من الكيلو101 إلى كنيسة الزنار

12.05.2014 07:06 PM

 وطن للانباء - كتبت ثريا العاصي: مما لا شك فيه أن الحرب على سورية سلطت ضوءا كاشفا على الأحداث التي تعصف بالمنطقة العربية منذ أن أقفل الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، باب الحرب كوسيلة لاسترجاع "ما أخذ بالقوة"، وتحديدا منذ التوقيع على اتفاقية وقف إطلاق النار بعد حرب تشرين أول (أوكتوبر) 1973 وبدء المفاوضات عند "الكيلو 101" الشهير .

المفارقة هي في اننا خلال العقود الاربعة الماضية، ازددنا جهلا وغلاظة ونفاقا وساءت أخلاقنا، فصرنا لا نفطـِن للأمور . تخدرت حواسنا وتجمدت ضمائرنا . أعدم الرئيس صدام حسين في صبيحة يوم عيد الأضحى فقطع حبل المشنقة قراءته للشهادتين . خرج علينا شيخ الأزهر وهو يصافح شمعون بيريز، أحد قادة المستعمرين الإسرائيليين التاريخيين، وسفاح مجزرة قانا . شاهدنا طقوس الذبح في سوريا وبقر الصدور في الساحات العامة، وسط التهليل والتكبير !

ما أود قوله هو أن ما يجري في سوريا منذ 2011، إنما هو في رأيي امتداد للفاجعة التي وقعت سنة 1973، وما بعدها . ان خيانة أمانة الشهداء تستوجب اللعنة على من يقترفها، فردا كان أو جماعة، فلا ييرأ منها . أغمضنا عن الخيانات في السبعينيات . نجم عنه ضياع الأوطان، والمبادئ والقضية . لم يكن حدثا عاديا أن يأتي المستعمرون الإسرائيليون إلى بيروت وأن يدخلوا بغداد . ليس غريبا أن تضطر دمشق للمقاومة بأثمان مضاعفة ! صارالكثيرون في الراهن غير قادرين على إدراك طبيعة الحرب التي نتعرض لها .

هذه ليست المرة الأولى التي أجد نفسي فيها أمام واقعة عسكرية، مبهمة غامضة، بحسب الرواية التي نقلتها وسائل الإعلام . فلقد أفادت الأخيرة بأن المسلحين الذين مُنـِحوا ممرا آمنا للخروج من مدينة حمص، أخذوا معهم عددا من الرهبان للإحتماء بهم . هذا لم يمنعهم، أو بالأحرى أن شروط إخلائهم سمحت لهم بإضرام النار في كنيسة تمثل رمزية في تاريخ المسيحية السورية، إسمها كنيسة الزنار . كيف أمكنهم إحراق الكنيسة ؟! إلى أين ذهبوا، محرقو الكنائس الذين اتخذوا من الناس العزل دروعا يحتمون خلفها . هل يستطيع مثقفو ثورة النفط في سوريا نكران ذلك ؟! أما أن سبب تعاطفهم مع هذه الثورة المشوهة، كما يعترف بعضهم، هو أن "النظام هو الذي شوهها" .. فلتكن الثورة إذن مشوّهة، ما يهم الكيادون هو تسهيل تصفية حسابات الولايات المتحدة الأميركية مع الحكم في سوريا، حتى لو تطلب ذلك تدمير سوريا وتشريد السوريين !

لا جدال في أن إحراق الكنيسة ليس عملا حربيا . لا حرج من نعته بالإعتداء على السوريين بوجه عام، وعلى المسيحيين السوريين بوجه خاص . للكنيسة وللمسجد، مكانة خاصة في الوجدان، بصرف النظر عن ممارسة العبادات من عدمها . ينبني عليه أن انتهاك حرمة هذه الأماكن والعبث فيها، يساوي الإغتصاب والظلم والمذلة معا ! من شأن هذا كله أن يصدع العلاقة بين الوطن وبين الإنسان ! وبين الإنسان والانسان أيضا ..

يختلف إحراق الكنيسة، عن الهجمات التي ينفذها أحيانا المتمردون والمرتزقة، بواسطة مركبات معبأة بكميات كبيرة من المواد المتفجرة، كما تقول السردية الإعلامية، أو عن طريق حفر الأنفاق تحت مواقع الجيش العربي السوري، وحشوها بالمتفجرات . كأن القصد من ذلك، ليس الإستيلاء على مواقع عسكرية، ولكن التسبب بأكبر قدر ممكن من الخسائر في الأرواح والعمران، فضلا عن إحداث صدمة نفسية وجعل الناس يمورون في حيرة من أمرهم خائفين مذهولين، بما يجري لهم وما ينتظرهم ! صراحة، أنا لست مقتنعة برواية الأنفاق التي تخترق مواقع الجيش ! وأخشى ما أخشى أن صواريخا أو قنابلا تأتي من السماء هي التي تصيبها !

تذكرنا هذه الإساليب في القتال، بتلك التي استخدمتها الولايات المتحدة الأميركية في العراق، من خلال القصف العنيف طيلة أيام وأسابيع، تمهيدا للغزو أو للعمليات الأرضية، والذي توخت منه الصدمة ! والرعب . إحراق ملجأ العمرية . المجازر التي يرتكبها المستعمرون الإسرائيليون أثناء كل عدوان . مجزرة مدرسة بحر البقر في سيناء، قانا في لبنان، صبرا وشاتيلا على سبيل المثال لا الحصر !

مجمل القول أن الرسالة التي يحملها المتمردون والمرتزقة في سوريا، هي أميركية إسرائيلية، أيها السوريون، نحن جئنا من أجل قتلكم وتشريدكم وهدم بنيانكم . نقتل وندمر عندما نصل، كما فعلنا في مستشفى الكندي في حلب وفي فندق الكارلتون في حلب أيضا . هذا غيض من فيض !. ونقتل ونحرق عندما نخلي مواقعنا، كما جرى في حمص في كنيسة الزنار ! فأنتم أعداؤنا، ونحن لا نريد أن يبقى أعداؤنا على وجه الأرض . اللهم انا بلغنا !

نحن لا نهادن أعداءنا، ولا نعقد صلحا معهم !. أننا على نهج اسيادنا الأميركيين . الذين لا يوقفون حروبهم قبل أن يسحقوا العدو، بحيث لا يستطيع الوقوف على رجليه ورفع الصوت مطالبا بحق من حقوقه، فيصير مسلوب الإرادة . هكذا فعلوا في اليابان، وفي ألمانيا في الحرب العالمية الثانية . ليس مستبعدا أن يكون سحق العدو، حتى لا تكون لدية القدرة على القتال والمقاومة، هي الغاية من الحروب التي يخوضها الأميركيون، بصورة غير مباشرة، ضد البلدان العربية التي ساهمت بأموالها وجنودها في حرب تشرين أوكتوبر 1973 . هل أن مصر وسوريا والعراق والجزائر، وليبيا، قادرة اليوم على الدخول في مواجهة مع المستعمرين الإسرائيليين، كما فعلت هذه البلدان في 1973 ؟ من المحتمل أن الغاء القدرة على الحرب يتطلب بحسب الفهم الأميركي ـ الإسرائيلي، بالضرورة إعادة رسم خرائط المنطقة بحيث تتوفر الظروف الملائمة لتسعير نار الإقتتال، حتى تأتي على الوجود نفسه !.

نقلا عن (الديار)

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير