شرف الطيبي.. الشهيد الذي شيّعه ثمانية أشخاص

29/12/2015

وطن للأنباء- يامن نوباني: طلب من زميله في السكن غسان أبو عوف أن يُسخّن له الماء ليغتسل، صلّى وتأنق وخرج سعيداً، قائلاً: 'أشعر أن هذا اليوم مميز'.. فعاد شهيدا..

شرف الطيبي ولد في العام 1961 في مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة، وفي نهاية سبعينيات القرن الماضي، غادر المخيم الى بلغاريا لدراسة الطب، حيث بدأ تعلّم اللغة، وبعد عودته الأولى الى خان يونس منعه الاحتلال من السفر ثانية لإتمام دراسته، فأسّس مع العديد من القيادات الفتحاوية فكرة الشبيبة الفتحاوية، وانطلق فيها من أرض جامعة بيرزيت، في بداية الثمانينيات.

في 21-11-1984 خرجت مسيرة من جامعة بيرزيت دعما للقرار الوطني الفلسطيني المستقل، فاندلعت مواجهات مع قوات الاحتلال، كان على رأسها شرف الطيبي الذي كان يبلغ 23 عاما من العمر، وخلال إلقائه الحجارة على آليات الاحتلال، قنصه جندي إسرائيلي من على مئذنة مسجد بيرزيت، ليرتقي شهيداً، وليصبح شهيد جامعة بيرزيت الأول، ثم أطلق القائد الراحل ياسر عرفات، اسمه على دورة المجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت في العاصمة الأردنية عمّان نهاية العام 1984.

يروي الدكتور جواد الطيبي، شقيق الشهيد شرف، تفاصيل استشهاده قبل 31 عاما: كنت أعمل طبيبا في قسم الجراحة في مستشفى المقاصد في القدس، وكثيرا ما أذهب الى مناطق المواجهات، لكن في يوم استشهاد شرف لم أذهب. في 21-11-1984، وصل صباحا الى المقاصد محمد أبو عوف صديق شرف، بعد إصابته برصاصة في اليد، فسألته عن شرف، لكنه لم يجبني بشيء. بعدها وصل جمال الشاتي مصابا وأخبرني أنه سمع بإصابة شرف خلال المواجهات، فتوجهت إلى بيرزيت، وفي الطريق وصلني أن شرف متواجد في مستشفى رام الله، توجهت الى هناك، وسألت عن شرف فقالوا لي إنه في ثلاجة الموتى. لم أستوعب فكرة أن يُفتح باب الثلاجة وأرى جثة شرف، لكن هذا ما حدث..

يتابع: في فترة استشهاد شرف كان والدي يعمل في السعودية، توفي في شباط 1987 دون أن يعلم أن ولده شرف شهيدا منذ ثلاث سنوات! أخفينا عنه لأنه لم يشفَ تماما من استشهاد مجدي وعصام، فكيف حين يعلم بأن ابنا ثالثا له قد أستشهد.. حتى والدتي توفت في العام 1977، وأيضا دون أن تدري أنه بعد استشهاد ابنها مجدي عام 1967، استشهد ثلاثة من أبنائها، وهم: عصام عام 1978 في جنوب لبنان، وشرف عام 1984 في بيرزيت، ورسمي عام 1987 في خان يونس، وفي يومه استشهاده اعتقلني الاحتلال لمدة سبع سنوات، ولم أشارك في جنازته، ولم يشارك أحد من أهله، فالأم والأب فارقا الحياة، وثلاثة من أشقائه شهداء، وشقيق خارج الوطن، وأنا داخل السجن.

يتقطع صوت الدكتور جواد.. همهمات ودموع حبسها منذ 31 عاما، انفرطت الآن، في هذا الموقف الصعب، لكنه يتابع: منذ الظهيرة إلى الساعة 12:30 بعد منتصف اليوم، ونحن نحاول نقل شرف إلى غزة، وحين أدخلناه أخذونا (جنود الاحتلال) إلى مقرهم في خان يونس، واشترطوا أن يتم دفنه الساعة 1:30 فجرا دون أن نذهب به إلى البيت، وأن تقتصر جنازته على المقربين، فخرج بجنازته 8 فقط من أقاربه.

أثناء إعداد التقرير عبر الهاتف، نادى جواد باسم شرف مرتين، فرد صوت قائلاً: نعم بابا، ثم تابع: هذا شرف ابني عمره 17 عاما، وهو الآن في الثانوية العامة، ناديته لأطمئن أنه يدرس، أطلقت عليه شرف، ليبقى شرف حاضرا في البيت، وآمل أن يصبح كعمه الشهيد، وأيضا أطلق القيادي الفتحاوي مروان البرغوثي، وهو صديق مقرب من الشهيد، اسم شرف على أحد أبنائه.

يختم جواد: زارنا في بيت العزاء أكثر من 7 آلاف معزٍ من الضفة الغربية في وقت لم يكن فيه حواجز ومعابر تفصل الضفة عن القطاع، وألقى المتوكل طه في تأبين الشهيد قصيدة شعرية أهداها لروح شرف، منها: قُلْ أعوذُ بربّ عاصفةِ العواصفْ.. إن كان ابنُ الفتح خائفْ.. قد شاهد الطلقاتِ تسْكُنهُ فكبّرَ وهو واقف.

كان شرف يسكن قرية أبو قش المجاورة لبلدة بيرزيت، مثل كل الشهداء أحسّ بالشهادة تدنو، زار أصدقاءه وصاحب السكن قبل شهادته بيومين، كان من أوائل دائرة الهندسة الميكانيكية في كلية الهندسة، وحين استشهد كان في فصله الجامعي الأخير.

هنا في فلسطين، تطلق العائلات وأصدقاء الشهداء أسماءهم على أبنائهم وأقاربهم، تيمناً بهم، وحفظا لتضحياتهم ومسيرتهم، حتى أصبحت أسماء الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني تذكارا ودلالة على شهدائه.