وهل يزيد الحمل عن تسعة شهور؟ ..فراس نصار

31.03.2014 11:26 AM

 إعتادت الجدة في كل مرة أن تُزغرد عند سماعها بنبأ حملٍ جديد لحفيدها العتيد، مع علمها ويقينها أن الفترة المقررة حتى الولادة هي تسعة شهور إلا أنها غالباً ما تُرخي العَنان لِلسانها ليضرب أطراف وجنتيها معلناً بداية حملٍ آخر، لا يهمها مدته،  فهي متلهفة لولادة حفيدها "سلام" ، الذي طال إنتظاره،  والجدة على إستعداد لقلب قواعد الطبيعة في سبيل رؤية الحفيد، فحتى لو إختُزلت فترة الحمل الى بضعة أشهر، أو طالت لسنين فعلامات إنتفاخ البطن وأوجاع الظهر والذهن فور حدوثها ملهمةً لضخ مئات الجالونات من الأدرينالين في أروقة أفكارها لتلتصق في مخيلة الجدة وكأن ساعة الحسم العظيم باتت تتصعد كالبراكين،                                                                                                             ومع بداية بوادر "التوحُم"  تهرول الجدة مسرعة الى الأزقة والشوارع المجاورة لتؤكد الخبر اليقين، ومن ثَم تقوم بجمع الأطباء والممرضين للإسراع بوصف نوع من أنواع الفيتامين، لتضمن عدم تكرار الاجهاض كما يحدث دائماً منذ نهايات القرن الماضي بدءً من العام تسعين.

    الجدة بطبعها تُحب الأبناء، وتُكثر من رسائلها الى رب السماء،  تسأله بكثرةٍ أن يَمُنَ عليها لو بقبلةٍ واحدة لحفيدها قبل اللقاء - فهي تعتقد - بانها مواظبةٌ تُحسِن الرعاية وتُجيدالإعتناء، وتحفظ جميع الأناشيد لتلقيها على مسامع حفيدٍ لها سيأتي بعد طول العناء،  وهي لا تفقد الأمل بحقها للعيش بسعادة، وتعتقد أن أحياء المنطقة جميعها بمجيء حفيدها سيفرحون، كذلك فهي تظن!!!  بأن الجارة التي سكنت بيت جدتنا القديم خلف السور ستُوزِّع الحلوى فرحاً وطرباً لحظة سماعها ألحان البكاء الأولى من فم الوليد "سلام"، بالرغم من ان هذه الجارة قد شيدت جداراً يلُف مكان سكناها منذ أيام، وضمت به طابون جدتنا، ومكان شرب الشاي، وحبل الغسيل، وشجرة الليمون وشجرة النخيل والحديقة والبيت الكبير، حيث كانت قد وُلدت الجدة هناك ولعبت ونسجت ذكرياتها وحفظت أناشيدها وحاكت ثيابها، إلا أنها تسامح الناس، وتأوي الناس، وتُطعم الناس، وهي كثيراً ما كانت ترى جارة السور تقفز لتملأ دلوها من بئر الماء وتسطو على ثيابها المطرزة، وعلى معظم حطبها الذي أعدته لفصل الشتاء، والكثير من الدقيق المخزن بجانب الحائط الخلفي لغرفتها الصغيرة، إلا انها كانت تدير رأسها عن أفعال جارتها، أملاً منها بأن حفيدها عند قدومه سيحمي ما تبقى في قعر بئرها من ماء،  وسيملئ حوض النعناع بغابات من الصنوبر والتفاح والكستناء، وعلى حافة نافذتها سيزرع حقول الذرة والقمح والعدس والبازيلاء، وسيشيد فوق كرسيها الخشبي المهلهل مسرحاً للغناء، لذا هي لا ترغب بالإنشغال عن إستعدادات الإستقبال ولا بالأسباب السابقة لموت الجنين "سلام" الذي يستخفي كل مرة في بطن أمه ثم يأتي ميتاً وليس في سطور قصته شيء على قيد الحياة سوى الرجاء، وقصيدة جديدة من قصائد الرثاء،
فهو عاجزٌ عن الشرح اوالكلام، لكنه يجيد الإستماع وفي ظلمة البطن يفسر الأحلام، ويعيد ترتيب السنين والأيام، ويقرأ الأفكار والنوايا ويميز الأوهام ، ولعجزه عن تحقيق أمنيات جدته وليقينه بعدم وجود فسحة له للعيش بإنسجام،  فإنه يشنق نفسه قبل الولادة بأيام، ويكتب  لجدته على صدره .... حتى لو مددتم فترة الحمل فقد مات سلام .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير