أقزام في زمن العمالقة

15.07.2014 11:29 AM

كتبت رئيسة التحرير: سائدة حمد

في اللحظة التي انحنى التاريخ إجلالا للشهداء الأطفال والشباب والأمهات في غزة. في اللحظة التي انتصر الجرح النازف على السيف، ونهض الفلسطيني من داخل أرضه وفوق تراب وطنه، حيث للمرة الأولى تحلق طائرات "أبابيل" الفلسطينية فوق وزارة الحرب الإسرائيلية في "تل أبيب"، وفي اللحظة التي فيها كان أحد أطفال غزة الذي لم يتجاوز عمره الأربع سنوات يتوسل الى أمه ان تعيده الى رحمها لحمايته من نار المحرقة الاسرائيلية، متوسلا طفولة لا تعرف الحصار، في اللحظة التي استشهد فيها تحت هذا الحصار، في قمة لحظة انتصار الارادة الفلسطينية، ممثلة برد مقاومة "البنيان المرصوص" في لحظة العزة الفلسطينية المدوية، إنطلقت أصوات نشاز تُحسب لهجتها على الشعب المصري العظيم من على شاشات التلفزيون مطالبة جيش الاحتلال بقصف الفلسطينيين وعدم الاكتفاء بالعدوان جوا، و"الدخول إلى غزة لإعادة الأمور وترتيبها من جديد" وفقا لما جاء على لسان إحدى المذيعات النشاز قبل يومين، ومنع  إدخال قوافل الأدوية التي تبرع  بها الشعب المصري، كما ورد على لسان مذيع آخر، ومطالبة "قطر او تركيا" بإرسال "طائرات خاصة" تنقل الجرحى الفلسطينيين جوا، مباشرة من غزة إلى هذين البلدين كي لا تطأ أقدام الغزيين أرض مصر الكنانة، كما ورد على لسان "فنانة" أخرى.

سبعة أيام، وعشرات الملايين من المصريين يسمعون هذا الخطاب الإعلامي الذي لم نسمعه منذ أيام السادات، ولم يجرؤ نظام حكم حسني مبارك على الجهر به.

سبعة أيام وحمم النار تمطر على غزة، بينما حمم كلمات التجييش ضد  الفلسطيني تسقط من أفواه تتكلم العربية، تكاد تحسبها عبرية، تتحدث عن "بؤر إرهاب حماس" وتحجب دموع الأطفال ومشاهد الزلزال البشري المدمر للمنازل والمباني عن شاشاتها، وتكرر الرواية الاسرائيلية، كما ورد على لسنا إحداهن، قصف المدنيين، باخفاء منصات الصواريخ داخل منازل المدنيين.

نسي هؤلاء أن الفلسطينيين الذين تزدحم بهم غزة  التي وصفتها هذه الفنانه وكأنها نكرة "هذا القطاع"، هم من اللاجئين الذين كانت لهم بياراتهم وبيوتهم الحجرية الفخمة وحدائقهم، وعزتهم، وسلبها المحتل منهم، كما سلب أرواح المصريين في مذبحة "بحر البقر" وأعدم مئات الجنود المصريين دون أن يرمش له جفن. نسي هؤلاء أن المقصود ليس الفلسطيني، بل الأمن القومي المصري، فشعار المحتل "أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل".

سبعة أيام من "الردح" بالعربي والشتائم والدعوات لمزيد من سفك الدم الفلسطيني وقصف الآمنين لـ"تأديب حماس"، وسبعة أيام من القصف بالعبري والتدمير والقتل وبتر الأعضاء وتفتيت الأجساد الغضة وتحويلها الى أشلاء "لنزع سلاح" المقاومة  وجرها خاضعة مذلولة إلى اتفاق "وقف إطلاق نار" جديد قديم بـ"رعاية مصرية" أيضا كما حدث في عهد حكم محمد مرسي، لتعود غزة مرة أخرى تحت الحصار، حصار من ذوي القربى ومن الأعداء. هي محاولة أخرى من بين مئات المحاولات ليبقى الفلسطيني محتلا مستعمرا، فقيرا، يستجدي فتات العرب، ومستكينا خاضعا ذليلا أمام المحتل.

يعي الفلسطيني  أن هذه الأصوات النشاز لا تعبر عن شعب مصر العظيم، بل جزء من المحاولة الأخرى، بل المحاولة الأخيرة، لفصل فلسطين عن مصر التاريخ والعزة، ولإعادة إحساس الفلسطيني بالخذلان من بني جلدته.

إنها المفارقة التاريخية، أن يتمكن الفلسطيني أخيرا من كتابة صفحة مشرقة في تاريخه النضالي، وألا يرضى بأقل من رفع حصار ظالم طاول الدواء والماء والكهرباء والوقود والغذاء، بينما العرب، يسمحون لهؤلاء أن يعتلوا المنصات ويحتلوا الشاشات في عصر التكنولوجيا و"حرية الرأي" بنكهة أميركية- اسرائيلية أن ينهشوا في جسد شعب لم ينهكه الحصار ولا المؤامرات.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير