هل استثمارنا في التعليم العالي ينعكس في سوق العمل؟ بقلم: الدكتورعقل أبو قرع

12.05.2014 01:19 PM

وطنحسب وسائل الاعلام فأن حوالي 40 الفا من خريجي الجامعات الفلسطينية قد تقدموا قبل ايام لامتحان الحصول على وظيفة في وزارة التربية والتعليم، مع العلم ان عدد الشواغر المتوفرة في الوزارة لا يتجاوز ال 800 وظيفة، وهذا يدل وبدون شك على عمق الفشل وعلى كل المستويات في ربط الاستثمار في التعليم مع متطلبات سوق العمل، وبمعنى اخر هذا يعني خسارة الاستثمار من وقت ومن اموال ومن تعب، وحسب الارقام كذلك، فان اكثر من 75%  من المتقدمين للوظائف هم من النساء الفلسطينيات، وهذا يوضح عمق المأساة التي تعيشها المرأة الفلسطينية المتعلمة، مع العلم ان نسبة الطالبات في معظم الجامعات الفلسطينية تتجاوز ال 60%، وان نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل في بلادنا لا تتعدى ال 15% فقط؟

وقبل عدة ايام، تناولت  ندوة في رام اللة، مدى علاقة ما يجري في التعليم العالي مع واقع سوق العمل او مع خلق فرص عمل جديدة في بلادنا،  واظهرت الارقام التي تم عرضها من قبل متحدثين متعددين، ان نسبة البطالة الحالية تبلغ حوالي 23%، اما عند فئة الشباب فتصل نسبة البطالة الى حوالي 41%، وللحفاظ على النسبة الحالية من البطالة، فأننا نحتاج الى ايجاد  حوالي 600 الف وظيفة خلال العشر سنوات القادمة، اي بمعدل حوالي 60 الف فرصة عمل سنويا، ومن ضمن الارقام الاخرى التي تم عرضها وذلك للحفاظ على مستوى البطالة الحالي، فأننا نحتاج الى نمو اقتصادي سنوي يقدر بحوالي 7% من الناتج المحلي الاجمالي، وهذه نسبة مرتفعة بكل المقاييس والمعطيات، وبمعنى اخر، فأن عدم تحقيق نسبة النمو السنوية، يعني ان نسبة العاطلين عن العمل، او نسبة البطالة سوف تزداد، وما لذلك من تبعات مختلفة، وبالاخص ان عشرات الالاف من الخريجين سوف يتوافدون سنويا الى سوق العمل املا في الحصول على فرصة؟

وبعد اسابيع او اقل، تبدأ مؤسسات التعليم العالي الفلسطيني بتخريج الالاف من حملة الشهادات المختلفة، ومن المعروف ان الفلسطينيون يفخرون بأحدى اهم الثروات الذي يملكون، الا وهي الانسان، وبالاخص الانسان المتعلم، وخاصة في ظل غياب او ضألة الثروات الطبيعية الاخرى التي يملكون، وبالتالي فأنهم يتفاخرون بالتعليم، وبالتحديد بالتعليم العالي وبأنواعة، اي الاستثمار في العنصر البشري الذي هو حجر الاساس للتقدم ولاستدامة التقدم في الكثير من المجتمعات، وهذا ربما يفسر وجود العدد الكبير من الجامعات والكليات والمعاهد في هذه البقعة الصغيرة من الارض، ولهذا العدد القليل من السكان.

ومعروف ان احد الاهداف الرئيسية لمؤسسات التعليم العالي في العالم، هي المساهمة في سد حاجة المجتمع وتغطية النواقص، من خلال رفد القطاعات المختلفة، من قطاع عام وقطاع خاص وشركات ومؤسسات بالايادي المتعلمة او المدربة، من اجل البناء والتنمية والتقدم، وبالتالي تتداخل فلسفة واهداف التعليم العالي مع المجتمع، ومن خلال قطاعاتة، ويقوم المجتمع بدعم التعليم العالي ويقوم التعليم العالي برفد المجتمع بما يحتاجة من الايادي المدربة المتعلمة، والتي من الممكن ان تكتسب مهارات الادارة والقيادة، ولكن لا يبدو ان هذا هو الحال في واقعنا او بلادنا؟

ومؤسسات التعليم العالي الفلسطيني، بمستوى شهاداتها المختلفة، من دبلوم وبكالوريوس وماجستير، وبالتخصصات المتشعبة التي تحويها، من علم الاجتماع الى الهندسة والصيدلة والعلوم والاداب وحتى التربية، والتي نجدها مكررة في معظم الجامعات الفلسطينية، هي الجهة الرئيسية التي تتحمل المسؤولية عن هكذا وضع، من حيث ضعف التخطيط والارشاد وعدم التركيز كاولوية على النوعية او على مصلحة الطالب من خلال ربطها بحاجات المجتمع، فالوضع الحالي للجامعات والتي تتسع باستمرار للمزيد من الالاف من الطلبة الجدد، وبالتالي تضخ المزيد من الخريجين الجدد، اصبح يهدف وبالاساس لاستقطاب المزيد من الطلبة وبالتالي المزيد من الدخل الذي يصاحب ذلك، واصبح التركيز اكثر على كيفية حل الازمة المالية التي عانت وتعاني منها الجامعات، عن طريق قبول المزيد من الطلبة وبالتالي المزيد من الاقساط، وتم تناسي ان نسبة البطالة عند خريجي العديد من التخصصات تزيد عن 50%، وان هذه النسبة تزداد مع الزمن، وتزداد معها مضاعفات عدم ايجاد عمل الاجتماعية والاقتصادية وغيرهما.

ومن الاخطاء التي ما زلنا نتمسك بها، في تفكيرنا وفي ممارستنا وفي فهمنا للتعليم العالي، هي النظرة غير الموضوعية الى التعليم المهني او الى التعليم التقني، او الى التعليم غير الجامعي، والذي هو من المفترض وفي الوقت الحالي ان يكون اهم واكثر فعاليىة من التعليم الجامعي التقليدي في بلادنا، والذي تستثمر فية الدول المتقدمة الجزء الاكبر من الطاقات والاموال، والذي يقبل علية الكثير في هذه الدول، والذي يجد خريجية الفرص ويساهموا في تطوير المجتمع وسد حاجات البلد،  ورغم الحديث الكثير عن اهمية التعليم المهني،  الا ان القليل قد تم عملة من اجل تشجيع الاقبال على هذا التعليم او خلق الفرص والامكانيات، او من خلال تغيير نظرة الناس الية،  من اجل تشجيع الطلبة للتوجة نحوة، ومن ثم ربطة وبشكل استراتيجي، سواء من حيث الكم او من حيث النوع  مع احتياجات المجتمع.

وهذا يتطلب سياسات وقوانين وانظمة، وهذة القوانين من المفترض ان تحدد الاسس ومن ثم الحوافز من اجل التوجة الى التعليم المهني، وهذا يتطلب ايجاد تخصصات نوعية ومحترمة وتساهم في تقدم المجتمع كما ساهمت في تقدم مجتمعات اخرى، وعلى سبيل المثال في بلد مثل المانيا، وليس فقط تخصصات اعتاد الناس عليها وفي النظرة اليها، وهذا يتطلب كذلك توفير الامكانيات من مختبرات ومشاغل وكوادر بشرية، وهذا يتطلب زيادة الوعي عند الناس لتغيير نظرتهم الى التعليم المهني والتقني وكأنة درجة ثانية بعد التعليم الجامعي، وهذا يتطلب الشراكة الاستراتيجية مع القطاع الخاص الذي لا يتقدم كما يتم في المجتمعات الاخرى بدون الاعتماد على مخرجات هذا النوع من التعليم.

ومن ضمن الاهداف الاخرى التي من المفترض ان تقوم بها مؤسسات التعليم العالي، بل ان تكون من الاولويات لها، كما في الكثير من المجتمعات، هو اجراء الابحاث، بأنواعها، التي تزود المجتمع بالحلول، او توفر الاجابة على اسئلة، او تساهم في سد فراغ او تلبية حاجة، سواء   للقطاع العام، او للقطاع الخاص والمدني، من شركات ومؤسسات، وهذا ما تقوم بة مؤسسات التعليم العالي في العالم، حيث ان البحث العلمي ومدى مساهمتة في المجتمع، يعتبر من الاهداف الاساسية لجامعات عريقة في العالم، وليس فقط التعليم او تخريج الطلبة، ومعروف ان هناك معايير عديدة يتم استخدامها من اجل تحديد مستوى الجامعات في العالم، منها البيئة الاكاديمية، ومستوى الابحاث، ومدى استخدام او الاستعانة بالابحاث من قبل الاخرين، ورغم الحديث الكثير عن هذا الجانب، اي البحث العلمي في جامعاتنا، ورغم تشكيل مجلس البحث العلمي، الا ان السؤال الاهم الذي ما زال يتردد، هو هل تم ارساء او تم  بدء العمل لترسيخ بيئة او ثقافة للبحث العلمي من حيث الاحترام والاتجاة نحوة، وبغض النظر عن توفر كمية او ونوعية الاموال، وهل تم ارساء القاعدة لربط نتائج البحث العلمي مع احتياجات المجتمع، بحيث تكون هذه القاعدة مستدامة، لا تتغير بتغير الاشخاص او بتغير السياسات؟

ومن اهم اولويات التعليم العالي في اي بلد، هو نسج العلاقة التشاركية  مع القطاع الخاص، بحيث تكون الفائدة متبادلة والمساهمة مشتركة، حيث ان القطاع الخاص ومن اجل ان ينمو ويتقدم وينافس يجب ان يتجه الى الأبحاث والدراسات وتطوير المنتجات وتسويقها، وكل ذلك يعتمد على مستوى الاستثمار في الابحاث في مؤسسات التعليم العالي، ومدى استغلال نتائجها، ومدى ملائمة النتائج لاحتاجات المواطن والبلد وبالطبع لطموحات القطاع الخاص، وتعتبر الشركات التي تعتمد على الابتكارات والتجديد من انجح الشركات، حيث تعتبر الابحاث سر بقاؤها لكي تنافس في عالم شديد المنافسة.

وفي ظل الواقع الحالي للتعليم العالي في بلادنا،  اليس بالاحرى بنا وبمؤسسات التعليم العالي عندنا،  ان نتعلم من دول اخرى، تقدمت بسبب الاستثمار في مؤسسات التعليم العالي، وبسبب هذا الاستثمار تقدمت اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، وبالتالي اصبح البند الاول في ميزانيتها من حيث كمية الاموال او من حيث الاولوية، هو التعليم، ومن الامثلة على ذلك تركيا، ولكن وفي ظل هذا الاستثمار، تعمل مظلة التعليم العالي على تحقيق اولويات البلد والمجتمع، وتقوم باستغلال المصادر والامكانيات والكفاءات من طلبة واستذة، ليس فقط للتعليم وتخريج الطلبة، ولكن وبالتوازي ومن حيث الاهمية، تقوم بأجراء الابحاث التي يحتاجها المجتمع، اي الابحاث التي تهدف لسد حاجة او نقص في البلد، او نوعية الابحاث التي يتم تفصيلها عل مقياس المجتمع وليست الابحاث التي يتم استيرادها مع اموالها من الخارج.

وبالتوازي كذلك تقوم مؤسسات التعليم العالي وعمليا، بالتركيز على التعليم المهني التقني كأحد اعمدة التعليم التي لا تقل اهمية عن ما تعودنا علية من التعليم الكلاسيكي او الاكاديمي، وتقوم برصد الميزانيات والامكانيات والحصص لهذا النوع من التعليم،  وتقوم بتحديد اعداد الطلبة لذلك، وتخصيص الحوافز والتشجيع وربط ذلك مع فرص العمل ومع حاجات المجتمع، والاهم ان تقوم بتسويق هذا النوع من التعليم، بشكل يغير نظرة الناس والطلبة الية، ويجعلهم يقبلون علية وبدون حرج او الشعور بمستوى اقل من التعليم الاكاديمي، الذي وفي احيان عديدة اصبح الاستثمار فية غير مجدي.

وبالتوازي كذلك من المفترض ان تقوم مؤسسات التعليم العالي عندنا، ببناء استراتيجية مستدامة، اي غير مؤقتة او مرتبطة بزمن، مع القطاع الخاص، وبأن يكون الاساس هو الاستفادة المشتركة، وبالتالي يتواصل استثمار القطاع الخاص في ابحاث التعليم العالي من خلال الاموال والمصادر الاخرى، ويتواصل وبشكل تبادلي استثمار التعليم العالي في القطاع الخاص من مؤسسات وشركات، من خلال تزويدة بالايادي القادرة، ليس فقط على ضمان مواصلة اعمالة، ولكن التي تعمل على تقدمة وقدرتة على المنافسة، والاهم، ان تقوم مؤسسات التعليم العال في بلادنا، بالتخطيط المشترك، بعيد المدى، وعلى المستوى الوطني، للحد من او للتخلص من تخصصات او مجالات اصبحت عبئا على البلد وعلى المجتمع وعل الطالب وعلى اهلة، وان يتم ملائمة ما تقدمة الجامعات وبشكل علمي موضوعي مع احتياجات مجتمعنا الحالية والمستقبلية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير