود لا ينوي تحقيقها.

لكن المشكلة الحقيقية ليست الحكومة بل النخبة السياسية. فاذا استثنينا ساسة قليلين في المركز – اليسار، مثل عضو الكنيست شيلي يحيموفتش، فان القيادة السياسية في أكثرها تشارك في الايمان الاعمى بمزايا السوق الحرة. وقد وجد في الحقيقة من زعموا، من خارج الساحة السياسية منذ عشرات السنين ان السوق الحرة قد تنشيء من الفقر والبؤس اكثر مما تنشيء من الغنى والرفاهة، ووجد من اعتقدوا دائما ان الفقر ليس ظاهرة طبيعية بل هو صنع يد الانسان لكن هؤلاء جميعا اعتبروا "غوغائيين". ووجد من رأوا الدولة أداة لاصلاح المفاسد ولتقديم خدمات رخيصة جيدة للسكان جميعا لكن عيبوا بانهم يريدون العودة الى الخمسينيات.

لهذا سيحسن المتظاهرون الشباب الصنع اذا تذكروا ايار 1968 في اوروبا. فوراء الاختلاف البارز، يوجد قاسم مشترك: فالاحتجاج الذي لا يجد تعبيرا سياسيا عنه في الحال ينتهي الى الانتقاض. وهنا الدور الكبير الذي ينتظر قوى شبابية لم تكن حتى الان مشاركة في السياسة، تحطم الاجماع الليبرالي الجديد وتكون القوة الدافعة لانشاء جبهة معارضة واسعة من جميع الاسس التي تعترف بضرورة مجابهة الامراض المزمنة في المجتمع الاسرائيلي لا مجابهة شركات احتكار الحليب فقط.

سيكون في هذه الجبهة مكان لكل من يشمئز من "اقتصاد الشفقة" المحافظ الجديد الذي هو الاساس للحلف الدنس بين الحكومة والهستدروت وناس المال الضخم.

أجل، ان الاحتجاج على الافق الاجتماعي المسدود للطبقة الوسطى ليس مفصولا عن سائر المشكلات الاخرى لانه يُحتاج لانشاء مجتمع اكثر مساواة وعدلا الى تغيير علاقات القوى السياسية. ويستطيع المتظاهرون التوصل الى نتائج حقيقة باتصالهم فقط بجميع قوى معارضة الحكومة الحالية، لا باتصالهم بالمستوطنين الذين هم دعائمها. لن تكون المظاهرات والمسيرات كافية، والى ذلك فان السائرين في المسيرات سيتعبون قبل الساسة وقبل مجلس "يشع" بكثير.

لهذا ينبغي بعد النجاح الاولي التحول الى مسار عمل سياسي رمادي وبناء قوة تستطيع المنافسة في الانتخابات القادمة قد يستطيع ساكنو الخيام تقديم جزء من القيادة ونعش الصفوف. وكي لا يذوي الامل الذي ولد في خيام روتشيلد، لا يحل ان يغرق في جدل في حساب ضريبة القيمة المضافة. واذا لم تنشأ اليوم قوة عقائدية واخلاقية تكون بديلة من الليبرالية الجديدة المدمرة فستكون مدة حياة هذا الاحتجاج المبارك كمدة الصيف الاسرائيلي.