تحقيق استقصائي لـ "وطن": 25000 شقة فارغة ومليارات نازفة اسمنتاً في رام الله

29/11/2015

رام الله- وطن للأنباء- دعاء سيوري: يمضي المواطن رائد الحموري جل وقته باحثًا عن شقة لاستملاكها في رام الله بعد أن أنهكه دفع إيجار منزله الذي استنزف منه حتى الآن قرابة 30 ألف دولار، لكن جهوده اصطدمت بأسعار خيالية للشقق الجديدة كونه من اصحاب الدخل المتوسط، ما يحرمه شراء شقة عمره التي يحلم بها منذ زواجه قبل سبعة اعوام .

اليوم قيمة البيت "عظما" كانت تشتري مشطبا:

يقول الحموري لـ وطن للأنباء: ذهبت إلى حوالي  25 شقة، تفاجأت بأسعار بعضها تكاد أن تكون خرافية، هناك شقق ارتفع سعرها أكثر من 50 ألف دولار .

ويضيف، منذ قدومي إلى رام الله للعمل قبل سبعة أعوام، كان المواطن يستطيع أن يتملك منزل عمره وبمساحة جيدة ومشطب بحدود 60 إلى 70 ألف دولار، لكن هذا المبلغ اليوم لا يمكنه إلا شراء منزل عظم "غير مشطب " .

اصطدام الحموري مع ارتفاع الاسعار، ليس الا مثالاً بسيطاً لمعاناة الاف المواطنين من اصحاب الدخل المتوسط و المحدود الذين يواجهون الاشكالية ذاتها، ما دفعهم للاحجام عن شراء الشقق التي يشهد سوقها ركودا في محافظة رام الله والبيرة .

مدينة فارغة في رام الله

بعد البحث والتقصي حول عدد الشقق الفارغة في رام الله والبيرة توصلنا بتقديرات وزارة الاشغال والاسكان الى أن هناك 35 ألف شقة فارغة في الضفة الغربية غالبيتها ترتكز في محيط رام الله والبيرة .

بهذا السياق يوضح الوكيل المساعد في وزارة الأشغال والإسكان عفيف اسعيد لـ وطن للأنباء، أن هناك ما يقارب 25 ألف شقة سكنية فارغة في محافظة رام الله والبيرة ، ويشير إلى أن العدد يصل إلى 30 ألف شقة إذا تم احتساب ما يوجد حول رام الله من إسكانات.

ويؤكد على ذلك مدير السياسات الإقتصادية في وزارة الاقتصاد عزمي عبد الرحمن بقوله : "هذا الفائض من الشقق يشكل مضيعة للحياة الاقتصادية الفلسطينية في ظل عدم عدم التوجيه المناسب ، وتوجه المستثمرين إلى هذا القطاع رغم وجود قطاعات اقتصادية أخرى تكاد أن تكون مجدية أكثر ".

ويضيف" هناك ثلاثة ونصف مليار دولار محتجزة غير مستثمرة ، وهي ضياع على الإدخارات الوطنية، هذه المدخرات لو وجهت للاستثمار في قطاعات إنتاجية أخرى لقامت باستيعاب عدد كبير من العمال وساهمت في زيادة الإنتاج الوطني .

ويؤكد عبد الرحمن " الدراسات لدينا تشير إلى أن كل مليار يستثمر في انتاج وطني يعمل على خلق ما بين 70_100 الف فرصة عمل.

وتقدر وزارة الأشغال والاسكان أن 70% من الشقق الفارغة في محافظة رام الله والبيرة هي شقق جاهزة للبيع "مشطبة وعظم" وما تبقى وهي من الـ 30% من الشقق الفارغة يتواجد معظم مالكيها خارج الوطن بقصد العودة إليها أو بيعها مستقبلاً .

