المستهلك وعدادات الدفع المسبق للمياة! بقلم: الدكتورعقل أبو قرع
وطن: بعد الاعلان عن اتفاق او تفاهم، بين وزارة الحكم المحلي وسلطة المياة حول التعامل مع موضوع "عدادات الدفع المسبق للمياة"، اي ان يتم دفع ثمن المياة قبل الحصول عليها، يعود النقاش حول الجدوى او المنطق او المحتوى الانساني لهذا الموضوع، ويتمحور النقاش حول هل سلعة المياة هي تشابة السلع الاخرى، التي يتم الحصول على ثمنها قبل استخدامها، وبالاخص سلعة الكهرباء؟
ومعروف ان المياة هي سلعة اساسية حيوية، كالهواء مثلا، اي تختلف عن السلع او الخدمات الاخرى التي تم او يتم فيها تطبيق نظام الدفع المسبقة، وفي ظل الاخذ والرد بين الجهات التي تقدم خدمة المياة، من شركات او بلديات او مجالس قروية، وبين بعض مؤسسات المجتمع المدني والافراد، يضيع المستهلك الفلسطيني، خاصة حين يتم تطبيق هذا النظام بشكل جماعي، او على تكتلات بأجمعها، سواء على من يلتزم بدفع الفاتورة بأنتظام او بالطبع على الذي لا يلتزم.
والمياة هي حق انساني، حيث خلق اللة سبحانة وتعالى من الماء كل شئ حي، وفي دول عديدة، تتوفر المياة بشكل فائض عن الحد، وتحتاج الى من يستخدمها او الى التخلص منها والا الحقت الضرر، وفي دول عدة يتم تقديم خدمة المياة بدون اي دفع، او تكون خدمة ايصال المياة الى المنزل مشمولة ضمنا بالايجار الشهري للمنزل مثلا، او يتم شملها رمزيا من خلال الضريبة المحلية التي يتم دفعها سنويا، للولاية او البلدية او المجلس القروي، ولا اذكر خلال السنوات التي قضيتها في الولايات المتحدة الامريكية، وفي ولايات مختلفة، انة كان هناك فاتورة للمياة، حيث تصل المياة الى المنزل بالكمية والنوعية او الجودة المطلوبة وبدون دفع، ولكن وربما يتم شمل ثمن هذه الخدمة ضمنيا ورمزيا ضمن مدفوعات اخرى، حيث لا يشعر الشخص انة يدفع ثمن المياة.
وفي بلادنا، معروف ان المياة شحيحة، او بالاحرى وبسبب عدم سيطرتنا على مصادر المياة في بلادنا، وبالاخص المياة الجوفية التي تشكل اكثر من 90% من مصادر المياة، تشح المياة في بعض الاوقات في السنة وفي بعض المناطق وليس جميعها، وقد يكون ذلك كذلك بفعل قلة فعالية ايصال المياة او بسبب التسيب في الاستخدام او عدم الاستفادة الفعلية من مياة الامطار، ومعروف ان معظم البيوت في القرى الفلسطينية وحتى بعض البيوت في المدن تملك ابار لتجميع مياة الامطار، وهذه الابار وبالاضافة الى الحصول على المياة مجانا من خلال الامطار، تشكل نوعا من الامان والاحتياطي المائي للناس، سواء للاستخدام البشري او للاستخدامات الاخرى، وبالتالي فأن شحة المياة او قلة الحصول تقتصر على تجمعات فلسطينية محددة.
ونعرف ان شركات المياة الفلسطينية تقوم بتزويد المياة الى المناطق، سواء من خلال استخدام ابارها الخاصة التي قامت بحفرها، او من خلال شرائها من مصادر اسرائيلية، وبالتالي وبما ان هذه شركات، وتملك موظفين وشبكات تحتاج الى صيانة، من المفترض ان تحصل على مقابل ذلك من المواطن الذي يحصل على المياة بالجودة المطلوبة، وهذا منطقي، ونعرف ان عدد كبير من الناس او الاغلبية تدفع مقابل الحصول على خدمة المياة، اي تلتزم بدفع الفواتير، وهناك البعض الذي لا يدفع ولاسباب مختلفة، وقد يكون بسبب عدم القدرة على الدفع او عدم الرغبة بالدفع، اي التسيب او التعود على الحصول على هذه الخدمة وربما خدمات اخرى مجانا، ولهذه الفئة من الناس اي التي تهدر المياة بشكل او باخر، يوجد العديد من الاجراءات الاخلاقية، والاجتماعية والقانونية التي يمكن ان تردعها، او تجعلها تلتزم بالدفع كما يلتزم اغلبية الناس، ولا اعتقد ان التطبيق الجماعي لنظام عدادات الدفع المسبق سوف يعالج معضلة كهذه، لان من يهدر المياة او من يسرقها او من لا يلتزم بدفع مقابل الحصول عليها، سوف يبتكر الاساليب الاخرى للحصول عليها، وربما بشكل اكثر ضررا لة وللبيئة المحيطة وللشركة وللمجتمع.
وتطبيق نظام الدفع المسبق، وعلى تجمعات بأكملها، يعني ان من يلتزم بالدفع، قد يضطر ولاسباب معينة وفي فترة محددة لعدم القدرة على شراء المياة مسبقا، وبالتالي تصور عدم الحصول على المياة بسبب ذلك، والمياة هي حق انساني، اي اساسي للحياة، يختلف عن سلع اخرى مثل الكهرباء، ومعروف ان العديد من الناس قد عاش ولسنوات بدون كهرباء، ونعرف انة قبل ثلاثين عاما او حتى عشرون عاما، لم يكن يوجد شبكات كهرباء في العديد بل في غالبية القرى الفلسطينية، وكانت الناس تعيش وبدون خطر او خوف، وبالتالي مقارنة سلع اخرى تم تطبيق نظام الدفع المسبق عليها مع سلعة المياة هي مقارنة غير منطقية، فنحن نستطيع ان نعيش لايام او لاشهر او لاكثر بدون كهرباء، ولكن ليس بدون مياة ولو لايام او لساعات وخاصة للاطفال وللمرضى.
ومع التسليم بحق مزودي المياة بالحصول على ثمنها من الذي ارتضى وطواعية للحصول على هذه السلعة من المزود، الا ان اهمية سلعة المياة كحق انساني اساسي للحياة، ليس كالطعام او مثل الكهرباء او حتى مثل خدمات التلفزيون او الانترنت في بعض المناطق، تجعل تطبيق نظام الدفع المسبق على المياة، غير واقعي او غير مجدي عمليا واخلاقيا واجتماعيا، وان معالجة الحالات الفردية من التسيب والسرقة للمياة، يمكن ان يتم وبشكل انجع من خلال اجراءات قانونية، او اجتماعية، وبدون هضم او الاعتداء على حقوق مستهلكين اخرين التزموا ويلتزموا بدفع ثمن ما يحصلوا علية من المياة، ولكن ولاسباب قاهرة ومتعددة، ربما لن يستطيعوا الدفع المنتظم مستقبلا.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء