لماذا نحتاج الى القادة من اجل التغيير؟ - بقلم: د.عقل أبو قرع

07.04.2014 11:31 AM

في الحياة العادية اليومية، وفي الاقتصاد او في عالم الاعمال او الشركات او حتى في السياسة، هناك المئات من المديرين الناجحين، الذين ينجحون في تحقيق الذي من المفترض تحقيقة، والذي يتوج في نهاية السنة او نصف السنة او الفصل بقياس نسبة تحقيق الاهداف، او بنسبة الارباح او مستوى العائد على الاستثمار او نسبة الربح الى السهم، اي ان المدير الناجح يحافظ على وضع قائم، ويقوم بأدارتة في احسن حال، اي يقوم بأستعمال ما هو موجود من مصادر بشرية، ومن ميزانية، ومن ادوات وما يحيط بكل ذلك من بيئة وظروف عمل، ويعمل على تحقيق افضل المخرجات، ويبقى الوضع على ما هو علية، مع تطوير هنا او هناك، ومع زيادة هنا او هناك.

ورغم وجود المئات من المديرين الناجحين، الا انة يوجد القلة من القادة، او من يتصفون بصفات القيادة واهمها التاثير والقدرة على احداث التغيير والقدرة على الاقناع والاتصاف ببعد الرؤيا، والقدرة على بث التفاؤل والطموح والامل بالتغيير، وبالتالي قيادة الناس نحو تحقيق الهدف، ويمارسون هذه الصفات، حتى ولو لم يكونوا في موقع العمل او البيئة المحيطة بالعمل، وفي عالم الاعمال، حين الحديث عن التغيير والابداع، فيمكن تذكر كيف تم قيادة شركات كبرى نحو التغيير المتواصل، مثل شركة "أبل" و "ميكروسوفت" في عالم التكنولوجيا مثلا، وما ينطبق على التكنولوجيا ينطبق على شركات الادوية، التي باتت نوعية وطريقة وسرعة انتاجها تتغير وبشكل سريع ومثير، وبالتالي اذا لم يوجد قادة يقودون هذا التغيير السريع وبنجاح، فأن هذه الشركات لن تبقى تنافس وتحتل مكانا في السوق او تلاقى الاقبال عند المستهلك، الذي هو نفسة يتغير باستمرار.

ورغم هذا الفرق الكبير بين القادة والمدراء، ما زال العديد من الناس، سواء من الاكاديميين او من غيرهم يخلطون بين القيادة والادارة، او بين القائد او المدير، وبين صفات القائد او المدير، وهناك امثلة كثيرة، وخاصة في مجال تغيير الشركت والمؤسسات وحتى الدول، امثلة فشلت لان من تسلم دفة التغيير لم يكن قائد، وانما كان مدير، وربما كان مدير من انجح المديرين، ولكن لم يكن من القادة او يتصف بصفاتهم، وما ينطبق على القادة والتغيير والتأثير والاقناع في مجال الاقتصاد والاعمال، ينطبق في مجال السياسة وفي مجال احداث التغيرات الاجتماعية والثقافية، وهناك امثلة كثيرة لقادة  غيروا الكثير، او نجحوا في الانتقال من اوضاع الى اوضاع، لم يكن من السهل تصور تحقيقها، ومن الامثلة القريبة هو الزعيم نيلسون مانديلا، التي توفي قبل اسابيع.

وحين الحديث عن الريادة او الابتكار و التنمية، فهذا يعني الحديث عن التغيير، او قيادة التغير من اجل الانتقال من وضع حالي الى وضع تنموي جديد او افضل، والتغيير امر ايجابي، وهناك شركات ومؤسسات ومنظمات كثيرة اذا لم تتغير او تغير من طريقة عملها، او من منتجها، او من طريقة تعاملها وبالاخص مع المستهلك، لن تستطيع البقاء والمنافسة، و في بلادنا، يكاد لا يمر يوم الا ونسمع او نقرأ او نشاهد في مؤتمر او في ورشة عمل، الدعوة الى التغيير، تغيير في الاقتصاد وفي التنمية واساليبها، وفي القضايا الاجتماعية والثقافية وفي الوضع الصحي، وغير ذلك، وبالطبع التغيير نحو الافضل، ومن السهل المطالبة بالتغيير وحتى عرض ما يهدف لة التغيير وما يجب توفرة من مصادر وظروف واموال وبشر، ولكن الاصعب، سواء في الاقتصاد او في السياسة او في الاعمال الريادية او في التنمية، سواء اكانت تنمية زراعية او بشرية او في الافضل التنمية المستدامة، الاصعب في عملية التغيير هو قيادة التغيير، او ايجاد الشخص او الاشخاص الذين يستطيعون العبور وبنجاح من الموقع الحالي الى الموقع الاخر، وهناك مساقات يتم تدريسها او علم قائم بذاتة فيما يتعلق بأدارة التغيير، ولاحداث التغيير وببساطة يتطلب وجودة قادة.

وحين الحديث عن التغيير والقادة، اي قادة التغيير، فأن هذا يعني الريادة والابداع والابتكار، وهذا ليس بالضرورة في المنتج، ولكن في الاسلوب وفي التفكير وفي ثقافة العمل، اي التغيير والتأثير لاحداث التغيير، او الاقناع لاحداث التغيير، لان الناس وبطبيعتهم لا يرغبون في التغيير، او يرغيون في البقاء في الوضع المريح المستقر،او  يعملون على مقاومة التغيير، لان التغيير يتطلب طاقة وجهد واوضاع غير مستقرة، ولاقناع الاخرين بالتغيير وللعمل من اجلة ومن ثم القيام بة، يتطلب من القادة المبادرة واظهار ايجابيات التغيير، وبأن يكونوا القدوة وان يملكوا القدرة على تحمل مسؤولية الفشل.  

والاعمال الريادية او الابداعية او الجديدة تحتاج الى قادة لبدء ومن ثم ادارة التغيير، والريادة سواء اكانت من قبل الدولة او القطاع الخاص او الافراد باتت العامل الاساسي لتقدم ونمو اقتصاديات دول، والتدخل الريادي للدولة هو بالامر الايجابي المكمل او المحفز او الداعم لما يقوم بة القطاع الخاص، ومن الامثلة على التدخل الايجابي الريادي للدولة هو ما قامت وتقوم بة مختبرات الابحاث الرسمية الامريكية ، من ابتكارات وابداع وتطوير، والتي يتلقفها القطاع الخاص، في مرحلة ما من تطورها، والمثال ما قامت بة شركة " ابل" الامريكية، بالاستحواذ على منتجات او انظمة تم تطويرها في مختبرات الدولة العامة، وقطعت اشواط مختلفة في التطور، ولكن تدخلت شركة "ابل"، وبالاتفاق مع الدولة او مختبراتها، وترجمتها كمنتجات نهائية، وتحمل بصمة شركة "ابل"، ومن ثم وصلت الى المستهلك كمنتجات للشركة المصممة، اي للقطاع الخاص. 

وما ينطبق على قطاع التكنولوجيا ينطبق على قطاع الادوية، ومن خلال عملي ولعدة سنوات في شركات ادوية عالمية في امريكا، وبالتحديد في مجال البحث والتطوير، عايشت ذلك عن كثب وتتبعت كيفية وطبيعة العلاقة الريادية بين القطاع العام والقطاع الخاص،، وهناك العديد من الادوية المهمة والمعروفة عالميا والتي وصلت الىى المستهلك، قد تم تطويرها بدأ من الفكرة ولمراحل عديدة في مختبرات الابحاث التابعة للدولة، مثل مختبرات المعهد الوطني الامريكي للصحة، او وكالة الدواء والغذاء الامريكية، وفي مرحلة ما من عملية التطوير وبصورة تكاملية، قامت شركات الادوية، اي القطاع الخاص بالاستحواذ عليها، ومواصلة التطوير حتي وضعها في السوق وفي متناول المستهلك، وبدون تدخل القطاع الخاص فأن هذه الادوية لم تكن لتصل الى المرحل النهائية من التطور وبالتالي الى السوق، وهذه العملية التكاملية برمتها تساهم في تحقيق اهداف الدولة من تلبية احتياجات المريض الطبية، وكذلك تلبي احتياجات شركات الادوية كقطاع خاص.

وفي بلادنا، ونحن نملك الكفاءات المدربة والعقول، ونحن بحاجة الى التشغيل والحد من البطالة، ونحن بحاجة الى التنمية، فأن دور الحكومة الريادي في المساهمة في الانتاج والتنمية من المفترض ان يكون دور قيادي، وبالطبع كدور مكمل للقطاع الخاص، ومن الامثلة الاقرب الينا هو ما تقوم الحكومة في اسرائيل، حيث ما تقوم ب مختبرات ابحاث حكومية، من زراعة وصناعة وتكنولوجيا، وفي مجال الادوية والبيئة، من المساهمة وبالتكامل مع القطاع الخاص في التطوير و التنمية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير