دراسة: 73% من مياه قطاع غزة ملوثة بيولوجيا

09/11/2014

غزة- وطن للأنباء: تعد قضية المياه من أكثر القضايا سخونة على الساحة الغزية بعد أن عمد الاحتلال الإسرائيلي في حربه الـ"51" يوما إلى تدمير شبكات ومحطات وآبار المياه، إضافة إلى ضرب مصادر المياه مما أدى إلى اختلاط مياه الصرف الصحي بمياه الخزان الجوفي – الشرب- في بعض المناطق بحسب السكان والمؤسسات ذات العلاقة،  ويرى مختصون أن زيادة التلوث الذي أصيبت به المياه ناجم عن استخدام قوات الاحتلال مواد كيماوية حملتها الآف الأطنان من المتفجرات التى ألقيت على القطاع، وان هذه المتفجرات لها أثر كبير على تلوث المياه والهواء والتربة.

وكانت مصلحة مياه بلديات الساحل قالت، في بيان صدر مؤخراً إن القصف الإسرائيلي دمر نحو 26 بئر مياه، وست محطات تحلية و75 كيلومتراً من شبكات المياه و16 خزاناً للمياه، وهو ما سبب إشكالية كبيرة في الحصول على مياه الشرب ومياه الاستخدام العادي.

ويعرب هؤلاء الخبراء والمختصون في الشأن المائي عن تخوفهم من خطورة انسياب مياه الأمطار إلى الخزان الجوفي، محملة بترسبات المتفجرات الإسرائيلية بما تحمله من مواد كيماوية، مما سينعكس سلبا على صحة الإنسان الفلسطيني وإلحاق الكوارث في قطاع غزة، والذي بات يعاني من جملة من الكوارث بفعل الحرب وتداعياتها.

وحذرت تقارير دولية متعددة خلال الحرب الأخيرة من الوضع الكارثي للمياه في قطاع غزة، موضحة  أن مئات الآلاف من السكان في غزة كانوا بدون مياه بعد ضربات جوية  دمرت شبكة المياه والصرف الصحي وان القطاع كله مهدد بأزمة مياه، لاسيما وأنها أصبحت ملوثة والصرف الصحي يفيض ويجلب مخاطر جمة للإصابة بالأمراض.

وأجمعوا إلى أن مشكلة المياه من أبرز القضايا الصعبة التي تواجه فلسطين جراء ندرة كمية المياه نتيجة محدودية المصادر المتجددة والسحب المفرط وغير المراقب من الآبار، وتدني جودة المياه ونوعيتها بسبب التلوث.
ولفتوا في أحاديث منفصلة إلى أن البيئة الفلسطينية والمياه لاسيما في –غزة- باتت مريضة بفعل الدمار الذي لحق بكافة مكوناتها، دون أن يتم استثناء أيٍ منها وان العلاج المطلوب والعاجل إنشاء مختبرات فحص عاجلة.

ناقوس خطر!!

مجموعة الهيدرولوجيين وعلى لسان م. رياض جنينه مدير المجموعة بغزة دق ناقوس الخطر حول تفاقم مشكلة المياه ويقول لـ"افاق البيئة والتنمية"، ان الاحتلال تعمد تدمير شبكات المياه والمحطات والآبار الأمر الذي اثر على تداخل مياه الصرف الصحي ومياه شبكات الشرب، خلال الحرب لافتا الى انه تم العمل مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر على تصليح الخلل بشكل طارئ.

وعن تداعيات الحرب على المياه على المستوى البعيد يقول م.جنينه أن الأمر يحتاج الى معلومات حول كمية المواد السامة التى القتها قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب على غزة ولا سيما على المناطق القريبة من مصادر المياه، "نعم لدينا تخوف كبير اذا ما أثبتت التحاليل أن المواد السامة قد انتقلت مع مياه المطر الى الخزان الجوفي لأن ذلك يعنى اننا مقبلون على كوارث ومصائب لا تحمد عقباها" هكذا يضيف.

ويناشد المسؤولين بالعمل من أجل الحيلولة دون وصول الترسبات – من مواد المتفجرات- الى الخزان الجوفي لأن ذلك سيؤدي الى تفشي الأمراض الخطيرة بين المواطنين .

خطر داهم !!

ويشير إلى أن الخطورة والتخوف ناجم عن تصاعد كميات كبيرة من الجسيمات الكيميائية إلى طبقات الجو العليا، والتي قد تؤثر على الجو والطقس وكمية الأمطار التي قد تسقط خلال فصل الشتاء الحالي وهذا يدلل على أن كمية الأمطار ستكون كبيرة وما يتم وصوله للخزان يشكل خطراً كبيراً.

وتوقع أن تؤثر كميات الأدخنة المختزنة في أجواء قطاع غزة على المنطقة بشكل عام والأراضي الفلسطينية بشكل خاص.
ويوضح أن كميات هائلة من الكيماويات الناتجة عن الأسلحة المستخدمة المحرمة دوليا، اختزنت في الغلاف الجوي فوق مناطق قطاع غزة، وسينتج عنها ردود أفعال جوية والتي ستتمثل في زيادة معدلات هطول الأمطار على المنطقة.
ويقول إن الغازات المنبعثة ستساهم في تشكيل "نواة التكاثف لتشكل الغيوم"، وان تلك الأدخنة المختزنة في الغلاف الجوي ستزيد من فرص تشكل قطرات المطر، وبالتالي زيادة منسوب الأمطار على المنطقة.

تداعيات خطرة

ويشير أن المناطق التي وقعت فيها الحروب والحرائق في العالم في جميع الأوقات تبعها في فصول الشتاء سقوط أمطار كثيفة مشيرا أن الحروب الثلاثة التي تعرض لها القطاع سواء 2008-2009 وحرب 2012 وحرب 2014 جميعها على أبواب فصل الشتاء، محذرا من تلوث الأمطار التي ستتساقط على المناطق الفلسطينية التي قد تحوي مواد كيماوية وتؤدي لإصابة السكان في تلك المناطق بأضرار صحية لا تحمد عقباها، خاصة أن قوات الاحتلال استخدمت في حربها على غزة أسلحة محرمة دولياً بشهادة الخبراء.

ويلفت الانتباه إلى أن (إسرائيل) تحدد موعد الحرب بدقة حتى يكون لها تداعيات سلبية لا تقل خطورة عن مجريات الحرب، مطالبا الجهات المختصة بضرورة إخضاع قطاع غزة تربة وجواً وسكاناً ومياه لأبحاث علمية دقيقة لمعرفة المخاطر الناتجة عن استخدام الاحتلال لأسلحة محرمة في حربها على القطاع وإمكانية تفاديها.

وفيما يتعلق بالمختبرات يقول م. جنينه أننا نفتقر لتلك المختبرات وكان لزاما على المسؤولين العمل على إنشاء مختبرات متخصصة منذ الحرب 2008-2009 لأننا كل يوم نتكبد خسائر وكوارث عديدة بفعل الاحتلال وممارساته(...) نعم نحتاج إلى مختبرات متخصصة لا سيما بعد تدمير المختبرات الحكومية.

ويتابع ، نعترف ليس لدينا الإمكانيات للوقوف على حجم التلوث الذي أصيبت به المياه في ظل فقدان المختبرات والمواد الكيميائية والأجهزة اللازمة لعملية التحليل، والوقوف على حقيقة المواد السامة التي ألقيت على القطاع وتأثيرها على الخزان الجوفي.
وعن زيادة نسبة المياه غير الصالحة للشرب عن ال95% يقول م. جنينه أن هذه النسبة كانت في ازدياد قبل الحرب، فكيف إذاً بعد الحرب فلا شك أنها تقترب من تحطيم الرقم لتصبح 100%.  خاصة وأن العديد من الآبار تملحت بفعل السحب دون حقن للخزان الجوفي، في ظل عدم مقدرة مصدر التغذية من تغذية الخزان وتعويض السحب.

ويري ان الحرب زادت من نسبة تلوث المياه بالكيماويات وهو ما ستثبته عينات التحليل.
ويقول: "الوضع البيئي يزداد سوءا وهناك تراكمات سامة في البيئة الفلسطينية بكل جوانبها، وبالتالي فإن انعكاسات ذلك ستكون خطرة جدا"، مضيفاً أن التربة والهواء والمياه والمؤشرات السلبية على الصحة وازدياد الوضع الصحي سوءا مع تفاقم الحالات المرضية أمر متوقع، والقادم اسوأ لأن جميعها كان له نصيب من التلوث.

المطلوب بحوث علمية

بدوره يقول م. بشار عاشور المختص في شؤون المياه أن التعرف على نسبة المواد السامة الناتجة عن تسرب مخلفات النفايات الخطرة بسبب انحلالها في المياه تحتاج إلى مراقبة وبحوث علمية معمقة، ولكن المعلوم أن الموارد المائية في قطاع غزة تنضب، وان سرعة تسرب المواد إلى الخزان الجوفي تحتاج إلى فترات لا بأس بها.

ويتابع ان العلاج يكمن في سياسة وطنية واحدة لمواجهة الأخطار، مضيفا انه اذا اكتشفنا المشكلة فهل هناك آليات للتدخل والتغيير من قبل الحكومة - سلطة المياه -  وهل هناك دور مفترض للمجتمع الدولي في هذا الموضوع في حالة الحديث عن جرائم حرب حدثت في قطاع غزة. ويبين أن قطاع غزة يعتمد على اكثر من عشر آلاف من الآبار والتي تستخدم كلها للزارعة التي توفر القوت اليومي لمزارعي القطاع والغذاء لكل سكان القطاع،  وان اي تأثير يحصل على  مياه الري يمكن ان يؤثر على المنتجات الزراعية، لافتا الى وجود مواد خطرة يمكن ان يزداد تركيزها في مياه الشرب او مياه البلديات، لذا لا بد ان يكون هناك جهة حكومية تنظم وتحذر في حالة عدم امكانية استخدام المياه وأن تحيط المواطن بخطورة الاستعمال.

ويقول من يمكنه أن يتحرك فليفعل شيئاً، لأن الجرائم بحق البيئة لا ترتبط بالقذائف وحدها -دون الاستهانة بمدى تدميرها للبيئة- فهناك الكثير من الممارسات خلال الحرب تعتبر جرائم بيئة من شأنها التأثير على واقع الحياه في غزة، من تدمير الغطاء النبائي وضخ مياه المجاري خلال عمليات إغلاق الأنفاق (المنطقة الوسطى ) حرق مكبات النفايات التي بقيت مشتغلة طول فترة الحرب. ويؤكد أن المياه ضحية للحرب كما هي ضحية للاحتلال.

إرهاصات تفاقم أزمة المياه

بدورة يشير الدكتور عدنان عايش خبير المياه إلى أن إرهاصات تفاقم أزمة المياه تزداد مع كل عدوان إسرائيلي جديد على القطاع، وأن أي تأجيل لمعالجة هذا الموضوع سيقود إلى تدهور إضافي في الأوضاع، مؤكداً أن الأمن المائي مفقود بسبب تداخل مياه البحر بالمياه الجوفية وتزايد ملوحتها، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة النترات الأمر الذي يسبب العديد من الأمراض الخطيرة كالسرطان والفشل الكلوي والأنيميا لدى الأطفال ولدى الرضع ومرض "ميتاهموجلوبينيميا" (متلازمة "الأطفال الزرق") التي قد تسبب الاختناق والموت، لافتاً إلى أن تقديرات سلطة المياه الفلسطينية التي تشير إلى أن حوالي 40% من الحالات المرضية في قطاع غزة مرتبطة بتلوث مياه الشرب.

ويشدد الدكتور عايش على ضرورة تحمل الجهات المختصة مسؤولياتها ومراقبة محطات التحلية التجارية ومتابعة موزعي المياه على المواطنين، مشيراً إلى أن دراسة سابقة أجرتها مجموعة الهيدرولوجيين بالتعاون مع اليونسيف كشفت أن 73% من تلك المياه ملوثة من الناحية البيولوجية، وأن 95% من المياه في قطاع غزة غير صالحة للشرب.

ويوضح د.عايش بأن المعهد بتمويل من سلطة المياه الفلسطينية، يعكف الآن على تحليل عينات للتربة من أماكن تعرضت للقصف والتدمير للتأكد من عدم وجود أي مواد مضرة أو مشعّة قد تزيد من تلوث الخزان الجوفي، لافتاً إلى أن المعهد قام منذ اللحظة الأولى بجمع تلك العينات التي تخضع الآن للفحص المخبري الدقيق باستخدام جهاز (ICP) أحد أهم وأحدث الأجهزة التي تقوم بتحليل العناصر الثقيلة كالفوسفور والرصاص والكادميوم والألمونيوم والنحاس والزئبق، إضافة إلى العناصر المشعة كاليورانيوم.

وتبقى المياه ضحية للاحتلال وممارساته كما الإنسان الفلسطيني والعديد من التقارير ذات العلاقة، التي تؤكد ان واقع المياه مخيف، وأن القادم هو الاسوأ اذا ما استمر الأمر على علاته .

 

خاص بأفاق البيئة والتنمية