هناك قرية إضافية كل سنة

كشفت وزارة الاشغال والاسكان أن قرابة 15 الف شقة تشيد سنوياً في رام الله والبيرة، حاولنا هنا معرفة عدد الشقق التي يتم شراؤها سنويا للسكن في رام الله والبيرة من مجمل التي يتم تشييدها فتوجهنا إلى مصلحة مياه محافظة القدس المسؤولة عن تزويد الشقق بالمياه، التدقيق في ارقام المصلحة أظهر وجود 1080 مشتركا جديدا فقط في العام 2014، من مجمل عدد الشقق التي تم تشييدها في ذات العام والبالغة 15 عشرة الف شقة .

و هنا تؤكد مصلحة المياه أن 90% من الاشتراكات هي فقط للشقق الجديدة ..فهل يعني ذلك ان اربعة عشر الف شقة ما تزال فارغة؟؟

وللتأكيد على قلة نسبة شراء الشقق الجديدة توجهنا إلى بلديتي رام الله والبيرة، حيث أظهرت إحصاءات بلدية رام الله أنها رخصت 770 شقة فقط خلال عام 2014، أما بلدية البيرة فقامت بترخيص 540 شقة في العام ذاته .

وبناء على المعطيات السابقة يتضح أن نسبة العرض من الشقق الفارغة وهي 25 الف شقة في رام الله والبيرة تفوق طلب السوق المحلية، وفي ذلك تناقض مع القاعدة الاقتصادية التي تقول بأن زيادة العرض يؤدي الى انخفاض الأسعار، بينما ما يحدث هو زيادة  في عرض الشقق للبيع، مع بقاء الأسعار مرتفعة وفي بعض الأحيان ترتفع أكثر مع مرور السنوات.

يفسر بذلك المحلل الاقتصادي نصر عبد الكريم بقوله: " السيولة ليست عامل ضغط على المقاولين، معظم الاستمثار يأتي من أموالهم الخاصة، لا يقعوا تحت ضغط المصارف، الأموال ليست ممولة أو مقترضة، فلا يضطرون للبيع لتسديد الأقساط المترتبة عليهم ، ومنهم من يقوم بدور البنك يقسط مباشرة إلى المشتريين .

الأرض تتكلم ملايين الدولارات

يعد ارتفاع أسعار الأراضي سبباً رئيسياً في ارتفاع أسعار الشقق في رام الله والبيرة، إذ يبلغ متوسط سعر دونم الأرض الواحد في بعض مناطق رام الله والبيرة نحو 600 الف دولار، فيما بلغ في مناطق أخرى مليونين وثلاثة ملايين دولار .

يقول نقيب المهندسين في رام الله والبيرة أنس الهودلي لـ وطن للأنباء، أن أسعار الأراضي في المحافظة تضاعفت ست مرات منذ قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث أكد أنه في التسعينات كان سعر دونم الأرض لبناء إسكان 100 ألف دولار، كانت تبني عمارة مكونة من عشرة شقق بمعنى أن حصة كل شقة كانت تدفع حوالي 10 ألاف دولار، يتابع " اليوم كل شقة تدفع من حصة الأرض حوالي 60 ألف دولار ".

و تبلغ مساحة أراضي مدينة رام الله 11.000 دونم وهي المناطق المصنفة ( أ،ب) حسب تقسيم اتفاقية "اوسلو"، ووفقا لهيئة شؤون الاستيطان والجدار، بينما تبلغ مساحة المناطق المسماة (ج) 3.411 دونما من مساحة المدينة و تبلغ مساحة مدينة البيرة 11.300 دونما في المناطق المسماة ( أ،ب)وتشكل مناطق(ج) الخاضعة للسيطرة الاسرائيلية الكاملة 13.561 دونما . وتبلغ المساحة الإجمالية للمحافظة قرابة 855.6 ألف دونم ،تشكل منها مناطق جيم 550.6 ألف دونم .

يشار الى أن البناء ممنوع في المناطق المسماة (ج) بقرار عسكري اسرائيلي الأمر الذي يحصر المناطق المخصصة للبناء بشكل كبير ما يسبب ضيق الأراضي واحتكارها وبالتالي ارتفاع أسعارها.

يضيف الهودلي" الأرض تحولت إلى سلعة محتكرة في آخر 15 عاما نتيجة لقلة توفرها وضيق المساحات الهيكلية في حدود المدينتين.

