نحو تشجيع المواطن للابلاغ عن الفساد! بقلم: الدكتورعقل أبو قرع

09.04.2014 09:31 AM

يتم تعريف الفساد حسب المفاهيم العالمية،  على انة ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية تؤثر على جميع البلدان، والفساد يبطئ البناء والتنمية الاقتصادية ويقوض دعائم الديمقراطية، وقبل فترة، اصدرت منظمة الشفافية الدولية نشرتها السنوية لمستوى " مؤشر الفساد" في العالم، حيث تم ذلك بناء على معايير عدة، منها النزاهة واستغلال السلطة والرشوة والواسطة، وقد شملت الدراسة او الاستفتاء 177 دولة، وعلى سبيل المثال ومن الدول المحيطة بنا، احتلت مصر المرتبة 114، بينما احتلت الاردن المرتبة ال 66 ، اما اسرائيل فقد احتلت المرتبة ال 36، والجدير بالذكر ان الدنمارك قد احتلت المرتبة الاولى، بينما احتلت الصومال المرتبة الادنى في اللائحة، ولم تكن فلسطين مدرجة في اللائحة بسبب وضعها الخاص.

ومن الواضح ان هناك نوعا من التقدم في معالجة موضوع وقضايا الفساد في بلادنا، ومن الواضح كذلك زيادة الاهتمام او التركيز اكثر على الابلاغ عن الفساد، سواء عن اشخاص فاسدين او عن مؤسسات او تصرفات فاسدة،  وازدياد الوعي عند المواطن الفلسطيني بضرورة الابلاغ عن الفساد، بل وازدياد الجرأة هو امرا ايجابيا، وفي نفس الوقت زيادة التركيز من قبل المؤسسات، سواء اكانت مؤسسات رسمية، او مؤسسات مجتمع مدني، وسواء اكان ذلك  من خلال الاعلانات والنشرات،  هو بالامر الايجابي، ولكن ولكي يستمر السير في هذا الاتجاة، وخاصة من قبل المواطن، والذي في اعتقادي هو حجر الزاوية في هذه العملية، فالمطلوب توفير الحماية المعنوية والمادية لة، والمطلوب ارساء ثقافة اهمية الابلاغ عن الفساد كثقافة راسخة في مجتمع مثل مجتمعنا.

وكان واضحا من خلال دراسة نشرت وتم مناقشتها حديثا، ان الواسطة والمحسوبية هما من اكثر انواع الفساد تفشيا في مجتمعنا الفلسطيني، في مجتمع تبلغ نسبة البطالة فية حوالي 25%، وتتعدى نسبة الفقر فية ال 20%، وبالتالي هناك العوز والحاجة والاستجداء ومن ثم الواسطة وبانواعها، ولكن حين يتم  ذلك، فأنة يتم على حساب الكفاءة والاستحقاق والشخص المناسب في الموقع المناسب، ولتغيير هذه الثقافة، وبالاخص في القطاع العام، او حتى قطاع المجتمع المدني والاهلي، فأن ذلك يتطلب وقتا وعملا وجهدا والاهم هو ترسيخ الاقتداء بمن يملك المنصب الاعلى والمسؤولية الاكبر والقدرة الاقوى، ويتطلب بث الوعي، ويتطلب تطبيق القانون وعلى الجميع، وفي العلن وبالنزاهة والشفافية، وبالتالي ازالة الانطباع عند الناس ان من يتم محاسبتهم او ملاحقتهم او محاكمتهم هم الصغار او الضعفاء او الفقراء، او الذين لا يوجد لهم حماية او دعم  او سند.

ولا يجادل احد ان الفساد، وبأنواعة، من استغلال السلطة ومن رشوة، واختلاس، ومحسوبية وواسطة، هو من اهم معيقات التنمية والتقدم، وحتى من اهم اسباب فقدان الثقة عند المواطن بأمكانية التقدم والتنمية، ونلاحظ ان معظم الدول، سواء في محيطنا العربي او العالم قامت بأنشاء هيئات او اطر او اجهزة لمكافحة الفساد، وتم ربط ذلك وبوضوح مع التنمية ومع التخلص من الفقر والبطالة والجهل، وباتت اي عملية تغيير سياسي في اي بلد تنادي اولا بمكافحة الفساد، سواء اكان فسادا سياسيا، او اقتصاديا، او فساد التعليم، او احتكار الاسعار، او المتاجرة بالاغذية والادوية الفاسدة، وباتت الدول المانحة وما ينبثق عنها من مؤسسات دعم، تشترط النزاهة والشفافية وتربط بما يتم تقديمة من اموال للتنمية وبانواعها، بوجود دوائر المتابعة والتقييم والتدقيق وما الى ذلك، وبدون شك ان للفساد انعكاسات كثيرة، على البلد والمجتمع والمواطن والمستهلك. 

والمستهلك في بلادنا، الذي بات يتابع وبشكل شبة يومي فسادا يقلق الجميع، وهو فساد الاغذية، وعدم صلاحيتها، او عدم سلامتها، وكذلك ارتفاع الاسعار والتلاعب بها، وقد يكون ذلك لاسباب كثيرة، ولاهداف متعددة، ولكنة في المحصلة يسبب الضرر للمستهلك وللمجتمع، سواء من خلال الاضرار الصحية او المادية ، وهذا بحد ذاتة فسادا، والمطلوب تطبيق القانون وبحزم على من يمارس هذا النوع من الفساد، الذي يتلاعب بحياة وبجيوب الناس، ومحاسبة الفاسدين في هذا المجال يعطي الثقة اكثر للمستهلك للاخبار عن الاغذية الفاسدة، وللتواصل بشكل انجع مع الجهات ذات العلاقة.
وحين الحديث عن مكافحة الفساد، ليس من المنصف فقط الاشارة الى القطاع العام، اي الى الحكومة، وصحيج ان القطاع العام هو قطاع كبير واية ممارسات فاسدة تؤثر على الناس ومجرى حياتهم، ولكن هناك قطاعات اخرى، فهناك قطاع المؤسسات العامة التي لا تتبع الحكومة وهي كثيرة في بلادنا، وهناك الجامعات و الجمعيات او المؤسسات التي تديرها مجالس امناء، وهناك القطاع الخاص، وبالاخص الشركات المساهمة العامة، اي التي يضع الناس فيها اموالهم، وهناك المؤسسات الكثيرة للمجتمع المدني، ومن كل الانواع والاسماء، والتي تحصل على اموال وميزانيات وتنفذ مشاريع، وبعض هذه المؤسسات ما زال شخص او اشخاص يديروها منذ سنوات، تمتد الى عشر سنوات او حتى عشرون عاما، واذا كانت اعتى الديمقراطيات في العالم لا تسمح للرئيس بالترشح لاكثر من فترتين، اي حد اقصى ثمان او عشر سنوات، اليس بقاء رؤساء مؤسسات مجتمع مدني او غيرهما لاكثر من عشر سنوات يثير الاسئلة، ويؤشر بشكل ما الى الفساد.

وفي بلادنا، هناك مؤسسات دولية كثيرة، تعمل في كل ما هب ودب، والهدف هو خدمة المواطن الفسطيني، وتحصل هذه المؤسسات على دعم بأسم الشعب الفلسطيني، وفي نهاية السنة يتم تسجيل هذا الدعم من ضمن اموال الدعم للشعب الفلسطيني، وفي العادة تقوم بتنفيذ اعمالها بالتعاون مع جهات فلسطينية رسمية او غير رسمية، ولكن المتتبع يلحظ ان القسم الاكبر من ميزانيات المشروع تذهب الى اعضاء المؤسسة او موظفيها، على شكل رواتب ومكافاءات لمستشارين وورشات عمل ورحلات واجتماعات، وفي احيان تستفيد الجهات الفسطينيةالمشاركة في هذا المنوال، وتصل الامور في بعض المشاريع، ان يذهب اكثر من 90% من ميزانية المشروع الى هذه الامور، ويبقى الجزء اليسير للمشروع الحقيقي الذي يصل او لا يصل الجزء الايسر منة الى المواطن المستهدف، وحين تقام الاحتفالات في نهاية المشروع، نحس ان هناك انجازات واعمال في طريق التنمية في فلسطين، وتكون المؤسسة مشغولة بكيفية العمل للحصول على دعم المشروع التالي، ولذا اليس بالاحرى بجهات مكافحة الفساد، الرسمية او غير الرسمية، العاملة في بلادنا، بـأن تعطي هذا البند الاهمية والمتابعة والاولوية، ومن ثم المحاسبة او التصحيح.

والفساد متنوع وسوف يبقى، وهو من اهم معيقات التقدم والتنمية، وبدون شك ان هناك تقدم كبير في السنوات الماضية في مجال مكافحة الفساد في بلادنا ، ولكن ما زالت هناك ثغرات، وما زال هناك خوف عند المواطن للابلاغ عن الفساد، وما زلنا نلحظ  في احيان ان تطبيق القانون بطيئ، وما زلنا نكتشف الاغذية الفاسدة والادوية غير الصالحة، وما زالت الواسطة تنخر في اجسادنا ونمارسها في حياتنا، وهذا كلة يتطلب المزيد من العمل معا، والاهم زيادة التواصل مع المواطن الذي هوالاساس في عملية مكافحة الفساد.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير