عندما يتساءل الفلسطينيون: من نحن؟..الدكتور .أحمد جميل عزم

14.05.2014 09:52 AM

 أزعم أنّ الأعوام الأخيرة، وبشكل متزايد العامان الأخيران، تشهد عودة الفلسطينيين إلى السؤال عن أسئلة البدايات. أي أنّهم يسألون أنفسهم "من نحن؟"، "ماذا نريد الآن؟"؛ أو بكلمات أدق هم يعيدون طرح الأسئلة القديمة، سواء لأنّ هناك متغيرات (بالأحرى لأن هناك متغيرات في بعض السياقات، وجمود في سياقات أخرى)، أو لأنّ هناك أجيالا جديدة، تعيد طرح الأسئلة من دون التسليم بالإجابة السابقة (أو بالحيرة) التي عند آبائهم.

فلسطينيو أرض الاحتلال الأول (الأراضي المحتلة العام 1948)، راكموا منجزات ستبدو للكثيرين مربكة. فعلى سبيل المثال، في زمن فائت، كان رفع العَلَم الفلسطيني، الذي هو رمز الهوية والانتماء الوطني القومي، بمثابة مغامرة ونضال خطر. الآن، ينتشر العلم الفلسطيني في كل مكان. يأتي هذا في زمنٍ "قررت" فيه منظمة التحرير الفلسطينية أنّ مسؤوليها لا يمثلون هؤلاء، وأنهم بقبولهم حل الدولتين لم يعد من واجبهم أو صلاحياتهم محاولة الحديث باسمهم. ولا يتوقف الأمر عند هذا، أو عند حقيقة أنّ أهم الفِرق والأصوات الغنائية الوطنية والتراثية الفلسطينية تأتي من أوساط أهالي أرض الاحتلال الأول، بل وهناك حراكات سياسية شعبية منظمة، مثل هبّة برافر ضد البدو العرب في النقب التي تكللت بالنصر. ويكفي أن ننظر إلى ما يحدث في عكا هذه الأيام؛ فعندما قرر الاحتلال إخراج عدد من المواطنين من منازلهم التاريخية، دعت مجموعات أهلية لمظاهرات واعتصامات، تتواصل منذ أسابيع. أضِف إلى كل هذا أنّ أبرز أصوات المحاضرين والكُتّاب الفلسطينيين الذين يطرحون الأسئلة الوجودية الكبرى بشأن "من هم الفلسطينيون؟"، و"هل فلسطينيو 48 مستثنون من تعريف الفلسطيني؟"، كما السؤال بشأن "من يمثل كل هؤلاء؟"، و"ما العمل؟".. إنما يأتون من هذه الأراضي.

أمّا "حَماس"، فقد دفعت غالياً، خصوصاً في ضوء ما حدث في مصر، ثمن "منظورها الأممي" الذي تُعوّل فيه كثيراً على غير العامل الفلسطيني، سواء أكان إسلاميا أم عربيا، ما سيعزز ثانية المنظور الوطني للصراع على حساب الأممي.   
إضافة إلى هذا، فإنّ أسئلة حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة، باتت تُطرح بقوة، في مؤشر واضح على رفض التسليم باستمرار تقديم تنازلات في سبيل حل الدولتين، لأن الانتظار لتحقق هذا الحل هو بحد ذاته تنازل كبير يدفع اللاجئون ثمنه من أعمارهم، ويدفع الفلسطينيون الذين تصادر أراضيهم، ثمنه باهظا. فحتى لو قيل إنّ القيادة لم تتنازل عن شيء منذ العام 1988، عندما وافقت على التّسوية، فإنّ الانتظار من دون بديل هو بحد ذاته تنازل وضياع للوقت والقضية.

إنّ تَركُز الدولة/ السلطة داخل ما يسمى قطاع غزة والضفة الغربية، يؤدي إلى فراغ في مناطق أخرى، وتجاهل لها. فإذا كانت "فتح" و"حماس" تتصالحان أو تحاولان التصالح، وتتقارب برامجهما السياسية، "الاستراتيجية" أو "المرحلية بعيدة المدى"، وتتمحور حول دولة في أراضي"67"، فماذا عن الشتات؛ سواء في لبنان أو سورية أو غيرهما، وماذا عن أراضي وأهل فلسطينيي 48؟ وهذا الفراغ، المتفاوت في مداه بين منطقة وأخرى، يعيد السؤال حول أسس أفضل تمثيل ممكن للتجمعات الفلسطينية كافة.

إنّ كثرة الحراكات الشبابية خارج الفصائل، والجمعيات الأهلية، وكثرة الشخصيات والناشطين غير المؤطّرين في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، كلها إرهاصات تطرح بجدية السؤال التالي: إذا لم تتم إعادة تأهيل منظمة التحرير الفلسطينية، ففي أي إطار سنتحرك وننشط؟ وهناك الآن مقالات ومنتديات وشخصيات تعبر عن نفسها بنشاطات منظمة موثقة، وتؤكد أنّه حتى أسئلة من نوع "حل الدولة" و"حل الدولتين"، لم تعد هي الأولوية، بقدر ما أنّ الأولوية هي إعادة توحيد الشعب الفلسطيني، وتجديد حركته السياسية والوطنية على أسس تؤكد شرعيتها، وتجدد أدواتها ووسائلها.

بعبارة أخرى، إذا كان هناك رضا نسبيا في وقت ما في الماضي، بحل الدولتين، وبفكرة الكيانية الفلسطينية على جزء من فلسطين، فإنّ هذا الرضا ربما في أدنى مستوياته الآن، وينذر بتغيير كبير قريبا أو بعد حين. ربما تتحمل عنجهية إسرائيل وزر إعادة طرح أسئلة من هذا النوع تهدد فكرة التسوية، ولكن تصبح مهمة النخب الفلسطينية مراجعة كل الإجابات السابقة، وطرح أفكار عملية تمثل "كل الفلسطينيين".

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير