أولمرت ورابين ومفارقة اغتيال السلام - بقلم الأسير:ماهر عرار
مؤخرا قضت محكمة إسرائيلية على رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت بالسجن الفعلي ست سنوات بعد إدانته في قضية فساد تعرف بأسم فضيحة هولي لاند ...وتعود قضية الفساد التي تورط بها ايهود أولمرت إلى منتصف التسعينات إبان توليه منصب رئيس بلدية القدس المحتلة،غير أن إثارة هذه القضية وتحريكها قضائية تمت بعد اكثر من عشر سنوات على إرتكابها ،في وقت كان يشغل خلاله اولمرت رئاسة وزاء دولة إسرائيل عام 2008 .. في هذه الاثناء كان أولمرت يجري محادثات ثنائية مع الرئيس الفلسطيني أبو مازن في القدس استمرت لأشهر حققت تقدما ملحوظا حيث أبدى أولمرت أنفتاحا في قضايا الوضع النهائي التي كان يدور النقاش حولها، وقد أشار إولمرت في غيرة مرة وفي أكثر من مناسبة إلى حقيقة ذلك، بعد أقالته من منصبه في ضوء فضيحة الفساد،الامر الذي لم ينفه الرئيس الفلسطيني ابو مازن،الذي أشاد بمرونة وإنفتاح اولمرت ،مؤكد أن محادثاته الثنائية مع اولمرت قطعت شوطا كبيرا وأن المفاوضات مع اولمرت فتحت لأول مرة منذ اوسلو عام 1993 قضايا كان ساسة تل أبيب يرفضون اثارتها من قبل مثل تقسيم القدس وغيرها من قضايا الخلاف المستعصية،حيث تبادل الرجلين الخرائط وتحدثوا في جزئيات تتعلق بالمساحات والارقام بشأن الدولة الفلسطينية.
في أعقاب جمود عملية السلام بعد تولي نتانياهو رئاسة الحكومة عام 2009،أعرب أبو مازن في أكثر من مناسبة عن اسفه من ضياع فرصة إبرام أتفاق سلام مع أولمرت وقد بدى في أحاديثه لوسائل الاعلام، كما لو أنه يقرأ في ما إنتهى إليه مصير أولمرت ،على أنه أمر مدبر لاحباط عملية السلام وقطع الطريق على أولمرت الذي اجتاز الخطوط الحمر على ما يبدو، الأمر الذي اقتضى أغتياله سياسيا على الأقل ..
إن توقيت إثارة قضية فساد أولمرت عام 2008،يثير حسب شهادات الرئيس أبو مازن والسيد أولمرت نفسه بشأن محادثات السلام،شبهات حول تورط الدولة العميقة في الدولة الاسرائيلية في إثارة هذه الأزمة بغية تقويض مسيرة السلام التي كادت أن تحرز وتفضي إلى إتفاق أو تفاهمات مبدئية بين الرجلين..
هذا الأمر يعيدني إلى حادثة إغتيال إسحاق رابين عام 1995،حيث جاء توقيت إغتياله في ذلك الوقت غداة إعتزامه تنفيذ المرحلة الثانية والثالثة من إعادة الإنتشار بموجب إتفاق أوسلو ،في حينه سارع اليمين الاسرائيلي إلى عرقلة هذا التطور الخطير على العقيدة الصهيونية وأرض اسرائيل الكبرى،فكان ما كان وتم إغتيال اسحاق رابين جسديا وإعتراض مشروعه للسلام سياسيا ،حيث دخلت عملية السلام في نفق مظلم بعد أن تولي اليمين زمام ومقاليد السياسة والسلطة في تل أبيب ...لعل من المفارقة أن أغتيال إسحاق رابين عام 1995 وإغتيال أيهود أولمرت سياسيا عام 2008 وحيث أن الرجلين في منصب رئاسة الوزراء وكانا في ذروة الأنفتاح السياسي حول قضايا الخلاف مع الفلسطينين،أن هذه المقارنات وتشابه المعطيات تظهر أن الأخراج بين الحالتين، يحمل ذات البصمة اليمينية الاعتراضية،حيث كان من اللافت صعود اليمين في الحالتين ودخول عملية السلام في نفق مظلم في الحالتين ايضا،ليس ادل على ذلك من جمود عملية السلام عقب اغتيال رابين سيما أثارة قضية فساد أولمرت عام 2008 إلى هذا الوقت ولازال السلام معلق..
تظهر حقيقة ذلك أن السياسة الاسرائيلية تحكمها جملة معايير ومحددات عقائدية ويمينية،من شأن تجاوز حدودها حتى على الحد الادنى الممكن، أن تكلف من تجرأ على ذلك ،حياته غرار رابين، أو مستقبله السياسي على أقل تقدير على غرار مصير رئيس الوزراء الأسبق ايهود اولمرت.
بقلم الأسير ماهر عرار سجن النقب
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء