ذهبت للشكوى... فتحولت الى مُتهم - بقلم: نبيل دويكات

07.04.2014 10:44 AM

تصادف بدء كتابة هذه الحلقة من سلسلة "يوميات مواطن عادي" مع توقيع الرئيس الفلسطيني على سلسلة من المعاهدات والمواثيق الدولية المرتبطة بحقوق الانسان في مختلف المجالات. مقالتي تهدف الى تسليط الضوء على واقع الحال في مجتمعنا الفلسطيني، وتحديداً فيما يتعلق بإحترام حقوق الفلسطيني كأنسان من قبل العديد من الهيئات والمؤسسات الرسمية في مجالات عمل مختلفة. ورغم أن جزءاً كبيراً مما سأكتبه في المقالة يعكس تجربة شخصية عشتها على مدار عدة أيام، إلا أن مجمل تفاصيل هذه التجربة تشير الى أن هناك "شبهات"، على الأقل، بخروقات متعددة، ومن قبل هيئات ومؤسسات رسمية مختلفة للحقوق الأساسية للإنسان، والتي عبرت عنها سلسلة من المعاهدات والمواثيق والإتفاقيات الدولية في مختلف المجالات. ونقف اليوم كشعب فلسطيني على أبوابها طالبين الإنضمام اليهاـ والتوقيع على بروتوكولاتها المختلفة.

تعرضت نهاية آذار الماضي لأزمة وإمتحان صعب تسبب لي ولعائلتي بألم ومعاناة إستمرت ما يقارب العشرة أيام. ولأنني مواطن كبقية المواطنين فإنني أعتقد انه يحق لي أن اكتب هذه المرة عن هذه التجربة، ليس لأنها تجربتي الشخصية فحسب، بل لأنها تجربة تكررت، وربما تتكرر مع مواطنين آخرين لا أعرف عددهم بالتحديد، لكن ما أنا متأكد منه هو أن ما حصل ليس حادثاً منفرداً ووحيداً، أو أنه ناتج عن خطأ فرد أو مجموعة أفراد يمثلون ويحتلون مناصب معينة في هذه المؤسسة أو الهيئة أو تلك. بل إنه حدث يكشف سلسلة من الثغرات وجوانب الخلل في أداء العديد من المؤسسات الرسمية تجاه حقوق الإنسان وأولويات إحترامها تحت كل الظروف والإحتمالات.

اليوم الأول
كنت عائد مساءاً الى بيتي في منطقة نابلس بعد رحلة يوم عمل ذهاباً وإياباً الى منطقة جنوب الضفة الغربية، حين فاجأني أربعة أشخاص بمحاولة الإعتداء علي شخصيا وعلى سيارتي، وذلك على خلفية إشكال بين حامولتين في بلدتنا، وأنا من إحداهما. أُصبت بحجر في وجهي وكذلك أصيبت سيارتي، وتدخلت أجهزة الأمن التي كانت قريبة من المكان لمنع تطور الأحداث. حيث بدأ أقاربي بالتجمع، وكذلك الحامولة الأخرى، وغادرت الى بيتي في حين قام أفراد من أجهزة الأمن بإحضار سيارتي الى بيتي. كنت بإنتظار سيارة إسعاف لنقلي الى المستشفى لمعالجة إصابتي حين حضرت داورية من إحدى الأجهزة التابعة للشرطة وطلبوا مني توضيحات حول ما حدث، ثم طلبوا مني مرافقتهم الى مركز الشرطة لتسجيل إفادتي وتقديم شكوى حسب الأصول، على أن يقوموا هم بإرسالي للمستشفى بعد ذلك لعلاجي. وفعلاً رافقتهم وقدمت شكوى مفصلة حول ما حدث وأسماء المعتدين وتفاصيل إعتدائهم. ثم أبلغوني أنه سيتم "التحفظ" علي لمدة (24) ساعة. ولم أحصل منهم على جواب محدد ومقنع حول أسباب هذا "التحفظ"، كما لم تفلح مطالباتي المتكررة بإرسالي الى المستشفى للعلاج، وأعلموني أنه سيتم إرسالي الى قسم الخدمات الطبية. وهو ما حصل فعلاً منتصف الليل، حيث قاموا هناك بتعقيم مكان الإصابة ومسحها بمرهم ثم أعادوني الى مركز الشرطة حيث بت الليلة الأولى في "نظارة" أحد أجهزة الشرطة.

اليوم الثاني
أبلغوني ظهراً انه تقرر الإفراج عني، وسيتم ذلك فور حضور مدير الجهاز وتوقيعه قرار الإفراج. لكن بعد عدة ساعات قاموا بتحويلي الى قسم آخر في الشرطة، وتبين لي خلال استجوابهم انهم يتحدثون عن قضية مختلفة حصلت منذ عامين، سأطلق عليها (س) ويتم النظر فيها حالياً في المحكمة. وأعلمتهم بذلك لكنهم رفضوا كلامي وأصروا على أخذ إفادة مني حول القضية، وفعلت ذلك، وأبلغوني بقرار توقيف لمدة (24) ساعة، حيث بت تلك الليلة في "نظارة" أخرى في نفس المركز.

اليوم الثالث
أرسلوني صباحاً الى مقر النيابة، وبعد إنتظار طويل في زنزازنة ضيقة طلبني وكيل نيابة لمقابلته، وأبلغني بأن هناك شكوى مقدمة ضدي من قبل أحد أجهزة الأمن بتهمة المشاركة في شجار عام، سأسمي هذه القضية (ص). عبثاً حاولت أن أشرح له وجهة نظري وما حصل معي وسؤاله عن الشكوى التي تقدمت بها حول الاعتداء علي، وقرر توقيفي لمدة (48) ساعة، ونقلت من هناك الى المحكمة، وحين دخلت قاعة المحكمة وجدت أن الملف الموجود أمام القاضي هو ملف القضية (س)، وطلب القاضي عبر مكبرات الصوت حضور المشتَكي علي في تلك القضية، لحسن حظي أنه حضر متفاجئاً، وأعلم المحكمة أنه تصادف وجوده في المحكمة لدفع مخالفة مرور فقط، وحين سأله القاضي عن القضية والشكوى ضدي رد بأنه أسقط الشكوى. وهنا قرر القاضي إغلاق الملف وإخلاء سبيلي. وقاموا بتحويلي الى مركز التوقيف، وهذه المرة بناءاً على قرار وكيل النيابة حول القضية (ص).

اليوم الرابع
من مركز التوقيف الى قاعة المحكمة وتصادف وجود نفس القاضي في اليوم السابق، حيث تفاجأ من وجودي مرة أخرى أمامه، وحين إطلع على الملف تبين أنه يتعلق بالقضية (ص) وهنا تلا علي التهمة وطلب مني الإجابة، حيث أجبته فعلا بما حصل معي في اليوم الأول. وهنا قرر القاضي الإفراج عني (بالكفالة) مع بقية الموقوفين على ذمة نفس القضية. وغادرت قاعة المحكمة الى مركز التوقيف بإنتظار إتمام معاملات الكفالة، ومن ثم الإفراج. وحين نادوا على إسمي سلمت على الحضور ومن بينهم أربعة من أشقائي وأبنائهم موقوفين هم أيضا على نفس الخلفية. لكن تبين لي لاحقاً أن هناك دورية من أفراد الشرطة بإنتظاري، حيث إصطحبوني من مركز التوقيف الى قسم الشرطة. تبين لي بسرعة أن أحد المعتدين تقدم بشكوى ضدي في اليوم التالي لحادث الإعتداء علي، ويتهمني بأنني اطلقت النار عليه أمام أفراد أجهزة الأمن. سأسمي هذه القضية (ع) ولم تُفلح محاولاتي لتوضيح حقيقة ما حصل والشكوى التي تقدمت أنا بها، وبأن هذه الشكوى ضدي "كيدية"، وطلبت منهم البحث عن الشكوى التي تقدمت بها، رفضوا ذلك بحجة أنها ربما تكون في قسم آخر من الشرطة، وهذا لا يعنيهم حسب قولهم، بل ان شخص عرّف نفسه بأنه مدير قسم التحقيق صرخ في وجهي قائلاً أنه لن يسمع ولا يريد أن يسمع أي شيء مني سوى إجابتي على أسئلتهم. إنتهى ذلك اليوم بتوقيف جديد لمدة (24) ساعة أخرى. خلال تلك الليلة قدمت إفادة وشكوى الى قسم متخصص بالشكاوي تابعة للشرطة (وبالمناسبة هو القسم الوحيد الذي شعرت أنه تعامل بجدية وإحترام مع كل أقوالي) حول مجمل ما حصل معي بالتفاصيل ومدعماً بأسماء أفراد يعملون في جهاز الشرطة كنت قد علمت في الأيام الماضية، ومن خلال أفراد يعملون في جهاز الشرطة، أنهم يتابعون ما يحصل معي بكل دقائقه بصورة تثير الشكوك. وحتى اليوم لم يتصل بي أحد ليتابع الشكوى أو إعلامي بالنتائج التي توصولوا اليها.

اليوم الخامس
نقلت من مركز الشرطة الى مقر النيابة، هذه المرة لم يقابلني أحد من وكلاء النيابة، وفقط بقيت عدة ساعات في زنزانة النيابة، ثم ارسلوني الى المحكمة، حيث كان أمام القاضي ملف القضية (ع)، وحين رد محامي الدفاع بسؤال للقاضي حول هل يعقل أنني أطلقت النار على المشتكي أمام أفراد الأمن؟ وأين هو السلاح المُفترض؟ لم يجب القاضي وقرر توقيفي لمدة أسبوعين.


الأيام التالية
خلال وجودي في مركز التوقيف، علمت أن هناك من يمارس عملية "ضغط" علي وعلى أشقائي "للتأثير" على مواقفنا في كيفية حل المشكلة القائمة بين الحامولتين في القرية. أما عن كيفية تفاصيل وطرق التدخل والمشاركين فيه وآليات عملهم فأنني لا أعرف تفاصيلها نهائيا، وكل ما أعلمه ان هناك عدة جهات وأطراف مارست هي الأخرى "ضغوط" للإفراج عني. تم الإفراج عني في اليوم العاشر. وعن أشقائي في اليوم الثالث عشر. فيما يتعلق بالظروف والشروط داخل مراكز التوقيف (حدّث ولا حرج) وتفاصيل ظروف وشروط هذه المراكز ، ومدى إحترام حقوق الإنسان فيها، فهي برسم الهيئات والمؤسسات الحقوقية المختصة والمتخصصة، وأكتفي هنا بمؤشر واحد وهو أنني قضيت في مركز توقيف مدة (6) أيام متتالية لم أحصل خلالها على حق الخروج للفسحة اليومية "الفورة" رغم أنني طلبت ذلك عدة مرات.

 

لا أعرف اذا كانت جذور ومنابع المثل الشعبي القائل (ضربني وبكى.. وسبقني وإشتكى) تعود الى الحقبة "القراقوشية" أم لا. إلا أن ما أعلمه الآن من خلال تجربة عدة أيام مقسمة الى ساعات ودقائق تشير الى أنه ما زالت هناك تطبيقات في تفاصيل حياتنا اليومية، وعمل مؤسساتنا المختلفة تثبت صحة هذا المثل، وتعيد إنتاجه من جديد. إننا كشعب فلسطيني ونحن توجه لهيئات المجتمع الدولي المختلفة "مستنجدين" بها لتكون لنا عوناً في انهاء الظلم والتعسف وإنتهاك الحقوق الذي يمارسه الإحتلال الإسرائيلي ضدنا في كل المجالات، فإنه يقع في سلم اولوياتنا، ونحن نقوم بذلك، أن نرتب أوراقنا جيداً ونرتب بيتنا من الداخل حتى لا يظهر من يقول لنا كفلسطينيين: إنكم تمارسون ما تطلبون منا الوقوف معكم ضده.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير