تحقيق استقصائي لـ وطن.. قرار حكومي يسمح بمعالجة "صامتة" لمياه مجاري مستوطني الخليل

19/04/2015

رام الله- وطن للأنباء- تحقيق لـ إبراهيم عنقاوي:

تحرم المياه العادمة المتدفقة لودي السمن جنوب مدينة الخليل، الطفل راشد النجاجري (13عاماً)، من حقه في اللعب الآمن، جراء إمكانية تعرضه لمخاطر صحية وجسدية، وسط تأكيده أن عدد من أصدقائه سقطوا في المياه المتدفقة على شكل وادٍ بين المنازل في بلدة يطا.

وتفاقمت معاناة المواطنين القاطنين في المناطق المحاذية للوادي في فصل الشتاء بسبب زيادة كميات المياه العادمة المتدفقة واختلاطها مع مياه مجاري المستوطنات، المحيطة بمدينة الخليل، ما دفع البلدية للبحث عن حل لهذه المعاناة، من خلال بناء محطة معالجة للمياه العادمة، إلا أنها اصطدمت باشتراط سلطات الاحتلال الموافقة على معالجة مياه مجاري المستوطنين كأحد شروط  السماح باقامتها.

وتمنع الاشتراطات الاسرائيلية تنفيذ أكثر من 80 مشروعاً فلسطينياً للمياه في المناطق المسماة بـ "ج"، تصل تكلفتها إلى قرابة 400 مليون دولار، منذ ان أوقفت السلطة الفلسطينية اجتماعات لجنة المياه المشتركة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، عام  2010 أثر قرار الرئيس عباس بحظر التعامل مع المستوطنات وتقديم الخدمات لها.

ويوفر استمرار تدفق مياه مجاري الخليل والمستوطنات، أو إنشاء المحطة في وضعها الحالي لإسرائيل فرصة الاستفادة  المالية عبر خصم ما بين (12 – 36) مليون شيقل سنوياً، من أموال المقاصة الفلسطينية، مقابل معالجة المياه المتدفقة عبر وادي السمن الذي تختلط  فيه  مياه مجاري المستوطنين مع  مجاري المواطنين في الخليل، دون الاتفاق مع الجانب الفلسطيني، وفقا لمسؤولين  فلسطينيين رسميين.

قبول الجانب الفلسطيني للاشتراط الاسرائيلي بربط  مجاري المستوطنين مع  محطة التنقية يعني ان اسرائيل ستستفيد من المحطة المزمع إنشائها لمعالجة مياه المستوطنين مجاناً  حيث تشكل نسبة مجاري المستوطنين  (40%) من مياه مجاري وادي السمن.

الموافقة على مشاريع المياه الفلسطينية التي تمولها الدول المانحة، مقابل اعتراف السلطة بتنفيذ مشاريع مياه في المستوطنات، كانت احدى وسائل الابتزاز التي مارسها الجانب الاسرائيلي خلال اجتماعات اللجنة المشتركة، في محاولة لانتزاع اعتراف فلسطيني بهذه المستوطنات، وفق ما يراه رئيس مجموعة الهيدروجينيين د. عبد الرحمن التميمي.

وقال التميمي :"إسرائيل تستغل محطة تنقية المياه بشكل عام للابتزاز السياسي لإعطاء شرعية للمستوطنات، إذ تطلب إسرائيل أن تكون هذه المحطات مشتركة وتخدم المستوطنات بدون دفع تكلفة إعادة التنقية".

ويوضح أن الإسرائيليين يبتزون لثلاثة أسباب، وهي لاجبار السلطة على تفعيل اللجنة المشتركة، وثانياً لإعطاء شرعية للمستوطنات من خلال عمل مشاريع مشتركة بين الجانبين، وثالثاً لإعطاء وهم للممول بوجود تعاون مشترك في قطاع المياه، وأن إسرائيل تقوم بما عليها في تحسين البيئة.

وادى منع تنفيذ مشاريع محطات معالجة المياه العادمة في الضفة الغربية،  الى مفاقمة معاناة المواطنين، بسبب أضرار المياه العادمة على الصحة والبيئة، إضافة إلى نقص المياه التي يحصل عليها المواطنون من الجانب الإسرائيلي، إذ أنه بالإمكان إعادة استخدام المياه المعالجة في الزراعة وبعض الصناعات المختلفة.

محطة معالجة مياه الخليل

مع بداية كل فصل شتاء تزداد معاناة المواطنين في منطقة وادي السمن الواقعة بين مدينة الخليل وبلدة يطا، إذ تتدفق مياه الأمطار المختلطة بمياه المجاري التي تحول المنطقة الى مكرهة صحية وبيئية، وتشكل خطراً على المواطنين من الوقوع في مسرب المياه أو التزحلق في الطين الممزوج بالقاذورات، في حين تتنشر الروائح الكريهة والحشرات والبعوض في فصل الصيف.

التقينا المواطن أنو أبو عرام أثناء رعيه الأغنام بجانب سيل المياه العادمة، الذي أكد لنا أن السيل يشكل خطراً حقيقياً على أراضي المزارعين والمواشي والمواطنين، كما يشكل خطورة  على الأطفال وطلبة المدارس.

وقال إنه خلال فصل الشتاء تفيض المياه على الشارع الواصل بين المناطق السكانية في البلدة، مما تمنع المواطنين من الذهاب إلى منازلهم مشياً على الأقدام.

ويضيف أبو عرام: أن المياه العادمة تشكل ضرراً على السكان في المنطقة خلال فصل الصيف، بسبب انتشار الروائح الكريهة والحشرات المسببة للأمراض، كما أنها تشكل خطراً على الأراضي والمزروعات في المنطقة التي تتعرض تربتها للتلوث.

ورصدنا خلال جولتنا في بلدة يطا جنوب الخليل، عدد من الأطفال يلعبون على جانبي مجرى مياه المجاري، وتحدثنا مع الطفل راشد النجاجري، الذي أكد لنا أن أحد أبناء عمومته سقط في هذه المياه، ما استدعى لنقله إلى المستشفى، جراء تعرضه لرضوض في جسده، وإصابته بأمراض.

تلك المعاناة دفعت بلدية الخليل إلى السعي للحصول على تمويل لمحطة معالجة، وحصلت على ذلك من أربعة جهات دولية مانحة  هي ، "الاتحاد الأوروبي، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، البنك الدولي، فرنسا"، إلا أنها اصطدمت برفض الجانب الإسرائيلي الموافقة على بناء المحطة المخطط وتدشينها في منطقة وادي السمن وهي منطقة "ج".

قرار المصادقة

في تاريخ 18/2/2014، صادق مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة برئاسة رامي الحمد لله، على توصيات لجنة البنية التحتية الوزارية الدائمة في اجتماعها رقم (5) بتاريخ 2/2/2014، حيث شملت التوصيات على مشروع إنشاء محطة معالجة إقليمية لمياه الصرف الصحي في الخليل، إلا أن البند الثاني من التوصيات استوقفنا، إذ جاء كالتالي "عدم إثارة موضوع ربط المستوطنات الآن؟!"، ما يدفع للتساؤل عن حقيقة السبب في تضمين هذا البند ضمن قرار المصادقة.

ويقول مدير عام وحدة مجلس المياه الوطني أحمد الهندي "في الحقيقة عند اطلاعي على القرار سبب استغراب عجيب لدي، لأن المسؤولية تقع على عاتق سلطة المياه في اللجنة المشتركة، واعتقد أن تكون سلطة المياه حسمت الموضوع مع الإسرائيليين، لأن هذا الموضوع ثابت لأنه لا يمكن ربط المستوطنات مع الفلسطينيين".

ويرى الهندي أن الخروج  بهذه الصيغة  في القرار تعد مشكلة كبيرة، لأنه لايمكن أن تكون هناك شراكة مع المستوطنات.

حاولنا استيضاح البند المذكور من خلال بلدية الخليل، التي أكدت أنها ليست مستعدة لمعالجة مياه المستوطنين المتصلة بشبكة المدينة، التي تتدفق في مجرى المياه نحو "وادي السمن" ثم إلى داخل الخط الأخضر.

وقال رئيس بلدية الخليل داود الزعتري:"هذا الموضوع بحثناه مع سلطة المياه وليس لدينا استعداد لمعالجة مياه المستوطنين على الإطلاق، وأبلغنا هذا الأمر للحكومة الفلسطينية، ولرئيس سلطة المياه، هذه مسؤوليتهم للتواصل مع الجانب الإسرائيلي لفصل مياه المستوطنين".

أما في سلطة المياه فلم نحصل على إجابة واضحة، فيما إذا كانت المحطة الفلسطينية ستعالج مياه المستوطنين أم لا، وبعد محاولات للقاء المسؤولين في سلطة المياه للحديث عن هذا الموضوع، كنا نقابل بالرفض، لكننا تمكن من مقابلة رئيس سلطة المياه، مازن غنيم، في أحد المؤتمرات الصحافية التي كان يعقدها.

سألنا غنيم عن البند المذكور في التوصيات، إلا أنه لم يجب بوضوح، وما حصلنا عليه من إجابة كانت أمنياته بزوال الاستيطان وقيام الدولة الفلسطينية خلال فترة إنشاء المشروع والتي تقدر بثلاثة سنوات!.

توجهنا لرئيس سلطة المياه السابق شداد العتيلي، الذي أخبرنا "أن الجانب الفلسطيني وجه رسالة للإسرائيليين مفادها أن المشروع لن يخدم مستوطنتي كريات أربع وخارصينا، ويجب عليه فصل مياه مجاري المستوطنين عن شبكة مجاري الخليل"، لكننا لم نحصل منه على تفسير للبند المذكور في توصيات قرار مجلس الوزراء.

في المقابل فان المستشار السابق لشؤون الصرف الصحي في سلطة المياه، اياد يعقوب، يقول " اذا تحدثنا عن مشروع بهذه الضخامة لبلدية الخليل ونقول بأننا سنقوم بتأجيل مناقشة المستوطنات، يبدو أن هناك شيء ما تحت الطاولة لا يرغبون بالحديث فيه".

ويضيف يعقوب: تأجيل مناقشة ربط المستوطنات يضع علامة استفهام، فلا يعقل أن تعطي تصريح لبناء المحطة وتتوجه إلى الدول المانحة، وتتحدث عن تأجيل ربط المستوطنات لأن هذا من الأولويات للجانب الإسرائيلي، ولا يعطي ترخيص لبناء المحطة دون ربط المستوطنات".

خلاصة لذلك، لابد لنا إلا أن نشير إلى أن مياه المجاري الخارجة من مدينة الخليل، تتشابك في نفس المسرب مع مياه مستوطنتي خارصينا وكريات أربع، إضافة إلى مجاري المستوطنين في البلدة القديمة المتصلة في شبكة مجاري الخليل الداخلية، ولا مجال للفلسطينيين للهروب من هذه المياه ما لم يقم الجانب الإسرائيلي بفصلها عن مياه المواطنين، وإلا سيتم معالجتها مع مياه المواطنين.

تمويل المشروع

أربع جهات مانحة تمول المشروع الذي تصل تكلفته إلى 55 مليون دولار، وهي (فرنسا، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والبنك الدولي، والاتحاد الأوروبي)، إلا أن الأخير أصدر خلال السنوات القليلة الماضية، قرارات تقاطع المستوطنات وتحظر التعامل معها باعتبارها غير شرعية.

وتقول نائب رئيس برلمان الاتحاد الأوروبي السابق لويزا مورغنتيني، إن هناك مبادئ غير ملزمة من قبل الاتحاد الاوروبي او تدعو لعدم السماح بأي تعاون مع الصناعة او الشركات العاملة في الأراضي  الفلسطينية المحتلة او المستوطنات. وتضيف: هناك معايير ومبادئ موجودة ولكن المشكلة كيفية الزام الدول بهذه المبادئ.

حاولنا التواصل مع الجهات المختصة في الاتحاد الأوروبي العاملة في الأراضي الفلسطينية قبل أكثر من شهر لاستيضاح الأمر، وإذا ما كان المشروع سيقدم خدمات للمستوطنين بالإضافة للمواطنين في الخليل، إلا أننا لم نلقى أي ردٍ حتى اللحظة.

تكلفة المشروع : 55 مليون دولار .

حجم المعالجة: 11- 12 ألف متر مكعب يومياً.

نسبة مياه مجاري  المستوطنين: 40%.

عدد سكان الخليل: 215 ألف مواطن.

عدد المستوطنين المستفيدين من شبكة مجاري الخليل: 11 آلاف مستوطن.

القانون ومقاومة شرعنة المستوطنات

في العام 2010، أصدر الرئيس عباس قرارا بقانون رقم (4) يحظر فيه التعامل مع المستوطنات وتقديم الخدمات لها، ما يعني أن معالجة مياه المستوطنين في محطة فلسطينية يتناقض مع القانون الفلسطيني. ويرى عبد الرحمن التميمي أن المشروع ضد القانون الفلسطيني ولم يأخذ موافقة اللجنة المشتركة.

وتنص المادة الثانية من القانون على انه "يهدف هذا القرار بقانون إلى تحقيق ما يلي: 1. مكافحة منتجات وخدمات المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية. 2. تحقيق الجهود الوطنية التي تبذلها القيادة السياسية لإزالة المستوطنات كلياً من الأراضي الفلسطينية من خلال مكافحة ومقاطعة منتجات وخدمات المستوطنات وإحلال المنتجات الوطنية محلها. 3. عدم تشجيع أو ترويج إقامة المصانع في المستوطنات المقامة على الأراضي المحتلة عام 1967م. 4. بناء اقتصاد وطني مستقل في الأراضي الفلسطينية. 5. رصد السلع والخدمات التي تعتبر منتجات مستوطنات وضبطها ومقاطعتها ومكافحة وحظر تداولها. 6. دعم الاقتصاد الوطني الفلسطيني وتوفير فرص تسويقية أفضل للسلع والبضائع الفلسطينية وتوعية المواطنين بشأن الآثار السلبية الناتجة عن تداول منتجات المستوطنات".

بعد إصدار القانون، أوقف رئيس سلطة المياه السابق، شداد العتيلي، لجنة المياه المشتركة المكونة من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وكانت من أبرز مهامها مناقشة تنفيذ المشاريع الفلسطينية في الضفة الغربية والقطاع غزة. وجاء قرار الإيقاف بسبب الابتزاز الإسرائيلي للفلسطينيين، الذي يهدف للاعتراف بالمستوطنات.

و تدور المواجهة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، في دهاليز السياسة وسط تضارب التوجهات لدى الجانبين فيما يخص التعامل مع المستوطنات والاستيطان، فالفلسطينييون يقولون بانه لا مجال لقبول المستوطنات فوق ارضنا ويجب ازالتها، في حين ان الجانب الاسرائيلي يتعمد اغراق الضفة الغربية بالمستوطنات الملاصقة للتجمعات الفلسطينية في اطار سياسة مبرمجة ترمي على فرض المستوطنات كأمر واقع.

ولحين حسم امر المستوطنات التي تنغص حياة المواطنين وترهق  الخزينة العامة للسلطة الوطنية، فان الطفل النجاجري كغيره من الاطفال والسكان ما زالوا ينتظرون حلولا تخلصهم من  الكارثة البيئية والصحية المحيطة بهم وتحميهم من المخاطر المحدقة.

 

عدد محطات المعالجة الفلسطينية: ثلاثة (جنين، نابلس، البيرة).

مجموع خصومات المجاري لمواقع متعددة بلغت 270 مليون شيقل.

عدد المستوطنين في الضفة: 600 ألف مستوطن.

عدد المستوطنات: 144 مستوطنة على الأقل