كيف يعيد التاريخ نفسة؟ بقلم: الدكتورعقل أبو قرع

كيف يمكن ان يكررالتاريخ نفسة وبهذه الدقة، يوم الجمعة الماضي (28-3-2014)، كان عنوان جريدة "القدس" قبل عشرين عاما، ما يلي"ابو مازن:الاسرائيليون يخلقون المشاكل في كل مرة نقترب فيها من تحقيق انفراج"، وفي نفس اليوم من عدد الصحيفة ، اي بعد عشرين عاما، كانت هناك عنواين مختلفة، لمسؤولين متعددين، تصب في نفس الاتجاة او تحت نفس المنوال، اي في اتجاة اختلاق العقبات او المشاكل، سواء فيما يتعلق بالافراج عن الاسرى، او فيما يتعلق بالاستيطان وبناء وحدات سكنية جديدة، او اعتداءات المستوطنين، او حتى فيما يتعلق بالدوامة المتواصلة من اختلاق مفهوم" يهودية الدولة"، الذي اصبح الشغل الشاغل للكثير ومنهم الامريكيين، وهل يا ترى سوف يكرر التاريخ نفسة، وبنفس المنوال او العناوين، بعد عشرين عاما من الان، او بعد عشرة او حتى بعد خمسة اعوام؟
ومع مضي فترة طويلة من الاخذ والرد، ومن التفاوض هنا وهناك، ومن التهديدات والوعود والتوقعات، ومن الجولات والزيارات والاجتماعات التي لا تعد ولا تنتهي، فأنة بات من الواضح ان هناك جيلا جديدا قد ظهر او تبلور، ومن الواضح ان هذا الجيل يختلف بكل معنى الكلمة عن ما سبق، سواء من حيث التفكير او من حيث الطموح او من خلال مفهوم الواقعية والبدائل وما هو الممكن وغير الممكن، وبات من الواضح كذلك ان هناك واقعا مختلفا يوجد الان على الارض، مقارنة مع الواقع قبل عشرين عاما، ورغم التغير هنا او هناك، او التقدم هنا او هناك، او حتى الاستمرار في الاخذ والرد من هنا و من هناك، الا ان هناك سؤال كان وما زال يتردد عند الكثير من الناس، وهو، لماذا لم تنجح عملية السلام حتى الان؟ وهل سوف تنجح هذه العملية، في المستقبل القريب او البعيد؟
ومعروف ان المفاوضات لحل الخلافات او الصراعات او الازمات، مهما كانت نوعية هذه المفاوضات، او ماهية هذه الازمات التي تهدف الى حلها او الى حلحلتها، سواء اكان ذلك في الاقتصاد او في بيئة العمل، او في السياسة او حتى بين الزملاء او الجيران، فأنها تعتمد او ترتكز بشكل ما على ما يتوفر من عناصر القوة والضعف، التي يمتلكها او من المتوقع ان يملكها الاطراف، وما يوجد من حولهما او من خلفهما من بيئة او ظروف او محيط يحوي هذه العناصر، وبالتالي تؤثر على المواقف، او على الامكانيات او على الاوضاع، لتحقيق الاهداف او على للحصول على نتائج، وهذا ينطبق على اوضاعنا، من حيث عناصر القوة والضعف، سواء فيما يتعلق بالارض والناس او الشعب الذي عليها، اي العامل الديمغرافي، او فيما يتعلق بالاقتصاد ودعائمة وما يشمل من سيطرة على المصادر، او من التحكم بالحركة والمعابر والحدود، او فيما يتعلق بالنسيج الاجتماعي والترابط والتفاؤل والايمان بالعدل والحقوق الانسانية، او فيما يتعلق بمدى ايجابية او سلبية ما يحدث من تغيرات ومن تطورات، سواء اكان في المنطقة او في العالم.
وبدون شك، ان كل هذه العناصر، لعبت وتلعب وسوف تلعب دورا ما في تحديد المواقف، وبالتالي دورا في النجاح في الحصول على شئ ما، وبالتالي اذا كان احد الاطراف هو الرابح من وضع ما، واذا كان هذا الطرف يستعمل هذا الوضع لتحقيق المزيد من الربح او المكاسب، واذا كان هذا الطرف يعتقد ان بقاء هذا الوضع هو لصالحة، فلماذا يعمل او سوف يعمل على تغييرة، او القبول بتغييرة، او بمعنى اخر اذا كان هذا الطرف لا يخسر من الوضع الحالي، او بالادق اذا كانت حسابات الربح عند هذا الطرف هي اكثر من حسابات الخسارة، فلماذا يقبل في تغيير ذلك، بل المنطق يقول انة سوف يعمل على اطالة هذا الوضع او اطالة التفاوض، او ابقاء المساومة او الجدال او الاخذ والرد، املا لتحقيق المزيد ولترسيخ مكاسب، ولكي يستخدمها كنقاط قوة في المستقبل، وهذا ينطبق على اصحاب العمل مع العمال، وعلى العلاقات وبأنواعها، وعلى السياسة وعلى تشعباتها.
