السياسة الأمريكية تسليم بفشل جهود التسوية ام تراجع للنفوذ! - بقلم : أحمد حنون
هل تسلم الولايات المتحدة الامريكية لفشل جهود التسوية التي يتابعها وزير الخارجية الامريكي جون كيري ؟ ام تقبل بالتراجع الحاد الظاهر على نفوذها بالمنطقة والعالم ! وخصوصا بعد الاعلان الامريكي الصريح بالتوقف ( المؤقت ) لجهود الادارة الامريكية لعملية السلام ، ادارة اوباما تخطت الازمة المالية التي شكلت التحدي الحقيقي للادارة الامريكية ، تحسين صورة امريكا على جدول اعمال الرئيس الامريكي ، وموضع سؤال وجهد كبير في الوقت الذي فشلت في تغيير صورتها بعد من حربها في افغانستان والعراق والفشل في استراتيجية دعم دول الربيع العربي في ليبيا وتونس ومصر وسوريا في اطار شرق كبير معتمدة على نظرية الفوضى الخلاقة ، وفشلت في تسويق الاخوان المسلمين كحصان رابح للمرحلة القادمة ، اضافة للاحراجات العلنية المتتالية التي التي تعرضت لها من الحكومات الاسرائيلية وحكومة نتنياهو والتي اضرت بمكانة الولايات المتحدة الامريكية ، واكثر من ذلك انها زادت الخطر على جنودها في العالم بسبب الانحياز لاسرائيل ، رغم النصائح العلنية المتأنية والفضائح لاسرائيل التي وصلت الاعلام على لسان وزير الخارجية الامريكي بانها اذا لم تنهي احتلالها للفلسطينيين ستتحول الى دولة ابارتهايد ، وكذلك تحميله لاسرائيل المسؤولية عن فشل المفاوضات بسبب الاستيطان وعدم الالتزام في احترام تعهداتها ، رغم ما قدمته لها من مغريات وتنازلات لاول مرة من قبل الادارة الامريكية فيما يتعلق بامكانية الافراج عن الجاسوس الاسرائيلي جوناثان بولرد ـ الذي رفض بشكل قطعي اخر رئيسين التوقيع على طلب الافراج عنه ـ مقابل اطلاق سراح الدفعة الرابعة من الاسرى قبل اوسلو ، استخدمت إسرائيل المعلومات التي نقلها بولارد كثيرًا. ومن بين تلك الأمور، فقد استخدمت هذه المعلومات لإعداد أسلحة دفاعية ضدّ أسلحة الدمار الشامل لدى البلاد العربية بل ولعمليات هجومية، وكانت أشهرها قصف مقرّ منظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط في تونس في تشرين الأول عام 1985، وهذا يعني ان بولرد متورط بالدم الفلسطيني .
وصولا الى تصريحات تسريبات حول موقف السفير مارتن اندك بان الاستيطان الاسرائيلي وبناء اكثر من عشرة آلاف وحدة سكنية في مناطق الضفة الغربية اضافة للالاف الوحدات الاستيطانية الاخرى ، وأشار بالتفصيل إلى اجراءات اسرائيلية لبناء منازل اضافية للمستوطنين اليهود في الضفة الغربية المحتلة قائلا انها كانت من العوامل الرئيسية التي قوضت المفاوضات ، وقال انديك ان هذا الاجراء تسبب في توقف المحادثات لانه ساعد في اقناع عباس بأنه ليس لديه شريك جاد في التفاوض يتمثل في شخص رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.
قد يكون الجهد الامريكي قد توقف وقتيا ولكن هناك مصلحة امريكية كبيرة في الوصول الى اتفاق اطار بين الفلسطينيين والاسرائيليين ، لان خلاف ذلك يعكس حالة من الفشل الذريع للادارة الامريكية واضمحلال بائن لنفوذها بالمنطقة وتطابق كبير مع تقرير بيكر هاملتون .
دخل نتنياهو على خط المنافسة الرئاسية لانتخابات الرئاسة بدعمه العلني لميت رومني ، واتصاله بعد اسبوع من الفوز بالرئيس اوباما لتهنئته ، هذا بالرغم ان غالبية يهود الولايات المتحدة الامريكية صوت الى اوباما، وان اللوبيات الداعمه لاسرائيل في وضع تطابق كبير وتأييد لسياسة اوباما الخارجية في ضرورة التوصل لاتفاق سلام يغطي على الفشل الامريكي المزمن ، ويوفر الامن للجنود الامريكيين بوصف هذا الامر جزء من الامن القومي الامريكي .
لم تبدأ القطيعة بين الادارة الامريكية وحكومة نتنياهو ، وهذا مفهوم بحكم العلاقات المميزة الاستراتيجية التاريخية ... ، رغم خروج اسرائيل عن مواقف الحليف الامريكي فيما يتعلق بكثير من الازمات ، ليس بدءا بموضوعات تكنولوجيا الصناعات العسكرية ولا انتهاء بالموضوع الايراني الذي تعتقد اسرائيل انه يحل على حسابها كما يعتقد العرب ، وصولا للفشل الواضح العلني المتكرر لادارات الجمهورية والديمرقراطية في فترة الرئيس الامريكي كلينتون وكذلك الرئيس اوباما ، وتجاوز تقرير تنت وميتشل المتعلق بعقبة الاستيطان امام جهود السلام وخطة خارطة الطريق التي احترم الفلسطينيون كل الالتزامات المطلوبة منهم ونفذوها ، وصولا الى فشل مهمة ميتشل كمبعوث الرئيس الامريكي اوباما لعملية السلام، وجهود وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون ، ولم يتوقف عند هذا الحد ولكن فضائح التجسس الاسرائيلي على المسؤولين الامريكيين آخذه بالتوسع ، وبذلك فان امام اسرائيل خيار تسهيل التوصل لاتفاق سلام او حصول تحول جذري في الموازين السياسية في اسرائيل ، لمواجهة ازمة الثقة مع الفلسطينيين الذين توصلوا الى نتيجة مفادها انه ليس لديهم شريك يعتمد عليه لهذا النوع من حل الدولتين ، او الدخول في ازمة حقيقية بين الادارة الامريكية واسرائيل .
في حين علقت اسرائيل المحادثات يوم 24 ابريل نيسان بعد الاعلان عن بدء تنفيذ اتفاق مصالحة بين منظمة التحرير وحركة فتح بزعامة الرئيس محمود عباس وحركة حماس ، وهي الخطوة صورتها اسرائيل على انها المسمار الأخير في نعش المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة، وقد وصف انديك القرار الفلسطيني بتوقيع 15 معاهدة دولية - فيما بدا انه لفتة تحد لاسرائيل التي تعتقد ان مثل هذه الاجراءات ربما تضفي شرعية على الفلسطينيين - بأنه "غير بناء بوجه خاص".
وبشكل رئيس فان الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة ساهمت في حالة التراجع التي في النفوذ الامريكي في المنطقة وتشجيع الكثيرين لقول لا للولايات المتحدة الامريكية ، ونتيجة للفشل المتراكم وبشكل اكبر فيما يتعلق بفشل المفاوضات بسبب الانحياز الكامل لاسرائيل والخضوع للرغبات الاسرائيلية وكذلك المماطلة والاحراج الاسرائيلي المستمر بسبب مواقف الحكومات الاسرائيلية.
مقابل ذلك فان اطراف المفاوضات تعلمت من تجارب الماضي فالرئيس ابو مازن حرص ان لا يتم القاء اللوم وتحميل الفلسطينيين مسؤولية الفشل ونجح في ذلك ، والحفاظ على المصالح الفلسطينية في المفاوضات ، نتنياهو لا يرغب في تقديم عروض معقولة للفلسطينيين على غرار باراك او اولمرت ، وكذلك الاستمرار في الاستيطان بل تكثيفه ووضع الشروط ( مثل الاعتراف بيهودية الدولة ) والعقبات والمطالبات الاسرائيلية لنسف المفاوضات ، اضافة للماطلة وعدم احترام المواعيد كمواعيد متفق عليها للتنفيذ او الوفاء بالالتزامات المطلوبة من اسرائيل الا ما تتطوع بتنفيذه من جانب واحد بشكل باهت في موضوعات ليست حيوية ، الراعي الامريكي حاول الانتقال من صيغة الى اخرى وصولا لاتفاق اطار، حاول الابتعاد عن تحميل اسرائيل مسؤولية فشل المفاوضات ، وان توقفت المفاوضات مؤقتا فان الادارة الامريكية ترغب في انتهاج اسلوب كامب ديفيد بعدم التسليم بالفشل والاستمرار في المحاولة حتى تنجح ، لان الامر يستحق بالنسبة للادارة الامريكية وذلك بدلا من ترك الطرفين يواجهان بعضهما في استعراض للعض على الاصابع بينهما او نشوب انتفاضة جديدة او عنف بحسب التقديرات الاسرائيلية كما حصل عام 2000 الامر الذي لم تمنعه الولايات المتحدة في ذلك الوقت وادارت الظهر الامر الذي عقد الامور وجعل من الاشتباك السياسي اشتباك على الارض دونما ثني اسرائيل عن ذلك ، فمهمة الادارة الامريكية الوصول الى اتفاق وكذلك منع نشوب اعمال عنف بين الجانبين ، وهذا ما فعلته استجابة لتجارب الماضي بالاعلان ان على اسرائيل التعامل بشكل جدي مع عصابات تدفيع الثمن الارهابية .
الامر الذي يعني اننا امام حالة انتظار لن تطول لنرى الى اين ستذهب الامور .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء