الأحياء الاستعمارية المغمورة بالمياه تحاصر الأحياء الفلسطينية المقدسية وتتلذذ بتعطيشها: مخيم شعفاط نموذجاً

05.06.2014 10:39 AM

رام الله - وطن بالتعاون مع افاق البئة والتنمية - كتب جورج كرزم : منذ أوائل آذار الماضي وحتى كتابة هذه السطور في أواسط أيار، يعاني عشرات آلاف المقدسيين الفلسطينيين في القدس المحتلة من انقطاع كامل للمياه العذبة.  الأهالي هناك، هم ضحايا بنية تحتية متهالكة تماما تقع في منطقة عالقة بين غياب "الولاية القانونية" للسلطة الفلسطينية، والإهمال المطلق لبلدية الاحتلال التي تتبع القدس الشرقية رسميا لنطاق صلاحياتها وولايتها.  فأهالي مخيم شعفاط للاجئين الفلسطينيين تحديدا، يعتبرون تقنيا، بحسب صفقة أوسلو الاستعمارية، جزءا من البلدية الإسرائيلية؛ إلا أنهم يعيشون خلف الجدار الكولونيالي العنصري الذي أنشأه الاحتلال، فجعل الخدمات الإسرائيلية هناك متناثرة وضئيلة.  وفي المقابل، يحظر على السلطة الفلسطينية العمل هناك أو تطوير البنية التحتية للمياه.  الجدار الكولونيالي الذي أقيم في الجهة الغربية للمخيم، يحاصره ويعزله كليا عن مدينة القدس، أي أنه أصبح خلف الجدار. 

سلطة المياه الإسرائيلية تزعم بأن نظام الأنابيب القائم في المخيم لا يمكنه التعامل مع النمو السكاني السريع في المنطقة، وأنها "تسعى جاهدة" لحل المشكلة.  وفي أوائل نيسان، منحت ما يسمى "المحكمة الإسرائيلية العليا" ستين يوما للمسؤولين الإسرائيليين لإيجاد حل لأزمة المياه.  أي، لا بأس من أن يعاني أهالي المخيم من العطش لشهرين إضافيين، وبقرار رسمي من محكمة الاحتلال. 

ومع اقتراب موسم الصيف الحارق، يزداد سكان المخيم يأساً؛ فالمهام الأساسية مثل تنظيف الأسنان والاستحمام أصبحت ترفا.  عائلات المخيم غالبا ما ترسل ملابسها إلى الأقارب في أحياء أخرى من المدينة لغسلها.

ويشكو الفلسطينيون منذ فترة طويلة بأن بلدية الاحتلال في القدس تهمل ترميم وشق الطرق، وتطوير المدارس وتوفير الخدمات العامة في الأحياء العربية من القدس الشرقية.  ومنذ إنشاء الجدار العنصري في العقد الماضي، ازداد الوضع سوءا بالنسبة لمناطق مثل مخيم شعفاط. 

الجدار قَطَّع بعض الأحياء المقدسية إلى نصفين، وترك آلاف الناس خارجه؛ بحيث أن أي شخص يرغب في الدخول أو الخروج من مخيم شعفاط، على سبيل المثال، يجب أن يمر عبر حاجز تفتيش إسرائيلي.

يقول السكان بأنهم بدأوا لأول مرة يشعرون بأزمة المياه في آذار الماضي، عندما تم قطع المياه في الرابع من آذار تحديدا؛ ومنذ ذلك الحين، أصبحت خدمة المياه نادرة، وغالبا ما تكون غير موجودة.  سكان المخيم، يضطرون شراء زجاجات أو صفائح المياه الكبيرة.
وبسبب النقص الشديد في المياه طيلة أسابيع طويلة، انعدم الضغط الهيدروليكي اللازم لرفع المياه إلى أسطح المنازل، ما أرغم المواطنين اليائسين على إنزال خزانات المياه التي على الأسطح إلى مستوى الأرض، وبالتالي ملئها يدويا.
لقد أصبح أمرا مألوفا رؤية الشباب في المخيم يحملون أو "يجرجرون" حاويات مياه بلاستيكية كبيرة إلى منازلهم.  ومن المشاهد المعتادة أيضا ذهاب أولاد ورجال المخيم إلى مدرستهم وعملهم دون اغتسال بالمياه.  وأحيانا قد تدخل الحمام فتشعر بالاشمئزاز، وخصوصا عندما يستخدمه الكثيرون في غياب المياه لتنظيفه.

وقاحة المستعمِر
المسؤولون الإسرائيليون مرتبكون في كيفية شرح سبب أزمة المياه، علما أن المخيم عانى من نقص المياه في الماضي، ولكن المواطنين يقولون بأن هذا العام هو الأسوأ.  وزعم مسؤولون إسرائيليون بأن الشتاء الجاف بشكل استثنائي هذا العام قد يكون هو السبب.  وبالطبع، يعتبر هذا الزعم كاذبا وغير ذي صلة، لأن المستعمرات المحاذية للمخيم وعلى مسافة أمتار قليلة منه، مثل "بسغات زئيف"، تتمتع بمياه غزيرة دون انقطاع طيلة أيام السنة، ومهما جف الشتاء أو انحبست أمطاره.

الفلسطينيون في القدس الشرقية، وعلى النقيض من الفلسطينيين في سائر أنحاء الضفة الغربية، لديهم حقوق الإقامة الإسرائيلية، ما يعطيهم القدرة على التحرك بحرية داخل "إسرائيل"، ويمنحهم حق الحصول على الرعاية الصحية الإسرائيلية ومزايا اجتماعية أخرى.

وبسبب خوفهم من فقدان حقوقهم إذا ما غادروا حدود المدينة التابعة لبلدية الاحتلال، شهد المقدسيون في الأحياء العربية الواقعة على الجانب الإسرائيلي من الجدار، ارتفاعا هائلا في أسعار العقارات خلال السنوات الأخيرة.
المناطق التي تقع خلف الجدار (في جانبه الشرقي) مثل شعفاط، شهدت موجة من البناء العشوائي والفوضوي، بسبب بحث الناس عن مساكن أرخص داخل حدود بلدية الاحتلال.  ونادرا ما تدخل طواقم العمل الإسرائيلية إلى هذه المناطق، بزعم خوفهم من مواجهات مع السكان المحليين.

مخيم شعفاط الذي سلخه الجدار العنصري كليا عن مدينة القدس، لا تدخله السلطات الإسرائيلية التي كانت تهمله أصلا  قبل إقامة الجدار؛ فلا تمديدات للمياه ولا بنية تحتية، بل إن نظام المياه المتهالك القائم قد انهار، ولا توجد أية جهة تتحمل المسؤولية.  وبطبيعة الحال، عدد السكان يزداد ارتفاعا باستمرار.
سلطات الاحتلال التي لم تسهم في إنشاء وتطوير الحد الأدنى من البنية التحتية للمخيم، تتذرع بزعمها القائل إن 97% من المواطنين هناك لا يدفعون ثمن فواتير المياه.

شركة "هَغِيحون" الإسرائيلية المزودة للمياه في القدس، تزعم أن بوسعها عمل القليل؛ فبحسب الشركة، تكمن المشكلة في النمو السكاني المتسارع، ونقص التخطيط العمراني السليم وتفشي ما تسميه استخدام أنابيب "القرصنة" غير المصرح بها التي طغت على البنية التحتية.  لكن الشركة لم تسأل نفسها عن الجهات الرسمية والحكومية التي يفترض بها أن تتحمل المسؤولية عن أوضاع البنية التحتية والخدمات المزرية واللاإنسانية في المخيم الذي يقع تحت "الولاية القانونية" للاحتلال؟  إيلي كوهين نائب مدير الشركة الإسرائيلية قال بأن نظام المياه أقيم في حينه لخدمة حوالي 15,000 نسمة، إلا أن عدد السكان قد تضخم إلى ما بين 60,000 و80,000 شخص؛ وزعم أيضا بأن منازل قليلة فقط بحوزتها عدادات مياه، ما يعني أن نحو 97% من السكان لا يدفع ثمن مياههم (يديعوت أحرونوت، 8 / 4/ 2014).

سلطة المياه الإسرائيلية نفت عنها أي مسؤولية وقالت بأنها تشرف على محاولات شركة "هَغِيحون" لإيجاد حل.
في المقابل، الحي الاستيطاني المسمى "بسغات زئيف" المحاذي للمخيم، على مسافة بضع مئات من الأمتار داخل الجدار، لا يعاني من شح المياه والعطش.  الأحياء الاستعمارية التي تحاصر وتخنق الأحياء العربية في القدس مغمورة بالمياه ومكسوة باللون الأخضر؛ في وقت تحاذيها الأحياء الفلسطينية القاحلة التي تخضع لسياسة التعطيش.  وبينما تجف حنفيات المياه في مخيم شعفاط، فإن أنابيب المياه الإسرائيلية الغليظة تتجه نحو المستعمرات والأحياء الاستيطانية في القدس؛ حيث تواصل المياه تدفقها بغزارة غير محدودة في صنابير المستعمِرين.  ومع ذلك، يتبجح إيلي كوهين بوقاحة المستعمر قائلا بأن "في بسغات زئيف بنية تحتية معترف بها، ويدفع السكان هناك ثمن المياه التي يستهلكونها" (أو بالأحرى التي ينهبونها- ج. ك.) "مثلهم في ذلك مثل الزبائن الإسرائيليين الآخرين" (المصدر السابق). 
وكما ذكرت في مقالة سابقة، فإن الرفاهية المائية التي يتمتع بها الإسرائيليون هي الوجه الآخر البشع للمشروع الاستعماري الاستيطاني الاقتلاعي الذي، وكي يتمتع بالوفرة الرخيصة غير المحدودة من المياه العربية المسروقة، وكي يضمن تعزيز هذا المشروع واستمراريته، يجب عليه ضمان استمرارية التسول الفلسطيني لمياهه المنهوبة من المحتل.

كما أن السيطرة الإسرائيلية على المياه ونهبها- والرضى الفلسطيني الرسمي الضمني على ذلك من خلال الاتفاقيات الموقعة ومن خلال عدم رفع قضايا في المحاكم الدولية تقاضي إسرائيل على جرائمها البشعة ضد الإنسانية- هذه السيطرة وهذا النهب شكلا وسيلة احتلالية خفية هامة لتسهيل مشاريع التطهير العرقي للفلسطينيين، ولتعزيز الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية.  أما سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني، فمحظور عليها العمل داخل حدود مدينة القدس، بل هي، من الناحية الشكلية والرسمية، مسؤولة عن إدارة الموارد المائية وتوزيعها في نطاق حدود مناطق الحكم الذاتي.  لكن، من الناحية الفعلية، "الإدارة المدنية" وشركة "مكوروت" الإسرائيليتين، هما اللتان تملكان السيطرة الفعلية على مواردنا المائية، وتحددان الكميات والحصص المائية واستخدامها وإدارتها.
وفي غضون ذلك، أهالي مخيم شعفاط مرغمون على شراء المياه المكلفة، والانتظار ريثما تحل عليهم "رحمة" الاحتلال.

تصميم وتطوير