وبالتالي، فانة من المنظور الاقتصادي او الاخلاقي او القانوني الذي يرادف او يرافق العملية السياسية في اوضاعنا، فإذا لم يكن هناك ثمن او تكاليف او خسارة للاحتلال او للاستيطان أو للسيطرة، اكثر او اعلى من زوال او انتهاء هذا الاحتلال، فلماذا يزول او يغير هذا الاحتلال في اوضاعة، و بالتالي اذا لا يتمتع اي موقف تفاوضي بعناصر من القوة تجعل وجود الاحتلال عبئا اقتصاديا او اخلاقيا او انسانيا او قانونيا على المحتل، فلماذا يرضخ الاحتلال لمطلب ولموقف الجانب الأضعف، وبالتالي فـأنة من الواضح، انة وبعد عشرين عاما، فان مبدأ الأرض مقابل الأمن او مقابل السلام كمبدأ قوة للتفاوض، لم ينجح وبالتالي لم تنجح عملية السلام، اي لم يتم تحقيق نتائج لصالح الطرف الاضعف وبشكل مباشر من الطرف الاقوى، وبالتالي وعلى ما يبدو فشلت عملية السلام حتى الان في تحقيق نتائج بالاعتماد على هذا المبدأ، لانة من الواضح ان مفهوم السلام عند جانب، يختلف او لا يتماشى او لا يتلائم مع مفهوم السلام عند الجانب الأخر.
والاهم، وبما ان اساس العملية برمتها هو حل الدولتين، لشعبين، اي دولة بجوار الاخرى، وهذا ما يعتقدة معظم الناس ومعظم العالم هذه الايام، والاعتقاد ان ذلك هو في الاساس مصلحة لاحد الجانبين ، وان ذلك يمكن ان يحافظ على الطبيعة الحضارية الديمقراطية الديمغرافية اليهودية، وبالتالي فأن الاعتقاد بان هذا هو عنصر قوة للمساومة في الأيدي الفلسطينية، لم يثبت حتى الان ومن خلال الممارسات ومن خلال الواقع على الارض انة صحيح، على الاقل في ظل الظروف الحالية، وهذا ما اظهرتة الوقائع على الارض قبل عشرون عاما، وما زالت تفرزة على الارض هذه الايام.
والسبب ربما يعود، وحسب البعض الى النزعة العميقة عند الجانب الاسرائيلي للحفاظ على الاوضاع والتي تترجم من خلال إعطاء او منح حقوق مميزة لهم في الاطار الايدولوجي، الذي يفضلهم على غيرهم من خلال هذه الامتيازات والحقوق، لا تمنح لغيرهم، والذي من الممكن ان يؤدي الموافقة او القبول بحل الدولتين بنفس التساوي او من خلال نفس الفهم او التعريف، الى المطالبة بمنح او بالحصول على حقوق متساوية معهم ، وبالتالي فأن القبول بمبدأ الدولتين وبحدود واضحة ومرسومة، وبسيادة وبصفات دولة كما هو موجود عند الطرف الاخر او غيرهما من الدول، لن يصب في هذا الاطار او سوف يتعارض مع الفهم الايدولوجي لتفضيل اليهود في هذه البقعة من الارض، ولذا من الواضح ان عملية السلام لم تحقق نتائج، واستمرت إسرائيل في البناء والتوسع والترسخ في أراض الجانب الأخر بشكل يوحي بعدم أهمية مبدأ حل الدولتين وهذا هو الواقع الذي نعيشة الان، ولذلك فشلت المفاوضات وعملية السلام القائمة على هذا المبدأ.
وفي ظل هكذا واقع، من فشل واحباطات، فما هي عناصر القوة التي يمتلكها الجانب الفلسطيني، وبالاضافة الى الوجود على هذه الارض، اي وجود الشعب الفلسطيني وتمسكة بهذا الوجود، رغم كل القيود والمنغصات، ووجود حقوق إنسانية لهذا الشعب نادى وينادي او اعترف بها العالم، لانة لا يمكن المساومة على حقوق إنسانية، فأن عنصر القوة الأبرز هو العمل من خلال هذا المفهوم، اي مفهوم انساني، اخلاقي، قانوني، دولي، من اجل ان يؤدي هذا العمل الى ارتفاع تكلفة الاحتلال، بشكل يعمل الى التغيير او الى اعطاء او الى التنازل عن حقوق الطرف الاخر.
وبالتالي، وبما انة واضحا الان وبعد عشرين عاما، ان التاريخ يعيد نفسة، وبنفس الوتيرة، وبنفس الاساليب، ومن خلال عقلية نفس اللاعبين، فهل يمكن وفي ظل الظروف الحالية المعقدة، ان يعمل الطرف الاضعف، على العمل لكي لا يعاود التاريخ تكرار نفسة بعد عشرة او عشرين عاما، او هل سوف تنضج المتغيرات والمعطيات وتتغير الاجيال، وبالتالي لا يكرر التاريخ ذلك، وللاجابة على ذلك، دعنا ننتظر ونرى؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء