أن تكون صحفيا في فلسطين..!..كتب .. عاطف سعد

02/05/2015

أهلا بك صحفيا عاملا في فلسطين،المنطقة التي تُعَدُ أم بؤر التوتر في العالم. أن تكون صحفيا هنا يعني أن تكون ناقلا لممارسات احتلال ورِثَ أسوأ ما في الإجتلالات التي سبقته،بل و"أثراها" بعنصرية قومه البغيضة. وأن تكون متابعا لتحولات بطيئة، صعبة ومؤلمة لشعب يكافح، منذ مائة عام، من أجل حريته وخلاصه وبناء أمته من جديد.

هنا أنتَ تتعامل مع إسرائيل، "واحة الديمقراطية الوحيدة " لكنها الدولة الأكثر قمعا للصحفيين الأحرار وللمصورين الصحفيين كذلك. 
في كتابه "العسكر والصحافة في إسرائيل" للصحافي والباحث في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي  يتطرق للقيود التي تفرضها الدولة العبرية على حرية الصحافة. فعلى الرغم من أن إسرائيل لا تنفك عن الزعم أنها واحة الديمقراطية وسط أنظمة ديكتاتورية لا تولي أي احترام لقيم الديمقراطية! فإسرائيل هي " الديمقراطية " الوحيدة في العالم التي تفرض على المطبوعات ووسائل الإعلام فيها رقابة عسكرية مسبقة بحكم القانون.

هنا في الأراضي الفلسطينية التي مازالت محتلة ، أنتَ في منطقة ملتبسة ، مثلما هو وضعها، تتعارض فيها المفاهيم حيال الهامش المسموح فيه بنقل المعلومة وما يواكبها من رأي أو تحليل أو وصف.

هنا يتوفر لحرية الرأي والتعبير هامشا أكثر اتساعا مما هو الحال في البلدان "الشقيقة" المجاورة. لكنه هامش انتقائي، سرعان ما يضيق عندما يُنشر ما  هو غير معروف عن النُخَب السياسية الحاكمة سواء في رام الله أو في غزة. أهل السياسة هنا يريدونها إما صحافة تعبوية فارغة من أي مضمون أو صحافة علاقات عامة لا تتحدث إلا عن "الإنجازات" أما إذا ما تطرقت إلى إخفاقات تقلل من مكانة "الإنجاز" فأنت مروج لخطاب "حماس" أو لخطاب "دحلان" أو لخطاب مروان البرغوثي أو لخطاب اليسار. والمثير للسخرية  أن المنظرين لمثل هكذا إدعاءات تافهة هم من أهل الحُكم.  هنا عليك تدبير مصادر رزقك، لوحدك!

أهل المال، عندنا، لا يختلفون عن أهل السياسة بالتعامل مع الصحفي/ة. يريدونه/ا مثل "روبوت كونترول" يحركونه مثلما يريدون  وبقدر ما يدفعون. الصحافة الحرة، بالنسبة لأهل المال، شر مستطير يجلب الخسارة أو تقليل الثقة لدى الزبائن. لذا هم يكرهون الصحافة ويرحبون بالإعلام الترفيهي وطبعا بصحافة الإعلان! 
كما ويتعارض مفهومك لمزاولة نقل معلومة ما عن ممارسة رِجال الأمن بحق معارضين يتعارض مع مفهوم "نشر الغسيل الوسخ لا داع له"!
وعندما لا تقبل ترويج ما يُراد منك ترويجه عن تحركات  وعلاقات عامة وإنجازات "منفوخة" فتبحث  عن معلومة مقنعة للجمهور فَيُقال لك ،" أنت غاوي شَكَل"  فَتُكوي من ناريين: نار الفهم الخاطئ ونار مواجهة المشاكل". 

القصة ليست نشر أو عدم نشر الغسيل القذر. القصة هي هامش حرية التعبير الحقيقي المتوفر للصحفي ليزاول عمله. أن يسكت مرة فهذا يعني أن يسكت مرة ثانية أو يراقب نفسه بنفسه فيما أسميه ب"الرقابة الذاتية"  وهكذا يهيأ نفسه ليقبل ما يُفرض عليه بل وعن إغفال حق الآخرين بمزاولة حريتهم ، منع كوميديا "وطن على وتر" مثلا. 

إذن لماذا تكون صحفيا ومن أجل من؟

لنقل الحقيقة والمعرفة للناس، علها تغير من بؤسهم فيَسعدوا. للتمتع بإحساس أول من يعرف. لتحقق دخلا كريما تعتاش منه. لتكون حصوة صغيرة كلما مر عليها أو شاهدها مسئول أو مواطن حاد عنها وإذا ما داس عليها يتلفت  من حوله عله يتجنب الأذى.
الناس في فلسطين هم من يستحقون صحافة مهنية محترمة كما نصت معايير الصحافة الحرة التي نحتفي بها هذه الأيام.
  أن تكون صحفيا في فلسطين يعني أن تمشي تحت المطر دو أن يبتل قميصك!
هل هذا ممكن؟
ممكن نعم. ممكن لا. هو تحدي لا بد من اختباره!