اذا كانت تكلفة الشقة 70 الف فلماذا تباع ب 120؟

وإذا كان متوسط تكلفة كل شقة حوالي 70 إلى 80 ألف دولار، لماذا تباع للمواطن بأكثر من 120 ألف دولار ، فيما يزيد سعر بعض الشقق عن 200 الف دولار  .

يؤكد عبد الكريم أن هناك طلب عال على الشقق السكنية في  السنوات الخمسة الماضية ، ما أدى إلى رفع شهية المقاولين لرفع أسعار الشقق، مشيراً أن السوق المصرفي الذي فتح أبوابه أمام المواطنين سهل عملية التملك بالنسبة لهم ،ما أدى إلى وجود ضغط على الشقق .

تشتري شقة ويحصل منك البنك على شقة أخرى

ويرى الحموري أن ارتفاع نسبة الفوائد البنكية على الشقق السكنية يشكل هاجساً أمامه في شراء شقة العمر، فكونه من ذوي الدخل المتوسط لا مجال أمامه سوى الاقتراض من المصارف العامة في فلسطين ورهن حياته وحياة عائلته لسنوات طويلة حتى سداد الشقة .

فإذا كان معدل سعر الشقة في رام الله 120 ألف دولار ونسبة الفائدة 5 % فإن المواطن سيدفع بعد 25 عاما ( وهي أقصى فترة لسداد الدين) حوالي 220 ألف دولار أي بزيادة المئة ألف دولار فوائد، بمعنى أنه قام بتسديد سعر الشقة مرتين

وتظهر بيانات سلطة النقد أن عدد المقترضين وحجم القروض الخاصة بالعقارات يزداد بشكل بطيء منذ العام 2012، ففي العام الماضي بلغ عدد المقترضين للعقارات في منطقة رام الله والبيرة 3.450  قرض، وصلت مجمل قيمتها إلى 372 مليون دولار.

وفيما يبلغ متوسط دخل الفرد الفلسطيني وفقا لجهاز الاحصاء المركزي حوالي 600 دولار ، فإن البنوك تشترط على المقترضين أن يكون دخلهم الشهري لا يقل عن 1200 دولار.

يعقب مدير دائرة علاقات الجمهور وانضباط السوق في سلطة النقد على فرعون، أن الفوائد المقبوضة على الرهن معقولة وليست مرتفعة جداً مقارنة بالدول المجاورة إلى فلسطين .

ويضيف "قسط المواطن لا يقل عن 600-700 دولار  شهرياً، تعليمات سلطة النقد تنص على أن لا يتجاوز القسط الشهري نسبة 50% من دخل الفرد .

المقاول يتحول الى بنك مقرض

ولجأ بعض المستثمرين إلى ما يسمى بالتقسيط المباشر مع المواطن بمعنى الاستئجار بالتملك ، وهو البيع المباشر للمشترين من خلال تسديد دفعة أولى لا تقل عن 20% من سعر الشقة الأصلي، والاستمرار في تسديد في دفعات شهرية تصل إلى 7 سنوات، من خلال الشيكات البنكية .

لكن خبراء قانونيين أكدوا أن ما يسمى الاستئجار بالتملك، لا يحمي حقوق الملكية للمشترين في المستقبل وقد تعيد المالك الى مستأجر بعد سنوات من التسديد ،وذلك لأن كافة البيوعات التي تتم خارج دائرة التسجيل تعتبر  بيوع غير صحيحة و باطلة ولا ترتب أي أثر.

وبموجب قانون تسوية الأراضي والمياه رقم 40 لعام 1952،المادة 16 لا يستطيع المشتري أن يجبر البائع بنقل الملكية له وكل ما يستطيع فعله إثبات حقه بالإقساط التي قام بدفعها .

ويتضح جليا بأن المواطن من ذوي الدخل المتوسط والمحدود هم  الضحية الأكبر من ارتفاع أسعار الشقق والفائدة البنكية وعدم إكتفاء المقاولين بهامش  ربح معقول وغياب القوانين التي تنظم الأسعار، ليس هذا فحسب بل وتدني جودة التشطيب .