هل يلبي القطاع الصحي في فلسطين احتياجات الناس؟ بقلم: الدكتور عقل أبو قرع
قبل فترة اعلنت نقابة الاطباء الفلسطينيين الاضراب عن العمل، وبغض النظر عن اسباب او الاهداف من الاضراب، الا ان المواطن الفلسطيني، والقطاع الصحي، سواء الان او على المدى البعيد هو الذي يتضرر والذي يدفع الثمن، وبدون شك ان هذا ادى ويؤدي الى حالة الارباك وعدم الوضوح الحالية عند الناس، حيث ان العديد منهم قد تأجلت عملياتهم او تغيرت خطط حصولهم على العلاج، والذي يحدث انعكاسا لهذا التخبط والتجاذب وربما شد العضلات في القطاع الصحي الفلسطيني.
وسمعنا قبل فترة كذلك عن النقص في الادوية، وبالاخص الادوية للامراض المزمنة، اي الادوية التي يتم استيرادها من الخارج، وبالتالي يتم توريدها الى وزارة الصحة الفلسطينية من خلال الموردين، ونسمع من الموردين ان هناك ديون على الوزارة تصل الى مئات الملايين من الشواكل، وبالتالي هناك التهديد بوقف تزويد الوزارة بالادوية اذا لم يتم دفع الديون، وفي ظل هذا التجاذب، فأن من يدفع الثمن هو المواطن، او بالاخص المريض الفلسطيني الذي يحتاج الى الادوية، والذي من المفترض ان يحصل عليها، اما لانة يملكالتأمين الصحي الحكومي، او لان الوزارة تقوم بتزويدة بأدوية الامراض المزمنة، كواجب وطني صحي تجاة المرضى بهذه الامراض.
وقبل فترة قرأنا، ومن خلال بعض المواقع الاخبارية، عن نوعا من التجاذب او الانتقاد او الاتهام، من قبل اعضاء في المجلس التشريعي الفلسطيني، الى وزارة الصحة، وبالتحديد الى الوزير، الذي هو المسؤول الاول عن القطاع الصحي، امام المواطن والناس، وامام الحكومة، وامام المجلس التشريعي، وبغض النظر عن نوعية او مدى دقة الانتقادات او التجاذبات، فأن من يدفع الثمن، وبالاضافة الى المريض الفلسطيني، هو القطاع الصحي، الذي وفي الدول المتقدمة، او الدول التي تعطي الاولوية للمواطن، هو القطاع الاهم من ناحية الميزانيات ومن ناحية الاسنثمار والجودة والاهتمام، والتفاخر والتباهي في العالم.
وما زلنا نسمع هذه الايام كذلك، عن نظام التحويلات في وزارة الصحة، اي التحويلات الى المستشفيات او العيادات التي لا تتبع الوزارة، سواء تلك المشافي او المراكز الخاصة في البلاد، او الى المستشفيات في خارج البلاد، او بالتحديد في اسرائيل او الاردن، ونسمع كيف ان هذا النظام ارهق و يرهق الوزارة، وهو يأكل الجزء الاكبر من ميزانياتها، وكيف ان نظام عدم الموضوعية في الاختيار والقرار والاولوية ما زال موجود، وكيف ان لجان قد تشكلت لاعادة تقييم هذا النظام، وكيف ان هناك من يقول ان هناك تغييرا كبيرا وموضوعيا قد حدث في نظام التحويلات، ومن يقول ان ذلك لم يحدث، وان كل ما يقال هو للاستهلاك الاعلامي والسياسي، وفي ظل هذا التخبط، فأن من يدفع الثمن هو المريض الفلسطيني، الذي ينتظر وبمرارة وبصبر، القرار او الدور بالتحويل الى الخارج من اجل العلاج، ومن يدفع الثمن كذلك هو النظام الصحي الفلسطيني، الذي تذهب جزء كبير من ميزانيته الى هذه التحويلات، على حساب التطوير والجودة وعلى حساب الاستثمار في داخل القطاع الصحي نفسة.
ومعروف في الانظمة الصحية، ان هناك الرعاية الصحية الاولية، اي الاساسية للناس، وبالاخص تلك التي تقوم على مبدأ الوقاية، او الصحة العامة، وهناك المستوى الثاني من الرعاية، اي المستشفيات، والمستوى الثالث، اي المشافي او المراكز المتخصصة، وما يهم غالبية الناس في بلادنا، هو الرعاية الصحية الاولية، من توفر العيادات للعلاج، او لتلقي التطعيم، او للحصول على الادوية، او لاجراء الفحوصات المخبرية، واذا زرت احدى هذه العيادات، فأنك تجدها مكدسة بالناس، وبدون ترتيب او تنظيم، ويمكن ان لا يأتيك الدور للطبيب، اوان لا تجد الدواء الذي تبغي الحصول علية، سواء بسعر رخيص او مجانا لانك تملك التأمين الصحي الحكومي، ويمكن ان لا تجد التطور اللازم في مختبرات هذه العيادات وبالتالي تتجة الى المختبرات الخاصة، ويمكن ان لا تجد كذلك ما تأمل من اسلوب التعامل ومن سهولة الحصول على المعلومات.
والرعاية الصحية الاولية تهم المرأة والطفل والمريض، وهي تهم المدرسة والقرية والمدينة، ورغم التوسع في اعداد مراكز الرعاية الصحية الاولية، وفي اعداد الموظفين والكوادر، ورغم حملات التطعيم والمراقبة واستخدام الاعلام وبقوة، الا ان ما يهم المواطن والقطاع الصحي، هو التركيز كذلك على الجودة والنوعية وتوفر الخدمات الاساسية بجودة العيادات او المختبرات الخاصة، وكذلك التركيز على الادارة الجيدة، وعلى تطوير اسلوب او عقلية التعامل والاحترام للمريض او للمراجع، وعلى اهمية التواصل مع المريض الفلسطيني بشكل يمنحة الشعور بأنة هو محور الاهتمام والتعامل.
والمختبرات التي تتبع وزارة الصحة، وفي حالتنا الفلسطينية، الرعاية الاولية، والتي تقوم بأجراء الفحوصات للادوية، والفحوصات للاغذية، وللمياة، وللعينات البيئية المختلفة، وللمواد المشبوهة من مخدرات وكيماويات، والى غير ذلك من الفحوصات، لهي بحاجة الى التطور او الى النمو او الى نوع من الاستقلالية الادارية او التنظيمية، ومعروف انها حصلت ومن خلال مشاريع المانحين المختلفة على الاجهزة المتطورة، وبعضها متطور جدا، ولكن ربما جزء منها لا يتم استغلالة بالشكل الكافي او بالقدرة المطلوبة، وبالتالي فأنة من المفترض اعطاء الاهمية اللازمة لهذه المختبرات، من حيث الترتيب الاداري، ومن حيث الية التواصل مع الناس ومع الجهات غير الرسمية والرسمية الاخرى في الحكومة، والاهم من حيث العمل الى زيادة ثقة الناس والمؤسسات في عملها وفي نتائجها وفي اثارها.
ومعروف ان القطاع الصحي الفلسطيني قد حصل على دعم من خلال مشاريع الدول او المنظمات المانحة، الدولية او غير الدولية، وحصل على عشرات، وربما على مئات الملايين من الدولات، سواء من خلال الاجهزة او المباني او الادوية او التدريب او المنشورات او غير ذلك، ويوجد في بلادنا منظمات دولية عديدة تدعم القطاع الصحي، ومن جوانب مختلفة، مثل منظمة الصحة العالمية، ومنظمة اليونسيف، وبرنامج الامم المتحدة الانمائي، وبرنامج الامم المتحدة للسكان وغيرهما، وهي تدعم المرأة والطفل والعائلة والصحة العامة والتطعيم والاجهزة، والمخدرات والامراض السارية مثل امراض الايدز والسل، والامراض غير السارية من سكري وقلب، وما الى ذلك، وقامت وتقوم بالكثير من المشاريع، وهي لا تستطيع القيام بذلك بدون الشراكة او التعاون او حتى اخذ الموافقة من وزارة الصحة او مع الجهات الصحية الفلسطينية الاخرى، ولكن ورغم هذا الزخم الكبير وهذه الملايين الكثيرة وهذه الاعداد الكثيرة من الخبراء ومن الموظفين والمستشارين ومن الزيارات والاجتماعات وورشات العمل، فهل استفاد القطاع الصحي الفلسطيني من ذلك وبشكل مستدام، اما ان الاثر يتبخر بتبخر اخر فلس في المشروع، او يبقى الجهاز في موضعة ينتظر الاستعمال، او تغادر الكفاءة التي تم تدريبها العمل وربما البلاد في اقرب فرصة، وينتهي مخزون الادوية والمحاليل مع انتهاء المشروع، والا يستدعي ذلك من وزارة الصحة، او من الحكومة تشكيل لجنة لتقييم ذلك، والاهم لتقييم الجدوى والاستدامة والاولوية لتلك المشاريع والمنح، والتي يتم في المحصلة تسجيلها تحت بند الدعم للشعب الفلسطيني، ويتم اضافتها للاموال التي حصل عليها الشعب الفلسطيني مع نهاية السنة.
ومعروف ان هناك في بلادنا، وبالاضافة الى القطاع الصحي الرسمي، العديد من المؤسسات الصحية الاهلية، او غير الحكومية، او تلك التي تتبع المجتمع المدني، والتي تعمل في مجالات المرأة، والطفل، والاسرة، والشباب، والامراض السارية، والمزمنة، وغير ذلك، وهي تحصل على الدعم والمنح والتدريب والاجهزة، من منظمات او من دول، وفي احيان تقوم بتنفيذ نفس المشروع ولكن من جهات مختلفة، وتحت مسميات مختلفة، وبالتالي، ورغم اهميتها ودورها وانخراطها في المجتمع، وبالاخص الدور الذي قامت بة قبل ظهور السلطة الفلسطينية، فهل يوجد هناك تنسيق وتشاور وتقسيم للادوار بين بعضها او بينها وبين السلطة الرسمية، وهل هناك تعاون مع القطاع الرسمي، ام فقط هناك تنافس للحصول على الدعم وعلى فلوس الدول المانحة، وكل ذلك يدفع ثمنة المواطن والقطاع الصحي الفلسطيني.
ومعروف ان الدول المتقدمة، او الدول التي تمتاز بالاقتصاديات القوية والتي تنمو بشكل مستدام، ترصد الجزء الاكبر في ميزانياتها للصحة وللتعليم، والمثال الاقرب الينا هو تركيا، والتي حققت خلال العشر سنوات الماضية قفزة اقتصادية واجتماعية هائلة، والتي تخصص الجزء الاكبر من ميزانيتها السنوية للصحة وللتعليم ومنة التعليم الصحي، ويكون هذا الجزء الكبير والاهم من الميزانية، ليس فقط لدفع الرواتب او النفقات الجارية او لشراء الخدمة والادوية مثل ما هو الواقع في بلادنا، ولكن يتم استثمارة وبشكل مستدام، من خلال الكفاءات والتدريب وانظمة الادارة والمعلومات والتعامل مع المرضى، ومن خلال الابحاث والدراسات، ومن خلال العمل لتوفير الخدمة بالجودة وبالمستوى المطلوب ومن خلال ترسيخ الاحترام اللازم للمريض وللطبيب وللمرض ولفني المختبر، ويتم استثمارة لتحقيق الاستقرار ومن ثم التطور في قطاع من اهم القطاعات في المجتمع وهو القطاع الصحي.
والقطاع الصحي في بلادنا، ورغم الجهود والتطور هنا وهناك، والبناء هنا وهناك، والاجهزة هنا وهناك، وفي ظل الواقع الحالي، من التخبط في الاضرابات ومن ثم التشويش او التعطيل او التأجيل، وفي ظل نقص الميزانية والادوية او التهديد بقطع توريدها، وفي ظل تكدس المراجعين وانتظار الدور، وفي ظل ترهل اداري وهيكلي، وفي ظل عدم ايلاء الاهمية والجدية للكفاءة وللعمل وللانجاز، وفي ظل تواصل الحديث عن الاغذية الفاسدة وعن تلوث الطعام وعن جودة المياه، وعن وضبط المخدرات والادوية منتهية الصلاحية، وفي ظل التجاذب بين هذا وهذاك على حساب المريض والمواطن الفلسطيني، وفي ظل تشتييت الطاقات والمصادر من خلال الحصول على مشاريع المانحين، فقط للحصول على راتب اكبر، او لمواصلة الحصول على رواتب او امتيازات ومكافأت وزيارات وحضور مؤتمرات، او للظهور الاعلامي هنا او هناك، وفي ظل كل ذلك، فأن الواقع الصحي في بلادنا بحاجة الى اعادة دراسة جذرية نحو الافضل ونحو الاهتمام ونحو الجودة والاحترام، ونحو التغيير والاهم قيادة التغيير بنجاعة.
والقطاع الصحي، ومن خلال الحكومة، التي هي المسؤول الاول عنة، بحاجة الى الى دراسة ومن ثم الى تعديل البناء الادراي، والى ضخ الدماء الجديدة والكفاءات في مواقع ما زالت على حالها منذ السنوات العديدة، سواء من حيث المسميات او الاشخاص او طبيعة العمل، ووهو بحاجة الى تطوير قطاعات، اصبح المريض في امس الحاجة اليها، وهو بحاجة الى قيادة تحترم كافة القطاعات التي يتشكل منها القطاع الصحي، من اطباء وممرضين وخدمات صحية، تتشاور معهم وتعمل من خلال عمل الفريق الواحد، وتعمل من اجل المصلحة العامة، ومن اجل المريض وليس لتعداد الانجازات او الظهور في الاعلام وتسجيل نقاط عند الرأي العام، وهو بحاجة الى اعطاء الاهتمام والاستقلالية واعادة الهيكلة لقطاعات مهمة، كالمختبرات، ومكافحة المخدرات، وتوفر الادوية، وانظمة المعلومات ولطريقة الحصول عليها وهو بحاجة ليس فقط الى التدريب والى الاستثمار في الكوادر والقدرات البشرية، ولكن الى الاستثمار في الظروف والامكانيات والحوافز واسلوب التعامل والادارة، الضرورية لكي تبقى هذه الكفاءات تعمل وتشعر بالانتماء للعمل، ولا تغادر في اقرب فرصة ممكنة.
والقطاع الصحي الفلسطيني بحاجة الى لجنة وطنية موضوعية علمية محايدة تعمل على غربلة المشاريع وتنقيح وتوجية اموال الدعم وتحديد الاولويات الفلسطينية بناء على الاحتياجات الفلسطينية وليس حاجة المانحين، ، وتحديد مدى الاستفادة والاستدامة لهذه المشاريع، بعيدا عن تحكم فلان او علان، او احتكار هذه الجهة او تلك في هذا المشروع او البرنامج، وما يمكن ان يتبع من رواتب ومن مكافأت بعيدا عن الهدف الحقيقي للمشروع، وهو بحاجة الى التركيز على الرعاية الصحية الاولية والصحة العامة من حيث الجودة والنوعية وليس من حيث الكم والعدد والحجم، وبالتالي التركيز على الطفل والشاب في المدرسة، وعلى مكافحة التدخين وعلى محاربة المخدرات، وعلى التلوث البيئي وجودة المياة، وعلى المرأة والعائلة، وعلى التوعية من الامراض السارية وغير السارية، وهو بحاجة الى بناء وتقوية ثقة المواطن بالعيادة والمستشفى والطبيب وفني المختبر ومختص الاشعة، وكل ذلك يحتاج الى الدراسة والهيكلة والتغيير والاهم ادارة التغيير، من خلال انظمة وادارات و اشخاص يأخذون مصلحة المواطن والمريض والبلد والمجتمع في الاولوية، لان الاشخاص في المحصلة يتغيرون، ولكن تبقى صحة المواطن، والتي تعتمد بالاساس على نوعية القطاع الصحي، هي الاهم في اي بلد او في اي مجتمع.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء