هل أصبح القتل ظاهرة في فلسطين ؟! بقلم:حذيفة جلامنة
صعقت – بالأمس مساء - وأنا أتصفح أحد المواقع الإخبارية الإلكترونية، عندما طالعني خبر معنون ب " مواطن يقتل زوجته في قلنديا ويسلم نفسه للشرطة " وكنت قبلها بساعات في حوار مع مجموعة من الأصدقاء حول أن موضوع القتل في فلسطين أصبح مقلقا، ويرتقي إلى كونه ظاهرة غير مفهومة، وأنها تستوجب وقفة جدية من مختلف الجهات.
عدت إلى نفس الموقع بعد ساعات قليلة، وكم كانت الصدمة مضاعفة عندما كان أحد العناوين الرئيسة " وفاة شاب بالخليل في ظروف غامضة " أطبق عليّ الصمت لدقائق، وداهمتني التساؤلات من كل صوب، ما الذي يحدث في مجتمعنا الفلسطيني ؟!
بالأمس القريب قضت صفاء السلامين من بلدة السموع في ظروف بشعة، تقشعر لها الأبدان، وينفطر لها الوجدان وتبعتها صابرين عياد التي قضت على يد زوجها طعنا داخل المحكمة الشرعية في بير زيت، وكذلك عبد الجابر أبو صفية الفتى من قرية بيت سيرا، والذي يعاني من إعاقة، والذي قتل أيضا بطريقة بشعة، صادمة على يد شقيقه، وإثنين من أعمامه. وفي ظروف غامضة أيضا وجد عماد شريتح مشنوقا داخل منزله في قرية أبو إشخيدم.
عندما نعود بالزمن قليلا نجد أن هذه الحوادث مجتمعة قد حدثت في الضفة الغربية، في غضون شهر واحد فقط تقريبا، وكان منتدى المنظمات الأهلية الفلسطينية لمناهضة العنف ضد المرأة قد أصدر قبل حوالي أسبوع بيانا أكد خلاله مقتل 12 إمرأة منذ بداية العام الحالي، إزاء كل هذه الأرقام التي تصاحبها قصص وتفاصيل بشعة، ألا يعد الموضوع مقلقا ؟! ألا يقترب من كونه ظاهرة غير مفهومة ؟! وتحتاج لوقفة جادة من الجميع دون إستثناء!!
أوافق من يقول أن الأوضاع الإقتصادية السيئة، وإنعدام الأفق السياسي سببان في التوتر، وينعكسان بشكل سلبي على مختلف حياتنا ومزاجنا العام، ولكنني لا أوافقه أنهما السبب في إزدياد حالات القتل، فظروف الشعب الفلسطيني الإقتصادية لم تكن في يوم من الأيام تشبه الدول الإسكندنافية، ومع ذلك لم نشهد هذا العدد من جرائم القتل !! ومررنا بأوضاع سياسية أسوأ من الوضع الحالي، ومع ذلك لم نشهد أكثر بشاعة مما يجري.
والمتتبع للإحصاءات الرسمية، وتلك الصادرة عن المؤسسات الحقوقية والنسوية على مدار السنوات السابقة يرى أن حالات القتل بشكل عام، وقتل النساء بشكل خاص في إزدياد، وربما يرتقي إلى حد إعتباره، والتعامل معه كظاهرة.
وهذا يقودنا إلى التوقف عند القضايا التالية:
أولا: ليس من مسؤولية مؤسسات المرأة وحدها لفت الإنتباه لهذه الظاهرة الخطيرة، والمطالبة بعقوبات رادعة، فالقضية تمس بنية المجتمع الفلسطيني، وعلى كل الذين شعروا بالغثيان عند سماع تفاصيل حالات القتل المؤلمة، ووضعوا تعليقات على مواقع التواصل الإجتماعي أن يشاركوا في قرع جدران الخزان، لماذا تبقى الأصوات خافتة إزاء هذا الموضوع ؟ ولماذا التجمعات التي لا يتجاوز عدد المشاركين بها أصابع اليد ؟
ثانيا: هل يجب أن يقتل شخص كل دقيقة في فلسطين لندرك أنه قد حان الوقت لنرمي بقانون العقوبات المطبق ( منذ العهد الأردني ) في سلة المهملات، وأن قانونا فلسطينيا، متنورا، وعصريا للعقوبات كان ينبغي أن يرى النور منذ سنوات، وأن ذلك يجب أن يحصل في أول فرصة يلتئم فيها المجلس التشريعي !! وإذا كان سيادة الرئيس الفلسطيني قد أصدر عشرات القرارات بقوانين ألا يستحق هذا الموضوع أن يصدر الرئيس قرارا بقانون يستجيب لهذا الوضع الطارئ والدخيل، والمتفاقم، إلى حين إنعقاد المجلس التشريعي الذي يقع على عاتقه في أول جلسة إنعقاد أن يبت في مجمل ما صدر عن الرئيس أثناء فترة تعطل عمل المجلس!
ثالثا: هل ندرك حقا خطورة ما يجري على بنية المجتمع الفلسطيني، ومنظومته القيمية ؟ وهنا أتحدث عن فعل القتل بشكل عام، وقتل النساء بشكل خاص. هل ندرك حقا ما يتركه هذا الموضوع من آثار سلبية على المدى القصير، وكذلك على المدى الطويل، إنه بكل بساطة يؤسس لذهنية – عند الأجيال الصاعدة – قد تقبل هذا الفعل البشع، وتتعاطى معه، وهنا الطامة الكبرى.
ثالثا: هل يدرك نظامنا التربوي أنه في حالات كهذه ينبغي تدخله التربوي، من خلال برامج عاجلة، وكذلك إستراتيجية تربي النشء على قيم حقوق الإنسان، وتعزز القيم التربوية. وتزيل من الذهن ما علق به من غبار هذه الحوادث.
رابعا: من قال أن الإعلام هو ناقل للخبر فقط؟ ينبغي أن يخصص الإعلام الفلسطيني مساحة جيدة لهذه الظاهرة، وأن يمارس دوره الطبيعي في التغيير، ورسالته كسلطة رابعة في إبراز خطورة الظاهرة، وضرورة علاجها، وبث التوعية في أوساط مختلف شرائج المجتمع الفلسطيني.
خامسا: علينا أن نصارح أنفسنا أن هناك ثقافة مجتمعية ينبغي أن تتغير، وأن هذه الثقافة التي تحشد العائلة والأصدقاء في أول مشكلة تافهة بين الصبية قد تؤدي، وأدت إلى القتل في كثير من الأحيان. وهي ذات الثقافة التي تقبل وتجيز قتل النساء على خلفية " ما يسمى شرف العائلة " وهي ذات الثقافة التي دفعت بالكثيرين إلى قتل نساء لأسباب مختلفة، بعضها بسبب الميراث، ثم الإدعاء – بكل وقاحة - أن السبب كان على خلفية شرف العائلة.
علينا أن نعترف – وان لا نبرر - أننا بحاجة للكثير على صعيد التوعية المجتمعية، والتربية على حقوق الإنسان، وهذا يتطلب جهدا جماعيا من المؤسسات المختلفة، والأحزاب السياسية، ومجموعات الضغط، والإعلام، والمؤسسة التربوية. وكل المؤمنين بأن الدم الفلسطيني محرم بغض النظر عن الأسباب.
لنقف جميعا ونفكر بخطورة هذه الظاهرة الآخذة في التصاعد، ولنأخذ موقفا عمليا، فالصمت ليس مطلوبا في هذه المرحلة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء