أبو شرار: قرار ندب القضاة منعدم ويمس بحرية القاضي

16/04/2015

رام الله- وطن للأنباء: وصف قضاة سابقون وقانونيون وحقوقيون وممثلون عن مؤسسات أهلية فلسطينية ما صدر عن الهيئة العامة للمحكمة العليا فيما يعرف بــ"قرار ندب القضاة" بأنه حكم منعدم، وما تبعه من تعليمات صدرت عن الأمانة العامة  تشكل مسًا بحرية القاضي بالتفكير وتتناقض مع مبدأ استقلال القضاء.

وقال المستشار عيسى أو شرار رئيس مجلس إدارة الهيئة الأهلية لاستقلال القضاء وسيادة القانون (استقلال) ورئيس المحكمة العليا الأسبق، إن ما صدر عن الهيئة العامة للمحكمة العليا الفلسطينية  تحت مُسمى حكم رقم 1 / 2015 هو حكم منعدم لأنه لم يصدر بما للهيئة العامة من سلطة قضائية، أي أنه لم يصدر في خصومة قضائية بالمعنى المحدد في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم (2) لسنة 2002 ، كما أننا لا نستطيع وصفة بفتوى أو إبداء رأي لأنه صادر عن هيئة قضائية وليس في معرض طلب فتوى ولإبداء رأي. ولأنه حكم منعدم فإنه لا يمكن تصحيحه بإجراء لاحق ولا يمكن التنازل عنه. وفي الحقيقة فإننا نرى أنه عبارة عن توجيهات وإرشادات لرؤساء المحاكم على ضوء تعميم امين عام مجلس القضاء الأعلى ، وكونه تعميمًا فإنه يمس بحرية القاضي في ابداء الرأي وحرية التفكير والاجتهاد ويتنافى مع ابسط قواعد وقيم استقلال القضاء .

وجاءت أقوال المستشار أبو شرار خلال ورشة نظمتها الهيئة الأهلية لاستقلال القضاء وسيادة القانون ضمن برنامج المنتدى الأهلي لإستقلال القضاء ,والتي أدارها المحامي رائد عبد الحميد بحضور عشرات الشخصيات القانونية والحقوقية وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ونقابة المحامين حيث أبدى العديد منهم عن استهجانه لما صدر عن الهيئة العامة للمحكمة فيما دعا البعض الى استيضاحات أكبر حول مكامن الخلل في قرار الهيئة العامة.

ونص الورقة التي قدمها رئيس المحكمة العليا الأسبق المستشار عيسى أبو شرار:

تعليق على حكم الهيئة العامة للمحكمة العليا الفلسطينية
رقم 1/ 2015 تاريخ 19 /3 /2015

لقد انعقدت الهيئة العامة للمحكمة العليا الفلسطينية بدعوة من رئيسها إستناداً للمادة (25) من قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم (5) لسنة 2001 كما تعدلت بالقرار بقانون رقم (15) لسنة 2014 للتداول بشأن العدول عن المبدأ القانوني الذي سبق أن قررته محكمة النقض بهيئتها العامة بحكمها رقم 117 /2010 الصادر بتاريخ 21 /6 /2010 وبحكمها رقم 189 / 2010 بتاريخ 5 /3 /2012 وبحكمها رقم 562 /2011 الصادر بتاريخ 13 /6 /2013 المتعلق بموضوع ندب القضاة .

وبنتيجة التداول قررت الهيئة العامة للمحكمة العليا المبادىء التالية :

1 – إن ندب القضاة كقرار إداري ................. يتصل بشخص القاضي .................  يمتنع  على الخصوم الطعن بمشروعيته .

2 – إن الندب كإجراء يُباشره مجلس القضاء الأعلى بإعتباره .....................  هو إجراء يتصل بتشكيل المحكمة ................... ولا شأن له بالتنظيم القضائي ......... .

3 – أن مُباشرة القاضي المنتدب لإجراءات التقاضي سنداً لقرار الندب مشروعاً كان أو غير مشروع لا أثر له على صحة الإجراءات التي يُباشرها القاضي المنتدب .....................  .

4 – العدول عن أي مبدأ قانوني سبق أن قررته المحكمة ..................  .

ولقد قام الأمين العام لمجلس القضاء الأعلى بتعميم هذا الحكم على رؤساء المحاكم النظامية " لأخذه بعين الإعتبار والعمل وفق مضمونه "
وبما أن الهيئة العامة للمحكمة العليا فد عنونت عملها هذا في الديباجة  بأنه " حكم  صادر عن الهيئة العامة للمحكمة العليا " كما أنه جاء  بترويسة الديباجة " حكم الهيئة العامة للمحكمة العليا رقم 1 / 2015 " . وكون الهيئة العامة للمحكمة العليا قد إعتبرت هذا العمل هو حكم صادر عن الهيئة العامة للمحكمة العليا ويمثل مبدأً قانونياً  يتوجب على المحاكم العمل بمقتضاه فقد وجدنا ومن قبيل الحرص على إحترام قواعد ومعاني إستقلال القضاء وسيادة القانون وصحة وسلامة العمل القضائي، التعليق على هذا العمل بكل شفافية وموضوعية  نفعاً للقانون ، وذلك من حيث الصحة ووفقا لقواعد الشكل والأركان الواجب توافرها في أي حكم قضائي  على ضوء النصوص القانونية وفقه القانون  دون أي تعليق منا على مضمون هذا العمل الذي قد يكون بعض أو جُل  ما تضمنه موافق لأحكام القانون .

1) بإستعراض هذا العمل الصادر عن الهيئة العامة للمحكمة العليا لم نجد ما يُشير الى وجود خصومة قائمة أمام محكمة النقض إستدعت  دعوة الهيئة العامة للمحكمة العليا ، وبناء عليه فقد تبين لنا بأنه لا يوجد خصومة بمعنى أنه لا يوجد طعن مُقدم  لمحكمة النقض في خصومة ،و وجدت إحدى دوائرها أو رئيسها أنها بصدد العدول عن مبدأ قانوني سبق أن قررته  ، وكل ما في الأمر أن رئيس المحكمة العليا قام بدعوة الهيئة العامة للمحكمة العليا للتداول بشأن العدول عن المبدأ القانوني المشار إليه في القرار موضوع التعليق دون وجود طعن ودون وجود خُصومة . ولهذا السبب وجدنا أنه من الضروري مناقشة صحة هذا العمل ،وهل نحن أمام حكم تتوافر فيه أركان الحكم حسب التعريف القانوني للحكم ؟، أم أننا امام توجيهات أو إرشادات أو رؤى توصلت إليها الهيئة العامة وعممتها على رؤساء المحاكم .

  2) بالرجوع الى النصوص القانونية في فلسطين وكذلك في التشريعات المقارنة نجد ما يلي :

أ –  مجلة الأحام العدلية – وهي القانون المدني النافذ في فلسطين – فقد عرفت الحكم في                المادة    (  1786)  منها : " بأنه عبارة عن قطع المخاصمة وحسمه إياها " .

ب – كما أن المادة (25 /2) من قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم (5)  لسنة 2001 قد نصت على       ما يلي : " إذا كانت القضية المعروضة عليها تدور حول نقطة قانونية مستحدثة .................... " . وتفسير الفقرة الأولى مرتبط بتفسير الفقرة الثانية وعلى ضوء هذا النص فإن الهيئة العامة تنعقد في دعوى وخصومة .

ج – كما أن المادة (9 /1 /أ ) من قانون تشكيل المحاكم النظامية الأردني رقم (26) لسنة 1952 الذي كان نافذاً في الضفة الغربية قد نصت على ما يلي : "  تشكل محكمة التمييز ................. وتنعقد  من رئيس وقاضيين على الأقل وفي حالة إصرار محكمة الإستئناف على قرارها المنقوض أو كانت القضية تدور حول نقطة قانونية مستحدثة أو على جانب من التعقيد ..................   فتنعقد في هيئة عامة من رئيس وثمانية أعضاء " .

د – لقد نصت المادة (4) من قانون السلطة القضائية المصري على ما يلي :

" تشكل الجمعية العامة لمحكمة النقض هيئتين بالمحكمة كل منها من أحد عشر قاضي برئاسة رئيس المحكمة أو أحد نوابه إحداهما للمواد الجنائية والثانية للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها .

وإذا قررت إحدى دوائر المحكمة العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة أحالت الدعوى إلى الهيئة المختصة بالمحكمة للفصل فيها وتصدر الهيئة أحكامها بالعدول بأغلبية سبعة قضاة على الأقل .

وإذا رأت إحدى الدوائر العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة صادرة عن دوائر أخرى أحالت الدعوى الى الهيئتين مجتمعتين للفصل فيها ، وتصدر الأحكام في هذه الحالة بأغلبية اربعة عشر عضواً على الأقل .

وفي جميع الحالات المشار اليها هناك دعوى بما يعني وجود خصومة .

3 ) وبالرجوع الى فقه القانون الخاص نجد بأن فقهاء القانون قد أجمعوا على أن الأعمال التي يقوم بها القضاء تنقسم الى :
1 – أحكام قضائية .

2 – أحكام أو قرارات ولائية أو رجائية أو اوامر (اوامر على العرائض ) .
3 – قرارات إدارية .
والنوع الأول : هو ما يصدره القاضي أو المحكمة من أحكام في خصومة قضائية .

والنوع الثاني : وهو الأعمال الولائية ،أو الرجائية أو الأمر (الأوامر على العرائض ) حسب تسميتها في قانون البلد موضوع تعليق الفقهاء ، وهي الإجابة على الإستدعاءات التي  تُقدم للمحكمة بشأن طلبات معينة قبل أن تُرفع الدعوى يُجيب عليها القضاء بقرارات أو أوامر لا تأخذ صورة الأحكام وهي لا تتمتع بحجية الأمر المحكوم به .

والنوع الثالث :  وهو الأعمال المتعلقة بالإدارة القضائية ، وهذه الأعمال لا تحوز الصفة القضائية  أو الولائية (الرجائية ) .
وبما أننا أمام عمل صادر عن الهيئة العامة للمحكمة العليا تمت تسميته حكماً فإننا سنعلق عليه كحكم من منظور الشروط الواجب توفرها في الحكم وأركان الحكم ، دون التطرق الى مضمونه .

وبهذا الصدد وبالرجوع الى عدد من فقهاء القانون الخاص وشراح قانون اصول المحاكمات المدنية والتجارية (المرافعات ) نورد ما توصل اليه هؤلاء الفهاء على النحو التالي :
1 – الدكتور احمد ابو الوفا : (نظرية الأحكام في قانون المرافعات الطبعة الثانية /1964 صفحة 33) نجده يقول :

" ............... والقرار لا يُعد مستوفياً شكل الحكم إلا إذا كان مكتوباً وفق ما نص عليه القانون ، وصادراً في خصومة  رُفعت وفق قواعد المرافعات الى محكمة مُشكلة تشكيلاً صحيحاً ومختصة أو صارت مُختصة بعدم التمسك بإنعدام إختصاصها في الوقت المناسب .

كما أنه عرف الحكم بمعناه الخاص بأنه : " القرار الصادر عن محكمة مُشكلة تشكيلاً صحيحاً ومختصة 
( أو صارت مختصة بعدم الإعتراض على إختصاصها في الوقت المناسب ) في خصومة رُفعت إليها وفق قواعد المرافعات ، سواء أكان صادراً في موضوع الخصومة أو في أي شق منه أو في مسألة متفرعة عنه".
إذن الحكم بكل معنى الكلمة ، يتميز بما يلي : -

أولا : أنه يصدر من محكمة تتبع جهة قضائية .
ثانياً : أنه يصدر بما للمحكمة من سلطة قضائية ، أي يصدر في خصومة .

وقد تصيب الحكم شوائب تتصل بالهيئة التي أصدرته أو بتشكيلها أو بإختصاصها أو تتصل بإجراءات الخصومة  التي صدر فيها أو تتصل بإصداره أو تحريره أو النطق به فيكون باطلاً أو قابلاً للإبطال .

أما إذا إنعدم أحد أركان الحكم الأساسية فتجعله والعدم سواء .

2 – أما الدكتور ادوارد عيد ( موسوعة اصول المحاكات ........ ج /4 طبعة 1986 صفحة 211 وما بعدها ) نجده يقول : إن الحكم القضائي : هو القرار الذي يصدر عن هيئة قضائية – قاض أو محكمة – مكونة تكويناً صحيحاً في دعوى مرفوعة إليها طبقاً لقواعد أصول المحاكمات . وهو يتميز بكونه يفصل في منازعة قائمة بين خصوم . وفق القواعد المقررة في قانون أصول المحاكمات .

كما يقول في الصفحة (259) من نفس المرجع ....   يعتبر الحكم معدوماً على الأخص في الحالات التالية:

(1) حالة صدور الحكم مِن مَن لا ولاية له لإصداره ، كأن يصدر مثلاً عن شخص ليس قاضياً ، أو عن قاضٍ لم يحلف بعد اليمين القانونية .
(2) حالة صدور الحكم بدون خصومة فعلية .
(3) في حالة إفتقار الحكم الى شكل الحكم القضائي ............... إفتقاره الى عنصر جوهري في شكله ............  لم يشتمل على المظاهر الشكلية للحكم القضائي ....... أو غير مكتوب .

والحكم  المنعدم لا يمكن تصحيحه ، كما لا يمكن التنازل عن الإنعدام .

3 – كما أن الدكتور نبيل اسماعيل عمر ( قانون اصول المحاكمات المدنية الطبعة الأولى 1996 صفحة 445 وما بعدها ) يقول :بأن تعريف الحكم القضائي حسب الفقه :  هو القرار الصادر من محكمة مشكلة تشكيلاً صحيحاً في خصومة رُفعت اليها وفق قواعد المرافعات .............   .
والحكم القضائي في رأيه هو : القرار القانوني الصادر من شخص له ولاية القضاء في نزاع رُفع اليه ، يبين فيه حكم القانون في هذا النزاع .

والأركان العامة للحكم القضائي هي :
(1) أن يصدر عن قاضٍ له ولاية إصداره .
(2) أن يصدر في خصومة بالمعنى المحدد في قانون المرافعات .
(3) أن يفصل في نزاع .
(4) أن يكون مكتوباً .
ويرى أن الأحام القضائية التي لا يتوافر فيها ركن من أركان وجودها تكون أحكاماً منعدمة لا وجود لها ويمكن عدم الأعتداد بها .
4 – أما الدكتور مفلح عواد القضاة ( قانون اصول المحاكمات المدنية ، الطبعة الأولى صفحة 304 )
فقد حدد أركان الحكم القضائي على النحو التالي :
(1) صدوره عن محكمة مختصة تتبع جهة قضائية .
(2) أن تصدره المحكمة بما لها من سلطة قضائية في خصومة .
(3) أن يكون الحكم مكتوباً في الشكل المقرر بقانون اصول المحاكمات المدنية وهذا ما يجعله يتصف بالشكلية والرسمية .
5- أما الدكتور أحمد المليجي ( الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات الطبعة الثالثة سنة 2004 ) فقد حدد ثلاثة  اركان للحكم وهي : صدوره من محكمة وبناء على سلطة قضائية لا ولائية وهو يصدر في خصومة  وأن يكون مكتوباً .

وعلى ضوء ما اشرنا اليه من نصوص قانونية واراء فقهية فإن ما صدر عن الهيئة العامة للمحكمة العليا الفلسطينية  تحت مُسمى حكم رقم 1 / 2015 هو حكم منعدم لأنه لم يصدر بما للهيئة العامة من سلطة قضائية ،أي أنه لم يصدر في خصومة قضائية بالمعنى المحدد في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم (2) لسنة 2002 ، كما أننا لا نستطيع وصفة بفتوى أو إبداء رأي لأنه صادر عن هيئة قضائية وليس في معرض طلب فتوى ولإبداء رأي.ولأنه حكم منعدم فإنه لا يمكن تصحيحه بإجراء لاحق ولا يمكن التنازل عنه . وفي الحقيقة فإننا نرى أنه عبارة عن توجيهات وإرشادات لرؤساء المحاكم على ضوء تعميم امين عام مجلس القضاء الأعلى ، وكونه تعميماً فإنه يمس بحرية القاضي في ابداء الرأي وحرية التفكير والإجتهاد ويتنافى مع ابسط قواعد وقيم إستقلال القضاء