مخاتير العائلات في غزة انقسام اجتماعي يضاف للسياسي ..د. عبد الله سعيد

18.05.2014 11:57 AM

الخلاف السياسي مسألة تعم كل المجتمعات لأن النسيج الاجتماعي والتنوع الفكري يختلف من جماعة لآخرى وفقاً لمعتقدات سياسية مختلفة لكن الجماعة الوطنية مهما اختلفت فيما بينها يسهل عليها جسر الهوة والاتفاق على خطوط عامة بغض النظر عن وجود الثقة من عدمها، كما أن الهموم والقضايا المختلفة والمشتركة من شأنها أن تخلق حالة من الإجماع السياسي والتعايش السلمي داخل المجتمع الواحد، فمهما تباعدت الافكار يمكن أن يحل الخلاف السياسي بوجود أرضية مشتركة بين التيارات السياسية المختلفة، لكن الانقسام الاجتماعي أمر يبدو أشد خطورة.

في ظل رياح المصالحة الفلسطينية التي بدأنا نستبشر بها خيراً بعد وصولها لمراحل أزعم انها جيدة وتبعث على التفاؤل، مازال هناك من يحاول أن يعكر الأجواء لأغراض لا أعتقد انها حزبية بل شخصية، على حساب المصلحة الحزبية والعامة، فالشخص المتملق دائماً يسعى لاستغلال الفرصة المناسبة دون وضع أي اعتبارات أخرى لأن الذات تغلب على الكل.   

ما دفعني للحديث في هذا الموضوع المهم هو إصرار البعض على الانقسام السياسي الذي أصبح مصلحة بالنسبة له، فكل جماعة تسعى لتحقيق مكاسب على حساب الآخري قبل تشكيل حكومة التوافق المرتقبة نهاية شهر مايو الجاري، حتى لو كان ذلك على حساب الاعتبارات الاجتماعية التي يصعب علاجها، فالخلاف السياسي مهما طال أمده يمكن تجاوزه لكن الخلافات العائلية تظل عالقة في الأذهان عبر الأجيال وسرعان ما تشتد خطورتها خلال العلاقات الانسانية اليومية.

وفقاً لما نُشر في وكالة صفا في 2 مارس الماضي، "فإن وزارة الحكم المحلي في غزة قد شرعت بتطبيق إجراءات جديدة لاعتماد مخاتير العائلات بهدف  تطوير دور المخاتير والوجهاء والعمل على نسج علاقة تكاملية بين المؤسسات الرسمية الحكومية من جهة وبين العائلات والعشائر والأحياء من جهة أخرى من خلال العادات والتقاليد التي نتمسك بها جميعاً في الحياة اليومية، وذلك جنباً إلى جنب مع تطبيق النظام والقانون".

هناك ملاحظتين هامتين يمكن تسجيلهما على هذا التصريح الصادر عن الوزارة كالتالي:

الأولى: أنه يهدف لتطوير دور المخاتير والوجهاء لنسج العلاقات الاجتماعية بين العائلات والمؤسسات الرسمية من جهة وبين العائلات فيما بينها.

هذا التصريح الصادر عن الوزارة يُعطي انطباع إيجابي للقارئ العادي، وربما مثل هذه الكلمات لا تؤخذ على محمل الجد عند الكثيرين لاعتقادهم بأنها كلمات ليست على قدر من الأهمية لأسباب لها علاقة بأولويات المجتمع الفلسطيني وحالة التطور الاجتماعي وطبيعة العلاقة بين المواطن والمؤسسات الرسمية التي يفترض أن يحكمها القانون، كما أن مسألة مختار العائلة مع مرور الوقت تقل أهميتها بين الأجيال الجديدة، لكن أهميتها المعنوية تظل حاضرة عند العائلات الفلسطينية ذات الطابع العشائري، خاصة وأن شخصية المختار يجب أن تكون مقبولة ولها وزنها الاجتماعي لكي تحقق الوحدة داخل عائلاتها، كما ان عامل اختيار هذه الشخصية يعُطي العائلات مميزات إضافية أمام العائلات الأخرى وأمام المؤسسات الرسمية حسب شخصية المختار، وهو أمر لم تقف عنده وزارة الحكم المحلي ولم تلقي له بالاً عند تعين مخاتير للعائلات.

عند ذهابي لوزارة الحكم المحلي في غزة للاستفسار عن هذه القضايا وجدت الكثير من الخلافات داخل العائلات على هذا الموضوع، وقيل لي أن الوزارة تحاول وتحافظ على تماسك العائلات ولن تعين مختار عن أي عائلة دون إجماع عائلي على هذه الشخصية، وأن تعذر هذا الأمر ستلجأ لإجراء انتخابات داخل العائلات، وهو أمر لم يحدث فكانت المفاجأة ان الوزارة تعين المختار حسب رؤيتها بعيداً عن رأي الأغلبية في العائلات، كما أن الانتماء السياسي يلعب دور كبير في تحديد مختار للعائلة، وهو أمر أخطر من التلاعب في اللوائح والقانون الداخلي للوزارة فهو أمر سنأتي على ذكره في النقطة التالية.

الثانية: أن الوزارة من خلال هذا الاجراء تسعى لتطبيق النظام والقانون للحفاظ على العادات والتقاليد اليومية.

      الملاحظة التي اسجلها في هذا السياق تتعلق بتطبيق القانون، فما يفهم من ذلك ان مختار العائلة سيكون مسئول قانونياً أمام المؤسسات الرسمية، وهنا نستطيع طرح السؤال التالي، كيف يستطيع مختار العائلة ان يفي بالتزاماته القانونية رغم ان اختياره قد تم بعيداً عن القانون؟ "بالتزكية أو بالانتماء الحزبي".

فإذا سألني احدهم كيف ذلك أقول له أن هناك لوائح داخلية بمثابة قانون داخلي تضعها وزارة الحكم المحلي في غزة ولا تطبقها عند تعين مختار العائلة، فمختار عائلات "أبو جبر- صرصور- الأطرش- ابو ربيع- زياد- منسي" في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، تم تعينه على هذا النحو، رغم ان العائلة المذكورة اعترضت على ذلك وقدمت اسماء اخرى أرفقتها بمئات التوقيعات وطالبت بإجراء انتخابات حسب القانون الذي تتكلم عنه الوزارة وترفقه في الطلب الذي يقدمه كل شخص يرشح نفسه لهذه المهمة.

هذا الواقع التي فرضته الوزارة على الكثير من العائلات في غزة قبل اسابيع أو أيام من اتفاق المصالحة، مع الأسف الشديد يظل نقطة سوداء في ثوب حكومة غزة الأبيض، كما أن هذه العائلة المشار اليها دخلت في صراعات لا أول لها ولا أخر بسبب قرارات غير مسئوله.
في الختام أوجه رسالة لرئيس حكومة غزة السيد إسماعيل هنيه والمسئولين المحترمين في الحكومة وإلى أعضاء المجلس التشريعي الموقر وكل المسئولين الشرفاء، أدعوهم للوقوف أمام هذا الملف المهم والخطير وإعادة النظر فيه بناءاً على القانون لأن تداعياته ستكون أكثر خطورة على المجتمع الفلسطيني عموما وقطاع غزة على وجه التحديد.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير