من الذي يحتاج الشرعية من الطرف الاخر؟بقلم: د.عقل أبو قرع

رغم التقدم العلمي والتكنولوجي الكبير، ورغم النمو الاقتصادي المتواصل، والذي وصل الى ناتج محلي اجمالي سنوي يقدر بحوالي 300 مليار دولار امريكي، ورغم القوة العسكرية الهائلة والمتطورة، ورغم الصناعة العسكرية التي تصدر الى دول عديدة في العالم، ورغم السند والدعم الخارجي وبكل انواعة، من عسكري وسياسي واقتصادي واعلامي، وبالتحديد من اكبر قوة في النظام العالمي الحالي، ورغم التوسع والاستيطان والقدرة في التحكم في حياة الاخرين، ورغم الادوات الاعلامية الضخمة، وبأنواعها من صحافة وتلفزة ووكالات انباء واقمار صناعية، والممتدة وبدعم مالي سخي في دول عديدة والتي تؤثر على السياسين ورجال الاعمال، ورغم حملات الدعم والمؤازرة التي قام ويقوم بها اللوبي اليهودي في دول كبرى وصغرى في العالم، سواء اكانت في الولايات المتحدة الامريكية، او في اوروبا اواسيا اوحتى في بلدان في افريقيا وغيرها، رغم كل هذه القوة، ما زال الجانب الاسرائيلي يصر وبشكل متكرر وملح، على الحصول على اعتراف الفلسطينيين بما بات متداول او يعرف ب" يهودية الدولة"، او بمعنى اخر الاعتراف بشرعية الدولة، او بشرعية الوجود؟
ومازال هذا الطرف يسعى بل يستميت ويجند الاخرين من اجل الحصول على هذا النوع من الشرعية، اي الشرعية في البقاء والمكوث في المنطقة، وبالتحديد من الطرف الاخر،الاضعف عسكريا والافقر اقتصاديا وماديا، والمقيد اعلاميا وجغرافيا ومعيشيا، اي من الطرف الفلسطيني، تلك الشرعية، التي كانت وما زالت ويبدو انها سوف تبقى، ورغم التقدم والقوة والاموال والتكنولوجيا والدعم الخارجي من كل نوع وصوب، سوف تبقى،الهاجس الاكبر والمطلب المتواصل، بل الامر المقلق والاهم بالنسبة للطرف الاخر؟
ويأتي هذا الالحاح للحصول على هذه الشرعية وبهذا المفهوم، بالرغم من ان الكثير من دول العالم، ومن ضمنها جميع الدول الكبرى، او بالتحديد الدول الاعضاء في مجلس الامن الدولي، قد اعترفت بها، وما زالت تقدم الدعم والغطاء والضمان لها، وما زالت بعضها تقدم الدعم الابرز والاهم من خلال استخدام حق النقض "الفيتو" الذي عطل وسوف يعطل اي قرار دولي ملزم ضدها، ورغم هذا الغطاء السياسي والدبلوماسي المتواصل، ورغم التسهيلات الاقتصادية والبنكية والتفضيل في المعاملات التجارية من هذه الدول الكبرى، ورغم الحوافز في الاستيراد والتصدير، ورغم عمل وجهد جماعات الضغط الذي لا ينضب وفي مختلف المجالات والميادين، ما زال الاهم للجانب الاسرائيلي هو الحصول على كلمة واحدة، او الحصول على التوقيع تحت كلمة واحدة، او اجراء استفتاء للموافقة على كلمة واحدة من الطرف الاضعف، اي من الطرف الفلسطيني وهي كلمة الشرعية، وهذا بحد ذاتة يظهر مدى المأزق الاخلاقي والقانوي والضميري الداخلي، الذي يعيشة الطرف الاخر، ويظهر مدى الشعور بعدم الطمأنينة والاستقرار والسلام والامن، رغم كل القوة والغطاء والتقدم، ورغم الدعم بكل انواعة.
وهذا يظهر وفي نفس الوقت مدى قوة الطرف الاضعف الاخر، ومدى قوة واهمية مواصلة التشبث بأوراق يملكها، من خلال الحق الانساني، رغم الضعف الاقتصادي، ورغم تبعثر السياسة وانجرارها وراء المصالح في العالم، ورغم الانقسام والضعف الداخلي، ورغم اعادة خلط الاوراق والمصالح والاولويات في المنطقة، ورغم خسارة المزيد من الارض والمصادر الطبيعية، ورغم القيود وبانواعها على حرية الحركة وعلى استغلال الامكانيات، وعلى استعمال المصادر والمعابر والحدود، وهذا يظهر وفي هذا الوقت وفي هذه المنطقة، وغيرها، ان القوة او ميزان القوى، لا يقاس فقط بالاقتصاد واستدامته، او بالمعدات العسكرية وتطورها، او بالماكينة الاعلامية وانتشارها، او بالغطاء السياسي وكثافتة، ولكن يقاس بالايمان او بامتلاك الحق والعدل والقانون الانساني العالمي.
وهذا يفسر كيف ان الجانب الاخر الاضعف، وذو الامكانيات المحدودة، ووسائل الضغط الضعيفة، والخيارات التي لا يتحكم بها في معظم الوقت، استطاع وحصل على اعتراف غالبية دول العالم بشرعية وجودة، وبدون اي مقابل، وحصل على قرار من اعلى هيئة دولية، وهي الجمعية العامة للامم المتحدة على قرار بقبولة كدولة "غير عضو"، رغم ان هذه الدولة وبمقوماتها الاساسية من السيادة لا توجد، سواء على المصادر الطبيعية او على الحدود، او حتى على عملية جباية الضرائب والجمارك؟
وفي ظل هكذا وضع، ومع استمرار الطرف الاقوى بالسعي الحثيث للحصول من الطرف الاضعف على نوع من الشرعية، ومع استمرار النزعة العميقة عندة بعدم الشعور بالطمأنينة والامان، ومع استمرار قضم الاراضي واستغلال الثروات الطبيعية من ارض ومياة، ومع استمرار السيطرة على الحركة والسفر والتحكم في حياة الطرف الاخر، ومع استمرار المضايقات والمنغصات وهضم الحقوق، سوف يبقى هذا الطرف بل سوف يزداد اصرار للحصول على شرعية ما من الطرف الاضعف، ورغم ذلك سوف يبقى هذا الطرف الضعيف يملك في يدية او في وجدانة، و بشكل علني وعلى مرأى من العالم بأهم اوراق القوة، اي منح الشرعية، وبغض النظر عن الشكل الذي سوف تمنح من خلالة، ومن الواضح وكما يبدو، انة كلما تصاعد الاصرار على الحصول على هذه الشرعية، ازدادت هذه الورقة قوة ومتانة وبروزا، وفي نفس الوقت فانها سوف تزيد من قوة واصرارالطرف الاضعف على التمسك بها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء